لا شكّ أن لولاية المنستير خصوصيات قد تميّزها عن غيرها من بقية ولايات الجمهورية، وهذا ما قد يجعل الانتخابات المقبلة لعضوية المجلس الوطني التأسيسي صبغة مغايرة لما قد يحدث في جهات أخرى. فولاية المنستير عرفت بكونها جهة النضال الوطني فالمنستير مسقط رأس الزعيم الراحل الحبيب بورڤيبة والتي تعرّض أبناؤها الى اضطهادات بالسجن والنفي والاستشهاد فكانت واقعة التجنيس سنة 1933 وحوادث المنستير في أوت 1952، وقصر هلال موطن انبعاث الحزب الحرّ الدستوري التونسي والمكنين التي شهدت أول حوادث دامية ومواجهة بين أحرارها وقوات الاستعمار والوردانين وزرمدين وقد برزا بكثرة ثوارهما، وفي كل قرية ومدينة أخرى أكثر من شهيد. وهذا ما جعل الزعيم الراحل الحبيب بورڤيبة يجازي هذه الجهات فيعين عددا كبيرا من أبنائها في مناصب وزارية هامة نذكر منهم الباهي الأدغم الهادي نويرة محمد مزالي أحمد بن صالح محمد الصياح المنجي الكعلي الهادي خفشة عبد الله فرحات المازري شقير فرج الشاذلي عمر الشاذلي عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد اللّه حتى أن أبناء هذه الولاية أصبحوا لا يستطيعون العيش بلا سياسة ويرون في تعيين وزراء من جهاتهم اعترافا بجميل ما قدموه من تضحيات خلال الحركة التحريرية وترضية لهم. وكان كلما حدث تحوير وزاري ولم يعيّن وزير من مدينة ما أخذ الغضب من أبنائها فعملت السلط وقتها على إرضائهم، وكأن الرئيس المخلوع شعر بنفس الاحساس فواصل نفس التمشي وعيّن من هذه الجهة عبد العزيز بن ضياء عبد الوهاب عبد اللّه الطيب الحذري المهدي مليكة الهادي مهني الحبيب الأزرق صلاح الدين بلعيد الصادق القربي البشير التكاري عبد الحميد سلامة ورضا بن مصباح. هذا العدد الكبير من الوزراء بالاضافة الى مسؤوليات أخرى في التجمع والمنظمات تقلّص اليوم بدرجة كبيرة إذ لم يبق اليوم من الوزراء في الحكومة المؤقتة إلا وزيران إثنان فحسب وهما الطيب البكوش من جمّال وجلول عياد من خنيس ولو أنه عاش بسوسة ثم بالخارج ولا صلة له بموطنه وهذا ما جعل انتخابات المجلس التأسيسي ليوم 23 أكتوبر تحتل مكانة هامة وخاصة لدى متساكني المدن الكبرى خصوصا مدن المنستير المكنين قصر هلال وجمال والتي بلغ فيها عدد رؤساء القائمات المترشحة 42 من جملة 65 علما أن عدد المسجلين إراديا من هذه المدن يبلغ 112723 ناخبا من بين عدد جملي بكامل ربوع الولاية يبلغ 203085، وهذا ما يمثل نسبة 55.51٪ إلا أن استئثار هذه المعتمديات الأربع بهذا النصيب الأوفر من الأصوات قد يحدّ عدد المترشحين المرتفع من فاعليته إذ ينتظر أن تتشتّت الأصوات، في معتمدية المنستير 39568 ناخبا و21 قائمة وبالمكنين 29863 ناخبا و8 قوائم وبقصر هلال 7 قوائم و21473 ناخبا وبجمال 6 قوائم و21819 ناخبا، ولو أن كل القوائم تشتمل على 8 مترشحين آخرين من أماكن أخرى إلا أن هوية رئيس القائمة هي التي ستستقطب اهتمامات الناخب بدرجة كبيرة. ومن خلال استقراء آراء المطلعين على الشأن السياسي نلاحظ أن جل الآراء ذهبت الى أن وفرة القائمات المترشحة والبالغ عددها 65 بعد سقوط قائمة حزب المواطنة نتيجة وجود مترشح سنه دون 23 سنة. وهو ما جعله يقبل أصول اللعبة ولا يلجأ الى القضاء في حين رفع