تازركة المدينة الهادئة بفرح أهاليها وإقبالهم على الحياة بكل حبّ... عاشت عشية الجمعة الماضي حدثا إبداعيا استثنائيا... الاحتفاء بمرور قرن على ميلاد رائد الفكر الوجودي في تونس الأديب محمود المسعدي الذي نشأ وترعرع في ربوع هذه المدينة المغرية.مثقفون ومبدعون احتضنتهم دار الثقافة بتازركة للوقوف عند إبداعات رجل قال «الأدب مأساة أو لا يكون»... مبدع آمن بالفعل الانساني في الحياة... محمود المسعدي... معه كانت أكثر من ذكرى... وفي مؤلفاته أكثر من وقفة تأمل في أسرار الوجود وكينونة الانسان.... تقترب من أهالي تازركة فتكتشف فيهم هذا الاعتزاز بابن مدينتهم... يحدثونك عن حبّه الكبير وتعلقه الشديد بتازركة... ويحدثونك عن دعوته أن النجاح في الحياة يكون بالاعتماد على النفس... رجل يرفض الاتكال على الآخر ويمقت الخنوع والخضوع لارادة الغير على الأرض.استجابة لمطالب المثقفينعند افتتاحه هذه التظاهرة وبعد إزاحة الستار عن محمود المسعدي الذي أصبح يحمل اسم دار الثقافة بتازركة تحدث السيد عزالدين باش شاوش عن علاقته الوطيدة التي تربطه بالمفكر الخالد محمود المسعدي... علاقة تمتد على سنوات طويلة... ليشير ويؤكد بحزم أن الاحتفال بمائوية المسعدي وفي هذا الوقت بالذات يأتي استجابة لنداءات المثقفين والمبدعين: «فليست هذه الارادة من فوق ولا علاقة للمخلوع بها بل جاءت من المثقفين الذين تحمسوا وسهروا لأجل انصاف رجل فكر وثقافة وابداع حري بتونس أن تفاخر به في المحافل الدولية».المسعدي ظُلم مرتينوكشف السيد عزالدين باش شاوش في جانب آخر من كلمة الافتتاح أن الأديب والمفكر محمود المسعدي تعرض للظلم مرتين في عهد المخلوع بن علي. خلال لقاء فكري نظمه المركز الثقافي التونسي الليبي حول أدب المسعدي صدرت توصية بترشيح أديبنا الفذ الى جائزة نوبل ولما بلغ الأمر إليه (يعني بن علي) أمر والكلام للوزير ألا يعطى لهذا الموضوع أهمية.حرمان الأديب محمود المسعدي من اليونسكو التي فكرت في الاحتفاء به وتكريمه بقرار من بن علي وقد سعينا والكلام للوزير بتشريك عدد من المنظمات الدولية بما في ذلك اليونسكو، لكن الأمر كان عسيرا.حتى 30 جوان 2012وأعلن من ناحية أخرى وزير الثقافة أن الاحتفال بمائوية محمود المسعدي ستمتد حتى جوان 2012 في كامل أرجاء البلاد وباريس من خلال معهد العالم العربي والقاهرة بمناسبة المعرض الدولي للكتاب بها.كما ستشهد هذه الاحتفالات إنتاج كوميديا موسيقية مستوحاة من فكر وأدب المسعدي.الاحتفال في أرقامواستعرض الدكتور محمود طرشونة منسق تظاهرة الاحتفال بمائوية محمود المسعدي برنامج هذه التظاهرة. فأبرز أنها تتوزع على 3 محطات رئيسية. 335 نشاطا فكريا حول أدب وفكر المسعدي تتضمن ندوات وأنشطة علمية مختلفة من ضمنها ندوة علمية تحت اشراف وتنظيم بيت الحكمة بمشاركة باحثين ومختصين من اليابان والبرتغال والعديد من الدول العربية والأوروبية الأخرى الى جانب ندوات فكرية جهوية ومحلية. توأمة بين مائوية المسعدي ونجيب محفوظ، ومن هذا المنطلق سيكون المسعدي حاضرا يوم 24 جانفي القادم في معرض القاهرة الدولي للكتاب. ندوة دولية تحت اشراف اتحاد الناشرين التونسيين حول أدب المسعدي في معرض تونس الدولي للكتاب أفريل 2012.كما سيكون للمركز الوطني للترجمة والمعاهد الثانوية والمعهد العربي بباريس حضور فاعل وكبير لأدب وفكر المسعدي دراسة وتحليلا وترجمة. تهتم المحطة الثانية بالنشر والتوزيع من خلال إعادة طبع الأعمال الكاملة للمسعدي الى جانب اصدار مجموعة من الدراسات حول أدبه وبعث مؤسسة المسعدي للدراسات والبحوث ومتحف يجمع مخطوطاته وتسجيلاته الى جانب تأسيس جمعية الدراسات والبحوث للمسعدي وإقامة معرض وثائقي بقاعة الأخبار بداية من 28 جانفي القادم. المحطة الثالثة من الاحتفال بمائوية المسعدي تهتم بالاعلام والمعارض، وفي ذلك العمل على اطلاق اسمه على احدى القاعات باليونسكو وفي جامعات القاهرة وسوريا والعراق والتفكير في اطلاق اسمه على كلية الآداب 9 أفريل وعلى أحد الشوارع الكبرى بالعاصمة (الشارع الذي يربط الكلية بساحة القصبة) وإطلاق جائزة وطنية للأدب باسمه وغيرها من الانجازات والاختيارات التي من شأنها أن تخلد المسعدي في الذاكرة الى جانب 115 معرضا وثائقيا وفنيا تشكيليا.حلم المسعديوتدخل السيد عزالدين باش شاوش ليشير الى عزم الوزارة على تحقيق حلم محمود المسعدي المتمثل في تحويل «السدّ» الى عمل مسرحي على الركح... فبعد أن تطوّرت التقنيات الابداعية للتعاطي بحرفية مع النصوص المسرحية مهما كان مضمونها، فإنه سيتم الاعلان عن فتح مناقصة وطنية لاخراج «السدّ» وبذلك يتحقق حلم المسعدي، مع الاشارة أنه يجري حاليا انجاز شريط وثائقي جاهزا للعرض أواخر شهر ديسمبر القادم تحت اشراف وزارة الثقافة التي ستعمل في ذات الوقت على إصدار تسجيلات برنامجي (كتاب مفتوح) و(بلا حدود) في أقراص مضغوطة.وللشعر نصيبلئن شهد حفل الافتتاح عرضا لشريط وثائقي تحدث فيه المسعدي عن حياته وفكره وأدبه في أعمار مختلفة، فإن الشعر كان له حضوره الفاعل من خلال الشاعرة والباحثة آمال موسى التي كانت تربطها علاقة إبداعية وطيدة مع الأديب الكبير محمود المسعدي ترجمت في التقديم الذي خص به ديوانها الشعري «أنثى الماء»، آمال موسى قدمت ألوانا من كتاباتها الشعرية جمعت فيها بين الرومانسية الحالمة والأنثى المتوثبة الرافضة للقيود والمنتصرة لكل معاني صنع الحياة وكسب رهان الطموح والتوق الى الأفضل والأرقى والأجمل.