بدا عباس وهو يلقي كلمته من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، محاطا بأول عائلة هُجّرت من فلسطين سنة 1948.. بدت المفاتيح التي حملها المهجّرون عائلات وأسر إبّان النكبة، تقرع محيطه.. ومخيلته.. وذكرياته.. فقد كان واحدا من أولئك المهجّرين الحاملين ما خفّ وزنه، دون أن ينسى أيّ قائد للعائلة، مفتاح البيت.. تذكّر عبّاس، وهو الذي آمن ب«أوسلو» واعتقد أن الأمريكان جدّيون في عملية السلام.. تذكّر كيف غادر «صفد» في شمال فلسطين سنة 1948، وكان عمره لا يتجاوز 14 سنة.. وتذكّر صور التشريد والغبن والقهر التي نالت شعب فلسطين أيام النكبة والتّهجير.. العالم صفّق، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لثورة فلسطين ولقضية فلسطين، لأنه رأى صورة محمد الدرّة وهو يقضي تحت وابل من الرصاص الاسرائيلي.. رصاص جيش الاحتلال.. حامت حول عبّاس أمس صور عديدة ذكّرتنا بمجازر «دير ياسين» و«قبية» ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.. وأعادت الى أذهاننا مجازر صبرا وشاتيلا وغزّة.. وكلّها بفعل طرف واحد: الاحتلال الصهيوني.. كانت الأعناق مشرئبّة في رام اللّه، حين تطلّع أبناء فلسطين الى خطاب الرئيس عبّاس، الذي آثر، وهو محقّ، أن يتحدّث الى العالم عبر الأممالمتحدة باسم منظمة التحرير الفلسطينية.. كان وجدان الانسانية قاطبة، يحوم أيضا حول عباس وهو يلقي كلمته التي طلب فيها المنتظم الأممي، بأن يعترف بالدولة الفلسطينية المستقلّة.. علّ الأممالمتحدة تكفّر عن ذنب اقترفته من داخلها دول متنفّذة وقائدة للعالم سنة 1947، عندما استصدرت الأممالمتحدة هذه قرار تقسيم فلسطين، فواصلت بذلك مشروع «بلفور» المشؤوم الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحقّ.. باسم الشهداء الفلسطينيين وباسم المهجّرين، الذين يتقاسمون العذاب والاغتراب وضياع الحقوق الأساسية لكلّ إنسان، في المخيّمات والشتات، تكلّم عبّاس أمس، ووضع الانسانية أمام مسؤولياتها.. بكلمة فيها تأريخ للعذاب والدمار والاحتلال وشُؤم المخططات والمؤامرت، تمكّن عباس، من أن يقيم العلاقة بين سنة 2011 سنة الانتفاضة العربية العارمة، وبين سنة 1974 سنة الوهم العربي الرسمي الذي «دفن» قضية فلسطين بين ثنايا الرجعية العربية والامبريالية والصهيونية.. بالأمس، وعبر ساحات العالم، ومنها تونس، أسقطت الجماهير ورقة التوت، عن كل الذين دأبوا على ذرّ الرماد في العيون وهم يطعنون قضية فلسطين..