منذ الرابع من أفريل الجاري والى غاية يوم 20 منه تعيش إمارة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة على ايقاع التراث وذلك بمناسبة تنظيم أيام الشارقة التراثية التي تبلغ هذا العام دورتها العاشرة. بحضور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة انطلقت فعاليات الأيام التي تقام هذا العام تحت شعار «عقد من التراث» بمنطقة المريجة بالشارقة القديمة، واشتمل الحفل على عروض لفرق فنون شعبية واستعراض للخيول، اضافة لمسيرة قافلة تراثية وعروض متنوعة لفرق شعبية قادمة من المغرب وبولونيا واليمن، الى جانب فرق إماراتية مختصة في التراث الإماراتي الأصيل.
قرية تراثية
فعاليات الأيام تدور في مجملها بالقرية التراثية التي تتضمن أجنحة متعددة ومختلفة الاختصاصات، منها جناح إدارة التراث وهو مخصص لعرض اصدارات إدارة التراث بدائرة الثقافة والاعلام، وجناح للحرف التراثية كالعطور والدخون (البخور)، وجناح البيئات المتنوعة من ساحلية وجبلية وزراعية وبدوية تبرز ثراء المخزون الثقافي والحضاري بإمارة الشارقة... الى جانب الأجنحة الإماراتية الكثيرة والمتنوعة، تتضمن القرية التراثية أجنحة للدول الضيفة على غرار الجناح المغربي والجناح الكويتي، وآخر لليمن وكلها أجنحة تعرض بعضا من منتوجاتها التراثية كالعطور والزيوت والمصوغ التقليدي، هذا الى جانب احتضان هذه الأجنحة لعروض يومية تقدمها الفرق الشعبية لتلك البلدان.
في القرية أيضا جناح تونسي لكنه يتضمن معرضا لفنانة تشكيلية شابة وهي الفنانة درصاف بن شعبان التي تعرض لأول مرة أعمالها خارج الحدود باعتبارها مازالت طالبة بمعهد الفنون الجميلة، وقد لقي معرضها اقبالا كبيرا نظرا لطرافة محتواه والقيمة الفنية لأعمالها التي تجمع بين الخط العربي والبورتريهات. أجنحة القرية التراثية والعروض الفنية التي تقدمها فرق الفنون الشعبية، جعلت منها قبلة المواطنين الإماراتيين والمقيمين في الشارقة من العرب والأجانب اضافة الى السواح من زائري الإمارة. وقد بلغ عدد زوار القرية خمسة آلاف زائر خلال الاسبوع الاول فقط.
تظاهرة فكرية
أيام الشارقة التراثية هي أيضا تظاهرة فكرية بامتياز حيث يتضمن برنامجها العديد من الندوات الفكرية التي تتمحور كلها حول التراث ومنها ندوة القلاع البرتغالية في الجزيرة العربية، وندوة تأصيل التراث الشعبي لدى الطفل. وندوة جمع وتدوين التاريخ الشفوي، وندوة أفضل الممارسات في إدارة التراث. وشارك في هذه الندوة عديد الاخصائيين في مجال التراث من عمان والسعودية والإمارات ومصر والبرتغال، الى جانب مشاركة تونسية متميزة للدكتور الشاعر محمد الغزي والأستاذ صلاح الدين بوجاه والاعلامي محمد المي.
النشاط الفكري في أيام الشارقة التراثية لا يقتصر على هذه السلسلة بين الندوات بل يشمل أيضا ثلاث مقاه ثقافية تنشط بصفة يومية مثل مقهى «الباراجيل» ومقهى «الحصن»، وتستقبل هذه المقاهي زوارها لتقدم لهم محاضرات حول التراث المادي والشفوي مثل الحكايات الشعبية والعملات القديمة واللهجات والأمثال الشعبية، وغيرها من المحاور التي طرحها أبناء وبنات الإمارات العربية المتحدة بطريقة فيها الكثير من المعرفة والاطلاع وهو ما حقق الاضافة لكل من حضر نشاط هذه المقاهي.
لا مركزية
أيام الشارقة التراثية هذا العام كانت استثنائية بكل المقاييس ولأنها كذلك فقد حرص المشرفون على تنظيمها وعلى رأسها الاستاذ عبد العزيز المسلم الخالدي (مدير التراث والشؤون الثقافية) على ان يتوزع نشاط الأيام على مدن أخرى داخل إمارة الشارقة على غرار خورفكان، والذيل ودبا الحصن، والحمرية، والتي شهدت هي أيضا اقامة قرى تراثية، وأجنحة ومعارض وعروض تنشيطية واستعراضات لفرق فنون شعبية وخيول وغيرها...
لامركزية تظاهرة أيام الشارقة التراثية جعلت من الإمارة عاصمة للتراث على امتداد هذا الشهر الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للتراث والحقيقة ان الشارقة هي عاصمة للتراث فقط بل للثقافة عامة وتكفي نظرة على كم التظاهرات الثقافية التي تقام في هذه الإمارة سنويا وأهمية المؤسسات الثقافية الموجودة فيها لنتأكد ان اختيارها عام 1998 لتكون عاصمة للثقافة العربية لم يكن اعتباطيا بل عن جدارة واستحقاق، وان اختيارها لتكون عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2014 أكثر من اختيار صائب. فإذا كانت أبوظبي عاصمة سياسية للإمارات العربية المتحدة ودبي عاصمة اقتصادية ومالية فإن الشارقة هي العاصمة الثقافية للإمارات بامتياز.