كثير من النّاس يفهمون الحياء على غير معناه الحقيقي فهو ليس خجلا وانكسارا باحمرار الوجه فقط ولكن كما يقول أهل العلم هو الترقي عن المساوئ مخافة الذمّ. يعني أن تخجل النفس من العيب والخطأ وخاصة في طرح بعض الأسئلة.
هذه الأسئلة تُطرح تحت شعار لا حياء في الدّين وهذا خطأ ولكن لا حياء في العلم بدليل أنّه كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، تأتي المرأة لتسأله كيف تطهر من الحيض؟ يشرح لها فتعيد السؤال يسكت الرسول صلى الله عليه وسلّم (فكان أشدّ حياء من البكر فيحمرّ وجهه) وأمّنا عائشة تأخذ المرأة من يدها وتشرح لها.إنّ الحياء خلق كريم وجزء من الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان. (متفق عليه). بل إنّ الحياء والإيمان قرناء وأصدقاء لا يفترقان، قال الله صلى الله عليه وسلم: الحياء والإيمان قُرَنَاء جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر. (رواه الحاكم).
كان رجل من الأنصار يعاتب أخًا له، ويلومه على شدة حيائه، ويطلب منه أن يقلّل من هذا الحياء ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعهما، فقال للرجل: دعه فإنّ الحياء من الإيمان. (متفق عليه) وقال صلى الله عليه وسلم قال: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار. (رواه الترمذي والحاكم)
لا يستحي من السؤال
وخلق الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق متبعا قول الله تعالى وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (الأحزاب 53) أو يأمر بمعروف، أو ينهي عن منكر... فهذه المواضع لا يكون فيها حياء، وإنّما على المسلم أن يفعل كل ذلك بأدب وحكمة، والمسلم يطلب العلم، ولا يستحي من السؤال عمّا لا يعرف كما كان يفعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين حيث أنّهم كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أدق الأمور، فيجيبهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنها دون خجل أو حياء.
والحياء له منزلة عظيمة عند الله ولا يأتي إلاّ بخير كما بيّنه رسول صلى الله عليه وسلم: الحياء لا يأتي إلاّ بخير. (متفق عليه) وهو على قسمين: حياء غريزي: أن تستحي من قبائح الأمور كالذي يكشف عن عورته أمام النّاس أو كالذي يخاطب أبويه بصوت مرتفع أو يشتمهما... وحياء مكتسب: هو الذي يحثّ عليه الشرع. فيستحي المسلم من ربّه إذا فعل ذنبًا أو معصية، يخجل من الله خجلا شديدًا، ويعود إليه سريعًا طالبًا العفو والغفران. وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء، فقالوا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وَعَى، والبطن وما حَوَى، ولْتذْكر الموت والْبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. (رواه الترمذي وأحمد).
أن تحفظ الرأس وما وَعَى: أي أن لا تنظر عيناي إلى ما حرم الله ولا يتكلم لساني بما يغضب الله ولا تسمع أذناي ما لا يحبّه الله، ولا يشمّ أنفي ما لا يحقّ لي. والبطن وما حَوَى: أي أن آكل إلاّ الحلال ولا يدخل بطني إلاّ الطيّب. ولْتذْكر الموت والْبِلَى يعني تؤثر ما يبقى على ما يفنى فإن المعاصي هي التي تذهب الحياء.
غضّ البصر عن الحرام
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ النّاس حياءً، وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه. وكان إذا بلغه عن أحد من المسلمين ما يكرهه لم يوجه له الكلام ولم يقل: ما بال فلان فعل كذا وكذا، بل كان يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا، دون أن يذكر اسم أحد حتى لا يفضحه، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا.
والمسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر في حق وجب لهم عليه، ولا ينكر معروفًا صنعوه معه، ولا يخاطبهم بسوء، ولا يكشف عورته أمامهم، فقد قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتكَ إلا من زوجتكَ أو ما ملكت يمينكَ فقال: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن استطعتَ ألا يَرَيَنَّها أحد فلا يرينَّها، قال: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليا ليس معه أحد؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فالله أحق أن يُسْتَحيا منه من النّاس. (رواه أبو داود).
ومن حياء المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كلّ منظر مؤذٍ، ممّا يقتضي غض البصر. ومن الحياء أن يحترم غيره في الطريق لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إيّاكم والجلوسَ على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد، إنّما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلاّ المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال صلى الله عليه وسلم: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر. (متفق عليه) ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب، فلا تظهر من جسدها ما حرَّم الله، فهذا يجنّبها إيذاء المتسكعين والمشاكسين استمع لقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب 59) وهي تجعل الحياء عنوانًا لها وسلوكًا يدلُّ على طهرها وعفتها، ودائمًا تقول: زِينَتِي دَوْما حيائي واحْتِشَامِي رَأسُ مالِي.