مرشحا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين قضية عدلية الى المحكمة الابتدائية بالمنستير بعد رفض ملفيهما وقد قبلت هذه المحكمة شكواهما واستأنفت اللجنة الجهوية للانتخابات بدائرة المنستير الحكم لدى المحكمة الإدارية. وأكد لنا رئيس اللجنة الأستاذ حامد الأميم ان اللجنة تنتظر حكم المحكمة الإدارية لتضبط القوائم النهائية إما 65 أو 67. وهذا التشتت قد يجعل من أصوات المدن والقرى التي غاب فيها المترشحون على غرار صيادة وبنان وطوزة والبقالطة والمناطق الريفية حاسمة في تحديد موازين القوى. على ان هناك مدنا اكتفت بتقديم قائمة واحدة يرأسها أحد أبنائها وفي أقصى الحالات قائمتين على غرار مدن طبلبةوقصيبة المديوني والساحلين والوردانين. دور الاحزاب إلا ان هناك عنصرا آخر قد يتغلب على الانتماء الجغرافي ويلعب دورا أساسيا في تحديده توجه الناخب. وهذا العنصر الهام هو الالتزام الحزبي. فالمنخرطون بالاحزاب سيصوتون للقوائم الحزبية ولا يعطون أهمية لمن يكون رئيس القائمة وهويته ومكوّناته. وهنا يلعب اشعاع الاحزاب بالجهة دورا أساسيا فأغلب الأحزاب لم يكن لها اي وجود باستثناء حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في بعض المناطق القليلة او حزب الوحدة الشعبية او الحزب الشيوعي في مدينة قصيبة المديوني حتى كادت الولاية تعيش نظام الحزب الواحد، وحتى الأحزاب التي بدأت تفرض لونها على غرار الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة النهضة وحزب العمال الشيوعي التونسي كانت ممنوعة من النشاط العلني ولئن غاب الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب العمال الشيوعي فعليا عن النشاط حتى السري منه فإن حركة النهضة بالجهة حافظت على خلاياها النائمة التي استيقظت ولملمت جراحها واستعادت أنصارها القدامى واستقطبت الكثير من الأنصار الجدد خاصة من الشبان ونجحت في وقت وجيز في تركيز مكتب جهوي و17 مكتبا محليا و8 فروع قاعدية وقامت بعدة اجتماعات تعبوية واستغلت شهر رمضان المعظم والعودة المدرسية لإبراز تعاطفها مع ذوي الدخل المحدود وهنأت الأسر بالعيد. وقد تفوز قائمة النهضة بمقعدين او ثلاثة كما ينتظر ان يفوز كل من حزب المبادرة وحزب الاصلاح الدستوري بمقعد. فقائمة المبادرة التي يرأسها السيد الهادي الشاوش وهو أمين مال القباضة الجهوية سابقا بالمنستير معروف لدى عديد الأوساط ويحظى هذا الحزب الجديد سليل الحزب الاشتراكي الدستوري بعطف الدساترة وخاصة في المناطق الريفية وبعض المدن كالمكنين وأريافها وأرياف زرمدين الا انه قد يكون حظه في جمع أصوات من مدينتي المنستيروقصر هلال ضعيفا بحكم موقف البورڤيبيين من أبناء المدينتين من زعيم هذا الحزب السيد كمال مرجان الذي يتهمونه بربط علاقة متينة مع الرئيس المخلوع ويحمّلونه بالتالي كل ما لحق المنستير من مظالم وتهميش. أما حزب الاصلاح الدستوري الذي أسسه الراحل رضا عياد والذي هو وريث لحزب بورڤيبة والذي أصبح يرأسه السيد فوزي اللومي ويشغل خطة أمينه العام السيد محمد سعد فقد نجح هو الآخر في تركيز 13 مكتبا محليا و4 خلايا قاعدية وهو بصدد كراء محلات لمقرات مكاتبه. وقد رشح السيد قاسم مخلوف وهو نجل السيد الناصر