حلقات يكتبها عبد الرؤوف المقدمي الغيرة وشذوذها يقال أنّ الغيرة هي توأم الحب، وهي سلاح رئيسي لإروس الذي مزجها بالنرجسية وحب التملك، والأنانية، والكراهية في نفس الوقت. والغيرة اذا كانت معتدلة غير عمياء، تصبح من محامد الأحاسيس. وأشدّ الناس غيرة، يغار أحيانا بلا سبب واضح. هو يغار فقط. والخيال ينمّي الغيرة. وعندما يصل بها الى مستوى متقدم، يترجمها في شكل عنف، يوجهه الواحد لنفسه او لغيره. والعادة قضت بل والطبيعة أيضا ان يقاس مدى الحبّ، بمدى الغيرة وتمكنها. ويروى في بعض الأساطير عن الحب ان الله خلقه، على هيئة طائر، وحين رأى الحب نفسه وحيدا، توسل الى الله قائلا: «سبحانك، أهكذا ترسلني طفلا ليس معي من يحميني ومن يدافع عنّي». فقال له الخالق: «ها أنا مرسل معك هذه الحمقاء التي تضرب من حولك، بعقل وبغير عقل. وترمي بسهامها على جانبيك من يؤذيك ومن لا يؤذيك». وقيل أن حب النفس لا حبّ الغيرة هو مصدر الغيرة. وقيل في قلب الحبيب الصادق، اما أن تقتل الغيرة الحب او ان يقتل الحب الغيرة. وقيل أيضا الحب أعمى والغيرة عوراء. وآفة الحب الغيرة. واذا وجد الحب في قلب وجدت بجانبه الغيرة، التي تتحول الى بغض فحقد، فنزعة جنونية، قد تؤدي الى الاجرام. ولعل في الجرائم العاطفية الوحشية الدليل على كل ذلك. «والغيرة المتولدة عن الجنس، هي أخبث وألعن وأعنف، أنواع الغيرة. ولذا يصيب ردّ فعلها العقل والعاطفة والجسد، واصابتها لكل هذه العناصر، وسيطرتها عليها يجعلها، لا تخضع للعقل او المنطق او للعزيمة، بل توجّهها الى ما فيه الشر والهلاك نفسه» هكذا تقول «سيمون دي بوفوار». والزوجة التي تتمتع جنسيا بزوجها (أو بعشيقها) تغير عليه غيرة عمياء. واهتم الأخصائيون النفسيون اهتماما خاصا بالغيرة، واستعانوا بمعرفتهم بها في علاج العقد النفسية. ويعود السبب في قوة الغيرة المتسببة عن الجنس، الى أن الانسان يجد في كفاية غريزة الجنس بالذات، أقوى وأشدّ متع حياته، ويرى فيها راحة لبدنه وأعصابه وعقله وعواطفه، وهي العناصر التي يتكوّن منها صميم كيانه. وتتطور الغيرة الجنسية الى عقد ملعونة ومركبّة، تدفع صاحبها الى الشذوذ الجنسي. مثل «الساديزم» و»المازوشيزم»، وغيرها من أنواع الشذوذ. وحسب «سيمون دي بوفوار» دائما، فإن من النساء خصوصا من تدفعها غيرتها المعقدة، على من تحبّه الى كيده، ومعاكسته، ومضايقته لدرجة لا تتحملها الأعصاب. فينهال عليها ضربا، وصفعا، وسبّا، عندها تستعطفه بل وتقبّل قدميه في غرفة النوم. إنّ الغيرة عندما تصيب العاشق او العاشقة تصبح وسواسا، يطوّر خيال المريض، أو يزيده مرضا. والغيرة الجنسية اذا اختلطت بحنين الهوى واندفاع العاطفة المكبوتة، تستدرج العاشق ثم تأخذه على غرة، وتدفع به الى أسوإ أنواع القنوط والكآبة. والغيرة بأنواعها تتولد اما عما يمكن تبريره، وإما عمّا لا يمكن تبريره، من شك ووهم خيال. وهي لا تهدأ ولا تأخذ بالواقع، ولا تعترف بالحقائق «فلا اللّين يخفّف شدّتها، ولا الحركة الودودة تزيل مرارتها، ولا العقل يصغي لها». إنها مجال خطير للتنافس والشد والجذب والعناد، على سيطرة غير معقولة. وألدّ أعداء الغيرة بل بلسمها، الذي يطفىء نارها هي الثقة، في الحبّ العذري والجنسي، والخضوع والاستكانة، في الحبّ الجسدي الخالص.