أشاد الرئيس النمساوي الدكتور هاينز فيشير بالعلاقات القائمة بين بلاده وتونس واصفا العلاقات بين البلدين بالمتميزة ولا يشوبها اية مشاكل تعكر صفوها معربا عن أمله في ان ترتقي العلاقات الاقتصادية بين البلدين لمستوى العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين الصديقين. وقال الرئيس فيشير في حديث مشترك خص به صحيفة الشروق والتلفزة الوطنية التونسية بان تونس و النمسا تربطهما علاقات جيدة خاصة و ان النمسا لم يكن لها ماض استعماري و كانت دوما تسعى الى فهم الاوضاع في شمال افريقيا و في الشرق الاوسط و الاهتمام بمشاغل و تطلعات شركائها بما فيها مصر و غيرهما من الدول. وبعدما استعرض الرئيس النمساوي واقع و مستقبل العلاقات التونسية النمساوية اشار الى ان اول زيارة قام بها الى تونس كانت عندما رافق المستشار النمساوي الراحل د.برونو كرايسكي والتقيا خلالها مع الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك لافتا الى ان تلك الزيارة عززت العلاقات بين الجانبين على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية اضافة الى التواصل الانساني. اما زيارته الثانية فقد كانت في التسعينات عندما كان رئيسا للبرلمان النمساوي. وكان من المنتظر ان يقوم بزيارته الرسمية الى تونس كرئيس دولة في مطلع العام الماضي الا أن التطورات التي حدثت ادت الى تأجيل هذه الزيارة الى وقت لاحق. وتطرق الرئيس النمساوي في حديثه الى التطورات التي شهدتها تونس العام الماضي لافتا بهذا الخصوص الى انه كان يتابع باهتمام كبيرين التطورات التي حدثت في تونس والتي لا بد وان يكون الشعب التونسي المتطلع الى الديمقراطية والحداثة قد عانى خلالها اوقاتا عصيبة. وفي هذا الصدد قال الرئيس النمساوي ان تونس كتبت صفحة جديدة في تاريخها وهي تبذل الجهود حاليا لمواصلة تطوير نفسها بالاعتماد على اسس جديدة معربا عن تمنياته الخالصة في ان تحقق هذه التطورات افضل النتائج والنجاحات لتونس . وردا على سؤال حول تقييمه لما اصبح يعرف بالربيع العربي قال الرئيس فيشير ان الحديث عن الربيع العربي هو كالحديث عن فصل الربيع الذي تتساقط فيه احيانا بعض الامطار ثم تبزغ فيه الشمس من جديد. وهكذا هو الامر بالنسبة للربيع العربي. وفي هذا الخصوص اشار الرئيس فيشير الى ان التطورات في مصر مثلا ورغم تأثرها بالتطورات التي وقعت في تونس الا انها انتجت وضعا يختلف عن الوضع في تونس وكذلك الامر بالنسبة لكل من سوريا وليبيا واليمن وبالتالي علينا ان نرسم لكل بلد في هذه البقعة من العالم مظهره السياسي الخاص به . وفي هذا الخصوص قال الرئيس فيشير انه من حسن الحظ ان تونس لم تدخل حلبة الحرب الاهلية بما في الكلمة من معنى، ذلك ان دائرة العنف فيها كانت اقل من بقية الدول المذكورة ومع ذلك فقد حققت قدرا كبيرا من التغيرات السياسية. وحول تصوره لما يمكن ان يكون عليه العام 2012 في تونس خاصة بعد ثورتها المباركة ونجاحها في الاستحقاق الانتخابي و تشكيل مجلس تاسيسي وحكومة ائتلافية منتخبة اعرب الرئيس النمساوي هاينز فيشير عن اعتقاده بان عام 2012 سيكون عاما هاما بالنسبة للتونسيين حيث ستظهر خلاله النتائج الاولى التي يطالب بها التونسيون وينتظرونها من الانتخابات معربا عن اعجابه بالانتخابات التي شهدتها تونس والتي يمكن ان تكون منطلقا للمزيد من الانجازات. ورأى الرئيس فيشير بانه من بين كل هذه الدول التي تطالب فيها الشعوب بتغييرات واسعة وجوهرية، فإن تونس هي البلد الاول الذي جرت فيه انتخابات وهو البلد الاول الذي انطلقت فيه حركة المطالبات الشعبية وقد يكون البلد الاول ايضا الذي ستظهر فيه نتائج ايجابية. وردا على سؤال حول رؤيته لمستقبل حقوق الانسان في تونس ما بعد الثورة قال الرئيس فيشير ان موضوع حقوق الانسان بالنسبة له هو اهم موضوع على نطاق القارات الخمس الا انه يجب على كل بلد ان يحفظ حقوق الانسان في داخله مع الملاحظة انه لا يوجد بلد يتميز بالكمال في هذا المجال. و اضاف انه بالنسبة لتونس فقد كانت لنا في السنوات الخمس الاخيرة الماضية علاقات جيدة معها وكنا نشير اليها باستمرار الى ما ينبغي ان تكون عليه اوضاع حقوق الانسان و الديمقراطيات وحرية الصحافة والتعبير ولكننا لم نكن ننتقد او نفكرفي تطبيق عقوبات وكنا شديدي التحفظ انطلاقا من قناعتنا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان. واضاف الرئيس النمساوي قائلا «لكن اذا ما بلغ وضع حقوق الانسان الآن في تونس مستوى