عاد القيادي التاريخي في حركة النهضة صالح كركر الأسبوع الماضي من فرنسا دون أن يستطيع الترجّل على سلّم الطائرة ليلقي نظرته الأولى على أرض الوطن بعد حوالي ربع قرن من المنفى. الرجل أفقدته جلطة دماغية تعرّض لها يوم 15 جانفي 2005 القدرة على الكلام والقدرة على المشي وطالت ذاكرته لكنّه يحتفظ حتما في صدره ببعض من عذابات منفاه.
طُرِد كركر الذي وُلِد في أواخر الأربعينات من القرن الماضي وكان أحد أبرز الزعماء التاريخيين للحركة الإسلاميّة التونسيّة منذ تأسيسها من حركة النهضة في 24 أكتوبر 2002. ويعتبر مراقبون ومقربون منه قرار فصله عن الحركة وهو المقيم تحت المراقبة الجبريّة في منزله في إحدى الجزر الفرنسية منذ عام 1993 عقب قرار أصدره وزير الداخلية الفرنسي آنذاك شارل باسكوا أخطر القرارات الصادرة عن الجهاز التنظيمي للحركة.
حُوكِم القيادي كركر، حامل شهادة المرحلة الثالثة في العلوم الاقتصادية وشهادة الدكتوراه في علم الاحصاء، قبل أكثر من ثلاثين سنة، عام 1981، وحكم عليه بالسجن لمدة 11 سنة لكنه غادره عام 1984.
سبب القطيعة
يقول مقربون منه إنّ «كركر خرج وفي يده ورقة أعدّها في سجنه حول اقتراحات تتعلق بتطوير البنية التنظيمية للحركة» على أن يتم اعتماد تلك الورقة في المؤتمر العام للحركة المزمع عقده في نوفمبر 1984 إلاّ أنّ الورقة لم تكن ضمن محاور المؤتمر وكانت تلك، حسب رواة هذه الواقعة، أولى خطوات التباعد بين كركر وقادة الحركة يتقدمهم رئيسها الحالي راشد الغنّوشي.
تولى كركر الذي يعدّ أحد ابرز منظري الحركة الاسلامية التونسية وأحد مؤسسيها رئاسة حركة الاتجاه الاسلامي في صائفة عام 1987 وإلى غاية أكتوبر من العام الموالي وغادر إثر ذلك البلاد خلسة بعد أن حُوكِم مجدّدا وقضى حكما بالإعدام هذه المرة.
توجّه كركر الى لندن ومنها الى باريس اين حصل على اللجوء السياسي وأين قررت السلطات الفرنسية وضعه تحت الاقامة الجبرية منذ 1993 والى غاية 26 أكتوبر 2011 ليعود الى تونس يوم 18 جوان الجاري.
وفي منفاه قرّرت حركة النهضة فصل كركر الأمر الذي دفع مقربين منه الى الطعن في هذا القرار الذي وصفوه بالأخطر في تاريخ الحركة متهمين راشد الغنّوشي بالرغبة في التحوّز على أسهم شركائه في تأسيس الحركة وكان آخرهم صالح كركر.
يقول أحد هؤلاء في محاولة منه لفهم هذا القرار «البحث في هذه المسألة يثير عدّة نقاشات سواء داخل حزب حركة النهضة أو بين أبناء الحركة الإسلامية عموما في تونس وفي خارجها ويبدو الأمر صعبا لأنّ الأمور التنظيمية للحركة الاسلامية لا يمكن لأي كان الاطلاع عليها وهي منحصرة في دوائر ضيقة من القيادات سواء الحالية أو التي اختارت أو فرض عليها الانسحاب من المشهد السياسي المباشر لتبقى تراقب الوضع عن كثب وقد تتحرك في وقت ما».
المجموعة الأمنيّة
بالعودة إلى التاريخ السياسي لكركر نجد الرجل عضوا في مجلس الشورى ونائبا لرئيس حركة الاتجاه الاسلامي ثمّ رئيسا لمجلس الشورى. ويقول المقربون من الرجل إنّ كركر تفطّن في منفاه إلى وجوب إعادة النظر في فكرة التنظيم والمناهج داخل الحركة لتجاوز الأخطاء وضمان استمراريّة رسالة الحركة ودورها وضرورة تحمل القيادة لمسؤولياتها خاصة تجاه أبنائها وأنصارها فكان موقف قيادة الحركة بحسب نفس المصدر غير مرحّب بهذه الاجتهادات بل إنّ كركر وصلته مراسلات مكتوبة من قبل قيادة الحركة المباشرة تنهاه عن المنحى الذي اتخذه موجهة إليه، وفقا لذات المصدر، تهمة منازعة منهج الحركة التغييري قولا وفعلا وصولا إلى فصله عن الحركة.
وتُروى شهادات أخرى حول تزعّم كركر للمجموعة الأمنيّة التي كانت تخطّط للانقلاب ضد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة في 8 نوفمبر 1987 لذلك حكم عليه بالإعدام وكان راشد الغنّوشي قد تبرّأ من المجموعة الأمنية قائلا في تصريح له صادر في شهر ماي 1988 في إحدى الصحف التونسية اليومية، وفقا لما جاء في كتاب «التبرئة والتعرية» لصاحبه الصحبي العمري الإسلامي السابق، «رغم الظروف التي حفت بالمجموعة الأمنية فهي لا تلزمنا».
وأيّا كان سرّ الخلاف بين رجلي الحركة صالح كركر وراشد الغنّوشي يُطرح السؤال اليوم حول مصير العلاقة بين الرجلين وعن طبيعة الدور الذي باستطاعة كركر أن يلعبه داخل الحركة وفي المشهد السياسي التونسي.