عبّر المسرحي الأردني غنّام غنّام عضو الهيئة العربية للمسرح عن غبطته الكبيرة من عدد المسرحيات التونسية الضئيلة المترشحة للمشاركة في المسابقة السنوية للمسرح والمعروفة ب«جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي»، وقال إن هذا العدد لم يتجاوز 13 مسرحية تونسية. ويذكر ان المسرحي غنّام غنّام متواجد حاليا بالبلاد التونسية، وهي الزيارة الاولى له الى تونس مع مجموعة من المسرحيين والنقّاد لاختيار الأعمال المسرحية التونسية التي ستشارك في هذه المسابقة العربية المسرحية. وفي هذا السياق كان لنا معه هذا الحوار الذي لا يخلو من الجرأة تماما كما يجب للمسرح أن يكون.
(مبتسما) أجل هذه المرة الاولى التي أزور فيها تونس رغم أنه وقع برمجتي منذ حوالي 13 عاما في احدى ندوات أيام قرطاج المسرحية، لكن للأسف في كل مرة كانت تحول عوامل مختلفة ومنها السياسية دون قدومي الى تونس، ومن الطرائف انه في احدى الدورات بأيام قرطاج المسرحية وصلت ورقتي ولم أصل أنا، إلا أنني أعرف تونس جيدا من خلال المسرح التونسي والمسرحيين التونسيين.
حاليا أنتم بتونس لاختيار الأعمال التي ستشارك في الدورة الخامسة لمسابقة «جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي»؟
أجل، وقد تقدمت 13 مسرحية تونسية لهذه المسابقة وهو رقم نشعر تجاهه بالغبطة الكبيرة نظرا لمساهمة تونس الكبيرة، دائما في الحراك المسرحي العربي. وكما تعلمون كان التوجه في هذه الدورة الى مشاهدة الاعمال المسرحية على أرضيتها والى حد هذه اللحظة التي تجمعني بكم شاهدت خمسة أعمال مسرحية ولن يتم اختيار اي عمل ما لم يكن في المستوى، فشروط المسابقة الاعمال العربية الجيدة لا تسجيل حضور الدول، والأسماء الكبيرة للمسرحيين، فمثلا المخرجة التونسية مريم بوسالمي تحصلت على الجائزة الاولى في الدورة الفارطة رغم أن مسرحيتها «مرض زهايمر» هي التجربة الاولى لها في الاخراج المسرحي.
بعد أربع دورات، ما الجديد في هذه التظاهرة المسرحية العربية؟
المهرجان حاليا في دورته الخامسة لكنه بدأ منعطفا جديدا منذ دورته الرابعة، بإضافة الجائزة خاصة، وسنكرس مقاييس الجودة في هذه الدورة ومن الملاحظ أن عدد العروض في الدورة الماضية بلغ 64 عرضا بينما في السنة الحالية سيكون عدد العروض 94 مسرحية وهذا يتطلب آليات اشتغال مختلفة ومتنوعة في انتقاء العروض وستكون هذه الدورة بمثابة تكريس لأسس العمل في المهرجان كما أنه (أي المهرجان) كل سنة يحط الرحال بدولة عربية وهذا يعني أن هناك شيئا رمزيا يتعلق بالمكان فالدولة المنظمة تكون حرة في اختيار العمل الذي يمثلها.
لو تحدثنا عن إصدارات الهيئة العربية للمسرح التي مثلت ميزة الدورات السابقة؟
الهيئة في الواقع ، تصدر مالا يقل عن أربعة كتب فيما يهم القطاع المسرحي لكل بلد يحتضن المهرجان (أي كل سنة) وتصدر أيضا، مجلة المسرح العربي، فضلا عن إصدار نشرة يومية متكونة من 24 صفحة وهي تركز على العروض التي تتم على الخشبة وليست لها جوانب دعائية، حيث ثمة مجموعة من النقاد يتفرغون خصيصا لهذه النشرة ويوميا تخضع الأعمال المسرحية المعروضة للنقد ومن هذا المنطلق تصبح النشرة وثيقة مهمة، لا يمكن أن ترمى بسلة المهملات.