الديمقراطية المنشودة وهو ما نعتقده ونتمناه ، فبطبيعة الحال ان يعطي ذلك دفعا اضافيا لزيادة ترسيخ العلاقات مع تونس ولا يتعلق هذا بالنمسا فقط وانما بكل دول الاتحاد الاوروبي متوقعا ان تشهد العلاقات بين تونس والدول الاوروبية بما فيها النمسا بطبيعة الحال تطورا سريعا للغاية». وردا على سؤال حول استراجاع الاموال المجمدة في البنوك الخارجية و فيما اذا كانت هناك اموال تونسية مجمدة في البنوك النمساوية قال الرئيس النمساوي ان بلاده و بكل تاكيد سوف لن تستحوذ على اموال ليست لها و بالتالي فالاموال التونسية ستظل تونسية واذا كانت للنظام السابق أموال في النمسا فان الحكومة التونسية الشرعية الجديدة هي التي ستكون صاحبة هذه الاموال لان ما تملكه الجمهورية التونسية هو ملكها الخاص وهذا مبدأ أؤكد عليه بكل وضوح. ومضى الرئيس النمساوي قائلا انه يتعين على الحكومة التونسية ان تتوجه بطلبها لاسترجاع هذه الاموال الى وزراء المالية الاوروبيين والى البنوك المركزية وحتى وان لاحظت بعض المشاكل البيروقراطية فهناك رغبة اكيدة من قبل الاتحاد الاوروبي لتجاوزهذه المشاكل. اما الشيء الثاني وبغض النظر عن الاموال التونسية الموجودة في الخارج ، هو كيف يمكن لاوروبا ان تساهم في الاسراع في تنمية الاقتصاد التونسي؟ مع الملاحظة اننا نحن ايضا لنا مشاغلنا الخاصة ولنا مشاكل في منطقة اليورو وتوجد لدينا بنوك تعاني من كثرة الديون. ولكن رغم ذلك فعندما تقف تونس على ساقيها فان التبادل الاقتصادي معها سيتعزز. وفي هذا الخصوص اكد الرئيس النمساوي هاينز فيشير بانه شخصيا سيساهم في هذا المجال بكل ما يستطيع و سيجري محادثات مع رجال الاقتصاد النمساويين معتبرا هذا التحرك جزءا من مهماته السياسية والاقتصادية . وحول زيارة مرتقبة لتونس خاصة بعد ان تم تشكيل حكومة ائتلافية منتخبة في البلاد للمرة الاولى في تاريخ تونس قال الرئيس النمساوي انه كان من المنتظر ان يلبي دعوة رسمية لزيارة تونس في شهر مارس 2011 الا انه بالنظر للتطورات المعروفة فلم تتم تلك الزيارة مضيفا بانه في حال وجهت له دعوة جديدة فانه سيلبيها بكل سرور أخذا بعين الاعتبار المواعيد المسبقة والمواضيع المختلفة التي ستناقش. وحول امكانية ابرام اتفاقيات ثنائية بين البلدين في العديد من المجالات الصحية و التعليمية و غيرها لم يستبعد الرئيس النمساوي ان يتم ابرام بعض الاتفاقيات خلال هذه الزيارة وربما يتم التوصل ايضا الى ابرام بروتوكول تفاهم حول مواضيع معينة. و في هذا الخصوص قال الرئيس النمساوي انه لا بد له ان يشير الى ان النمسا التي هي احد الاعضاء ال27 في الاتحاد الاوروبي وبالنظر الى اقتصادها القوي وخبرتها في مجال التعاون الدولي وعلاقاتها المتميزة مع تونس فانها حينما تلتقط اشارة ايجابية من تونس فانها ستتفاعل معها بشكل ايجابي. وفيما يتعلق بحظوظ تونس الحصول على مرتبة شريك متقدم مع الاتحاد الاوروبي قال الرئيس فيشير بانه بالنسبة لنظام الشراكة المتميزة مع الاتحاد الاوروبي فانه كلما كان البلد المعني بهذه الشراكة مستقرا ومنفتحا على الخارج ويتمتع بقدر كبير من الاستعداد للحوار وتبادل السلع والخدمات ، كلما كانت حظوظه اقوى لكي يصبح شريكا متميزا . و في هذا الصدد اعرب الرئيس فيشير عن اعتقاده بان تونس ما بعد الثورة باتت تحظى اليوم بمكانة جيدة لتكون شريكا متميزا للاتحاد الاوروبي مقارنة بالدول التي تسعى لهذه الشراكة . كما تطرق الرئيس النمساوي في حديثه الى ما تزخر به تونس من تاريخ عريق و مستوى تنمية ملحوظ وقوة عاملة ذات تكوين جيد. وبالتالي فان الشروط المطلوبة للحصول على نظام الشراكة المتميزة متوفرة فيها الا انه ليس من المنطقي القفز بنسبة 100 في المائة دفعة واحدة بل يجب بناء العلاقات بشكل متدرج. ورأى الرئيس النمساوي فيشير بأن تونس في نظر المراقبين الاوروبيين هي احدى الدول التي تتمتع بفرص جيدة لاقامة نظام تعددي يضم العديد من الاحزاب وتمارس فيه وسائل الاعلام دور الرقيب وتحفظ فيه حقوق الانسان ويسوده الحوار النقدي تجاه الذين يقفون على هرم الدولة والحكومة والبرلمان. وحول تقييمه لطبيعة مسار الانتقال الديمقراطي في تونس و موعد اكتماله قال الرئيس فييشر في ختام تصريحه انه لا يستطيع القول هنا ان الديمقراطية التونسية ستكون كاملة و مكتملة خلال السنوات الثلاث القادمة بل قد يعترضها الكثير من الصعوبات وانما يمكن القول ان تونس ستظل محتفظة بالمكاسب التي ستمكنها من بناء الديمقراطية. النهائية.