كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عند قضاء إجازته الصيفية بمسقط رأسه بمدينة المنستير وإحياء عيد ميلاده يوم 3 أوت من كل سنة يحرص على الالتقاء برفاق الصبى والنضال. كان يميل كثيرا الى الرايس طنبورة الذي كان يلعب معه الورق فيستفزه الزعيم ويردّ الفعل فيضحك بورقيبة ويتسلّى ويجتمع بأقرانه ورفاقه من المناضلين والمقاومين من أبناء الجهة على غرار الشاذلي قلالة وحسن بن عبد العزيز فيسألهم عن أحوال الناس ومن خلالهم يتعرف بكل صدق على معيشة المواطنين حتى أنهم اشتكوا له من ارتفاع ثمن الدواء فقرّر التخفيض بنسبة 20٪ من ثمنه وكان ذلك يوم 16 سبتمبر 1968 والى جانب لقاءاته بمعارفه كان يؤدي زيارات مفاجئة رافضا الحراسة الشخصية ويلتقي بالناس، وحتى الزيارات المنظمة كان يرفض التقيّد بمحتوياتها وكثيرا ما كان يأمر بإيقاف السيارة والنزول لتفقد بعض الأماكن. وكان محبّا لحضور العكاظيات الشعرية التي تشترك فيها كل ولايات الجمهورية كما كان مغرما بقضاء أمسياته بين إذاعة المنستير ومركز تربية الأسماك.
محبا للشعر
روى لنا السيد عبد اللّه بشير الذي جالس الزعيم الراحل في عديد المناسبات أن بورقيبة كان يعشق الشعر ويتذوقه ويستسيغه وكان يتمتع بحسّ أدبي متميّز وكان يقرأ كثيرا. وكان أفضل ما يحبّذه من أشعار تلك التي تثير في المرء النخوة الوطنية والشهامة والاعتزاز بالذات وكان يعشق الشاعر الفرنسي Alfred de Veny وقصيدته الشهيرة Le loup ويرى فيها منهجا حياتيا مثاليا يجب اتباعه لنعيش مرفوعي الرأس. ويحبذ كثيرا أشعار أبي القاسم الشابي والمتنبي وأبي فراس الحمداني وأحمد اللغماني ويردد كثيرا شعر السموئل ومن أهمها:
«إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس الى حسن الثناء سبيل» وقد أكد لي ذات مرة أنه يفكر في كتابة بيت شعر للمتنبي بروضة آل بورقيبة وهو: «لقد كنت تدرأ كل خطب نازل حتى أتى الخطب الذي لا يرجع» وحين كانت وسيلة بورقيبة تعالج بباريس كان يردّد كثيرا قصيد أبي فراس الحمداني والذي جاء فيه بالخصوص: «إذا اللّيل أضواني بسطت يدي للهوى وأذرفت دمعا من شيمه الكبر»