احتفلت بلادنا يوم السبت الماضي بالذكرى الأولى لقيام الثورة المباركة، ماهي العبر التي أخذتموها من هذه الذكرى كحزب فائز بثقة أغلبية الشعب؟ هذه الثورة هي ثورة كل التونسيين ومن قبل كل الأجيال، وكانت الحل الأوحد والأخير لخروج تونس من حكم الاستبداد والفساد، وبذلك يكون هذا الشعب الأبي قد اختار الطريق الأصعب والأصح. وما امتاز به شعبنا هو أنه صنع ثورته بنفسه لأنه أمام ما ساد البلاد من ظلم وقهر وفساد كان الناس ينتظرون أن يأتي الحلّ من الخارج أو من انتفاضة داخل النظام لأن الانتخابات كانت نتائجها محسومة مسبقا وكانت ديكورا لمغالطة الشعب. وأعتبر أن هذه الثورة المباركة هي نصر من اللّه سبحانه وتعالى للشعب الذي قهر وللمناضلين الذين استشهدوا وسجنوا وأبعدوا خارج الوطن والذين عذبوا وحرموا من حق لقمة العيش وحركة النهضة كانت في طليعة من تعرضوا لهذه الأعمال القمعية من النظام البائد ولا شك أنها تدرك أن الظلم لن يدوم ولو عمر عدّة سنوات، ونحن كمناضلي هذه الحركة جئنا لخدمة الشعب وتعويضه عن سنوات القهر والظلم والطغيان بالعدل والانصاف والانجاز. بعد مرور سنة من قيام الثورة، هل ترى أن هذه الثورة حققت أهدافها؟ أعتقد أن هذه الثورة التي أطاحت بديكتاتور وما كان يخفي وراءه من قوة زائفة حققت بعض أهدافها فحسب. فقد وضعت حدا لحكم استبدادي وأعادت الكلمة العليا الى الشعب الذي اختار ممثليه يوم 23 أكتوبر 2011 في أول انتخابات حرة ونزيهة تشهدها بلادنا واستكملت مقوّمات الانتقال الديمقراطي من خلال المصادقة على التنظيم المؤقت للسلط بانتخاب رئيس المجلس الوطني التأسيسي وتعيين رئيس حكومة من بين الحزب الفائز بالأغلبية وأعتقد أننا انطلقنا في العمل على طريق الاصلاح الحقيقي لنكون امتدادا لحركات الاصلاح التي قادها علماؤنا وزعماؤنا على امتداد قرن ونصف. ونحن في بداية تجربة ديمقراطية وضعت حدّا للرأي الواحد والحزب الواحد ومع الائتلاف الثلاثي نسعى الى التعاون جميعا مع المعارضة للاستجابة لمطالب شعبنا الاقتصادية والاجتماعية والعمل على توزيع الثروة بين الفئات والجهات وإصلاح مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية وتحرير الاعلام ويومها يمكن أن نقول أن هذه الثورة المباركة قد حققت جانبا هاما من أهدافها. لكن المعارضة قالت إن تونس انتقلت من الحكم الفردي الى الحكم الثلاثي وإنه وقع اقصاء وتهميش قرابة 115 من الأحزاب؟ نحن كحزب حركة النهضة فزنا في الانتخابات التي دارت في كنف الحرية والنزاهة والديمقراطية بإرادة الشعب رغم القانون الانتخابي الذي سعى الى حرماننا من الأغلبية المطلقة... لكن نحن على استعداد تام كحركة وكائتلاف حاكم للتفاعل بجدية مع مقترحات المعارضة خدمة لمصلحة البلاد، وفي نفس الوقت ندعو قوى المعارضة الى التفاعل مع برامج الأغلبية وأنا فخور بالبداية الموفقة لعملنا والذي توصلنا من خلاله الى سن القانون المؤقت لتحقيق التوازن بين السلطات ونطالب بعدم اضاعة الوقت لأن الشعب ينتظر منا تحسين أوضاعه وحلّ مشاكله التي لا تقبل التأجيل. ما يؤلمنا كثيرا هو سعي بعض الأطراف الى تعطيل مسار الاصلاح والبناء في محاولة يائسة الى تعطيل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. رئيس حكومة و50 وزيرا وكاتب دولة أليس هذا بالكثير على بلاد اقتصادها يمر بصعوبات جمّة؟ الوضع الحالي وطبيعة المرحلة يقتضيان ايجاد الحلول العاجلة لمعالجة عديد الملفات التي تتطلب تكاتف أكثر ما يمكن من جهود والعبرة ليست بالعدد وإنما العبرة بحسن التصرف ووضع حدّ للفساد والتبذير وهذه الحكومة برئيسها ووزرائها ومستشاريها وكتاب دولتها قادرة على تحقيق طموحات الشعب في ظرف سنة لما لرجالها من وطنية صادقة وما تضمه من خبرات وكفاءات. بعد أيام ينعقد مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل ألا تخشون كحركة ذات توجه يميني من قيام قيادة ذات نزعة يسارية وما قد يحدث معها من تصادمات؟ الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة وطنية عريقة وهي مكسب وطني لا يمكن أن يتحول الى ملك أحد وانطلاقا من الأوضاع الجديدةلتونس الثورة، تونس الديمقراطية، فإنّ الاتحاد كقوة وطنية انحاز الى الثورة سيبقى ملتزما بقواعد الديمقراطية على الساحة الوطنية والشغالون يميزون من هو آت لخدمتهم ولخدمة الوطن وبين من هو قادم لخدمة أغراض سياسية ضيقة لا تخدم مصلحة الشعب. تعدد اتجاهات أعضاء الحكومة الجديدة المتكوّنة من 3 أحزاب ومستقلين ألا تراه يهدّد عامل الانسجام بين أعضائها؟ لا شك أن منصب الوزير وكاتب الدولة هو منصب سياسي يتطلب قبل كل شيء كفاءة عالية من صاحبه وقدرة فائقة في اتخاذ القرار وهو ما يتوفر في أعضاء الحكومة الجديدة ومن جهة اخرى إدارتنا غنية بالاطارات الكفأة التي ساعدت على استمرار عمل الادارة بعد الثورة رغم ضعف مؤسسات الدولة. ما يشهده حزبا المؤتمر والتكتل من خلافات وتجاذبات هل تراه يؤثر على مستقبل الائتلاف؟ لا أظن أن هذه التطورات تؤثر على مستقبل الائتلاف لأنه قام على أساس الاستجابة لارادة الشعب من خلال نتائج انتخابات 23 أكتوبر 2011 ولأنه قام على أساس برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وبناء على توافق وتوازن بين السلطات الثلاث، إلا أنني اعتقد أن هذين الحزبين اللذين انتقلا فجأة من المعارضة الى السلطة لا يحتاج الى شيء من الوقت والصبر لترسيخ تقاليد في المشاركة في الحكم. لكن مهما كانت الاختلافات بين مناضليهما، فإن الوطنية الصادقة لمسؤوليهما وما يتحلون به من اخلاص للوطن وتغليب مصلحة البلاد على المصالح الشخصية ا لضيقة من شأنها أن تجعلنا متفائلين من نجاح الائتلاف وسننطلق جميعا بإذن اللّه بعد نيل الحكومة الجديدة برئاسة الأخ حمادي الجبالي لثقة المجلس التأسيسي وسنتفرغ للعمل ونتجاوز الجدل. بلغنا أنكم ستتحملون ضمن الحكومة الجديدة مسؤولية وزارة النقل، ماهي أهم الملفات التي ستبادرون بفتحها عاجلا؟ صحيح انني مرشح لتولي حقيبة النقل ولكن هذا الأمر لن يصبح حقيقة إلا بعد تقديم تركيبة الحكومة الى السيد رئيس الجمهورية ونيلها ثقة المجلس التأسيسي وفي صورة حصولي على شرف العمل مع اطارات هذه الوزارة وموظفيها وأعوانها، فإنني سأسعى الى الاصلاح لأن الفساد لم يمس هذه الوزارة فحسب وإنما عمّ جميع مجالات الدولة. لذلك سنعمل بإذن اللّه كحكومة متضامنة على مقاومة مظاهر الفساد في كل مؤسسات الدولة بتدرج وحكمة ونجاعة وفاء لمبادئ الثورة معتمدين في ذلك على كل الكفاءات من الرجال والنساء للنهوض بقطاع النقل وتحسين ظروف المواطن ومصالحته مع هذا القطاع لنضع حدا لمعاناته اليومية وحتى يرتقي بالمستوى الحضاري لمجتمعنا الذي دخل بثورته المباركة نادي الدول المتقدمة والمتحضرة. وماهو برنامجكم العاجل في هذا المجال؟ ستكون برامجنا منسجمة مع البرنامج الانتخابي للحركة الذي تقدمنا به الى الشعب اضافة الى برنامج الائتلاف والقاضيين بتحقيق التوازن بين القطاع الخاص والعام حتى نساهم جميعا في النهوض بالقطاع وسيلمس المواطن التونسي قريبا بإذن اللّه تحسنا ملموسا لواقع النقل وعلى كل المستويات معتمدين في ذلك على العدل والكفاءة، مرجعيتنا حرصنا على معالجة كل المشاكل وهي عديدة وخطيرة وسننفتح على العالم الخارجي ونستفيد من التجارب وننهض بالتعاون بما يساعد على تطوير واقع النقل في بلادنا وبسرعة ونجاعة يتناسبان مع المدة الوجيزة التي سنقضيها في الحكومة حيث التزمنا بعدم تجاوز السنة رغم أن هذه الفترة الزمنية غير كافية للقيام باصلاحات عميقة بعد سنوات طويلة من الفشل والفساد وسعيا الى تحسين ظروف العاملين المادية والمعنوية لأننا نؤمن بأنه من أسباب التفاوت بين الجهات وضعف التنمية في كثير من مناطق البلاد غياب بنية تحتية وشبكة نقل متطورة في مختلف الجهات وارتباطها ببعضها البعض لذا سنعمل على تطوير شبكة النقل وأسطولها البري والبحري والجوي بما يساعد على تيسير حياة المواطن وتنمية مختلف جهات البلاد وهو ما يشجع على استقطاب الاستثمار الأجنبي والنهوض بالقطاع السياحي والصناعي والاجتماعي ويؤثر ايجابا على المواطن حيثما كان. قطاع النقل البري عرف عدّة مشاكل، ماهي الحلول المنتظرة؟ نحرص على قطع دابر المفسدين داخل هذه المؤسسات وفي نفس الوقت سنشجع كل الكفاءات والخبرات الوطنية النظيفة لتحقيق نقلة نوعية في قطاع يعتبر وجه تونس أمام العالم ومسلكا هاما لربح الوقت وتنمية الجهات والمساهمة في تطوير الاقتصاد والاستثمار والسياحة والاستقرار في البلاد. أثير موضوع القطار السريع بين مختلف الأقطار المغاربية هل ترى أن مشروع TGV قابل للانجاز؟ لا شكّ أن ثورتنا المباركة وما تلاها من نجاحات متنامية لنضالات شعوبنا العربية للقطع مع الاستبداد والفساد ستساعدان على بناء وحدة الشعوب وحكوماتها المنتخبة بعد فشل الأنظمة المستبدة وسيؤدي ذلك في أجل قريب الى الرفع كثير من القيود التي مزقت وطننا المغربي وهذا ما سيجعل كل المشاريع قابلة للتجسيم والانجاز ولا شك أن لقطاع النقل دورا طلائعيا في تجسيد هذا الواقع الجديد الى واقع ملموس سواء على مستوى النقل البري من نقل بالحافلات عبر طرق سيارة أو عبر شبكات السكك الحديدية وكذلك النقل الجوي والبحري. هناك قضية مطار المنستير التي تنتظر منكم حلا مشرفا، فهل من استجابة؟ هذه القضية ليست بقضية جهوية بل هي قضية وطنية لأنها تتعلق بقطاعات حيوية مثل النقل والسياحة والتنمية والتشغيل والحركة التجارية. وهذه القضية هي مثال حي على سوء التصرف والتخطيط والتنفيذ قبل الثورة وسيكون هذا الملف من الأولويات في وزارة النقل المقبلة وبالمناسبة أحيي كل المعتصمين الصامدين دفاعا عن حقوقهم ومصلحة بلادهم وسنتعاون جميعا وزارة وجهة وأبناء المطار علي ايجاد حلّ عادل ومشرف لهذه القضية في أقرب الآجال إن شاء اللّه لتعود الى جهة المنستير حيويتها ومساهمتها المتقدمة الى جانب بقية جهات البلاد في نهضة وطننا وكرامة مواطنيه. ما يتردد في العديد من الأوساط هو أن حركة النهضة أعدت قائمة تضم ألفي إطار لتعويض المسؤولين الحاليين على مختلف المستويات بما اعتبر اقصاء لكفاءات وطنية خدمت الوطن. ما صحة ما يتردد؟ هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وهو كلام غريب عن فكر النهضة ومنهجها في الحكم أو مبادئها، نحن لسنا في عهد حزب الحاكم حتى نعول إلا على أنصارنا ونقصي غيرنا من الكفاءات، فلا يجب أن يتواصل الخلط بين الحزب والدولة. إن تونس لكل أبنائها وإن حركة النهضة التي ظلمت في السابق لن تظلم مستقبلا أحدا. لذا فإننا لن نحرم كفاءة مهما كان انتماؤها من خدمة البلاد ولكننا لن نحرم أيضا كفاءات من «النهضة» في المساهمة في بناء هذا الوطن الجديد.