المخلوف الذي شغل في عهد الفترة البورڤيبية خطة كاتب عام للجنة التنسيق قبل ان يطلق السياسة ويتفرغ لأعماله الخاصة وما تمتاز به هذه القائمة هو أنها قائمة شبابية اذ لا يتجاوز سن رئيسها 33 سنة علما أن عدد الناخبين من 8 الى 40 سنة يبلغ 106198 بما يمثل تفوق 50٪ من عدد الناخبين، إلا أن هذا لا يعني أن بقية الاحزاب ستكون منعدمة الحظوظ فقد لا يعني التوفق في تركيز المكاتب والخلايا القاعدية عدم قدرتها على استقطاب الناخبين. فالبعض اختار تنظيم الاجتماعات التعبوية على غرار القطب الديمقراطي الحداثي وحزب العمل والحزب الديمقراطي التقدمي وحزب العمال الشيوعي والاتحاد الوطني الحر. ويتحدث الناس عن دور المال من بعض الاحزاب لاستقطاب وتحفيز الناخب، ويبقى لعامل الاقناع خلال الحملة الانتخابية دوره. كريمة بورقيبة حزب جديد ولد بعد الثورة ونعني به حزب آفاق تونس وقد ترشحت عن قائمته بدائرة المنستير مريم بورڤيبة كريمة الزعيم الراحل الحبيب بورڤيبة فهل سيكون لنسبها البورڤيبي دوره في جلب أصوات عدد من الناخبين لها أم أن الذين عايشوا بورڤيبة تقلص عددهم فالذين تتراوح أعمارهم بين 51 و100 سنة لا يزيد عددهم عن 55 الف ناخب أي حوالي ربع الناخبين. وللمستقلين نصيب وفي انتظار ما سيقوم به مرشحو الاحزاب الذين انطلقوا في حملاتهم الانتخابية قبل الأوان وما سينجحون فيه خلال الحملة من استقطاب ومدى قدرتهم يوم الاقتراع بالخصوص على تحفيز الناخب للتوجه الى مكاتب الانتخابات يبقى السؤال المطروح حول دور المستقلين في العملية الانتخابية باعتبار أن القائمات المترشحة متقاربة جدا: 35 قائمة للاحزاب و30 للمستقلين، بل ان هناك رؤساء قائمات من هم معروفون على الساحة لا الجهوية فحسب بل حتى على الصعيد الوطني على غرار السادة حسين الديماسي الذي ترأس قائمة الشموخ وهو الاستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الذي رفض منصبا وزاريا في حكومة الغنوشي ومحمد الهادي البنزرتي الرئيس السابق للاتحاد الرياضي المنستيري والذي يرأس حاليا ودادية رؤساء النوادي المحترفة الاولى والثانية وقد ترأس قائمة العدالة والمصالحة وشقيقه المدرب القدير والاشهر من نار على علم فوزي البنزرتي الذي دخل المعترك السياسي بقائمة شعارها الجرأة والطموح وسالم الحداد النقابي المعروف وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والذي قد تحد من حظوظه في النجاح وجود 4 قائمات مترشحة أخرى من زرمدين الى جانب قائمته الامل وهي الوحدة الوطنية لصلاح الدين الوحيشي الذي دخل في منافسة مباشرة مع المترشح من الجناح المنافس في حزب الوطن البشير محلة والذي اختار عنوان الصدق. بالاضافة الى قائمات التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات برئاسة جمال طوير والقائمة المستقلة الكرامة والعدالة والسلم الاجتماعية برئاسة محمد نجيب الحداد والقائمة الحزبية لحركة الكرامة والتنمية والتي يرأسها عبد الناصر الشعلالي، وقد تأتي مفاجآت مدوية لم يقرأ لها أحد حسابا في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، لكن الثابت هو أن 6 أحزاب تنطلق بحظوظ وافرة في الفوز بمقعد او أكثر فيما تبدو حظوظ 3 أو 4 قائمات مستقلة قائمة.