علمنا أن الهيئة العربية للمسرح تشتغل على وضع إستراتيجية لتنمة المسرح العربي، فهل من توضيح في هذا الخصوص؟
نعم، هذا صحيح، وشارك 300 مسرحي في خمسة ملتقيات من مختلف التخصصات والتوجهات والمشارب، ووضعوا ما يرونه مهما لتنمية المسرح العربي، ونحن لخصنا هذه الأفكار، وكل الوسائل المتاحة في كتاب تضمن المشاريع المقترحة، وسيصدر هذا الكتاب في الدورة القادمة وسيكون محل نقاش في ندوة متخصصة. كما سنبدأ العمل على ما جاء فيه سنة 2013 وأبرز محطاته إنشاء مركز التوثيق والدراسات والبحث للمسرح العربي وسيكون هناك خمسة مراكز تأهيل في خمس مدن عربية بالإضافة إلى مشاريع الدعم والتسويق.
وماهي مكامن الضعف والثغرات التي حدّدتموها في المسرح العربي، قبل تحديد هذه الاستراتيجية؟
هذا العنصر كان محور مؤتمر عنوانه «المسرح العربي مكامن العثرات والإخفاق» وتكمن هذه العثرات في جوانب كثيرة منها : غياب التوثيق والدراسات الفكرية والمناهج الأكاديمية المتطورة والمسرح المدرسي ومراكز التأهيل والورشات واستراتيجيات الانتاج والتسويق، وبرامج تفعيل دور الشباب في المسرح العربي وغياب البنة التحتية إضافة إلى ضعف الفعل النقدي وضعف دور المرأة.... وكل هذا يدل على غياب الإستراتيجيات.
قلت في بداية الحوار أنك تعرف تونس في مسرحها، فما رأيك في المسرح التونسي؟
بلا شك المسرح التونسي كان ومازال في طليعة المسرح العربي لأن التجارب المسرحية التونسية متنوعة ومنفتحة لا على الغرب فقط فهي منفتحة على العالم العربي وعلى إفريقيا بطبعها وشخصيا شاهدت المسرح الياباني في المسرح التونسي فهو مسرح مثقف وعلى حرفية عالية ولم يكن تسجيله لهذا الحضور البهي اعتباطيا في العالم العربي، ومجرد ذكر توفيق الجبالي أو فاضل الجعايبي أو فاضل الجزيري أو محمد إدريس أو عز الدين قنون أو رجاء بن عمار أو جليلة بكار، أو عز الدين المدني أو سمير العيادي يثير الرعب، وليست هناك دبابة تسوّق لهذه الاسماء وآخرين.
وماذا عن الجيل المسرحي الجديد؟
في تونس أنت أمام حالة مسرحية كاملة وشاملة، وفي الجيل الحاضر هناك أسماء كبيرة في المسرح التونسي على غرار منير العرقي، وجعفر القاسمي، وجمال المداني... «وأنا يدي على قلبي مع المسرحيين التونسيين في مواجهة ما يحصل من اعتداءات على حرية التعبير». وأعتقد جازما ان الايديولوجيات الظلامية أضعف من الايديولوجيات المسرحية وإلا لكانت الدكتاتوريات هزمت المسرح، وفي تونس المسرح خدم بن علي سابقا وليس العكس ولذلك لم يهزم المسرح ومن هذا المنطلق نحن مطالبون بالوقوف مع المسرح التونسي حتى لا يقع ترهيبه، مع عدم السماح بربط المسرح بالمفاهيم اللاأخلاقية أو بالمفاهيم المدمّرة للقيم التقدمية. أجبت عن سؤال كنا نودّ طرحه، فهل يعني هذا أن لديك موقفا خاصا مما يحصل في تونس؟ (مبتسما) أجل فأنا مسرحي بالاساس وبالنسبة لي يمنح في كل المجتمعات أن يقلب الهرم، فيحترم شيخ على الجعايبي مثلا كما هو الحال في تونس. ونحن ندافع عن هذه الحالة، لأنه في حال لا سمح ا&، تأزّم وضع المسرح التونسي فإن ذلك سينسحب على الحراك المسرحي العربي في كل مكان وممنوع المس بالمسرح وهزمه أو اضطرابه حتى..
أنت تقدّس المسرح؟
نحن المسرحيين عندما نكون على خشبة المسرح وكأننا نحج، ننسىكل شيء ونحن نتحدّث عن المسرح. المسرح محراب مقدّس، والفنان المسرحي صوفي بطبعه يصل الى حد الوصل مع الخالق ليذوب وجدا... وعموما المسألة التي أتحدّث عنها بخصوص المسرح التونسي في علاقته بحرية التعبير، حسمها ناجي العلي في كاريكاتور عندما قال: «لا مشكلة لي مع ا&، مشكلتي مع من يقدم نفسه على أنه ا&». يبدو أن موقفك اتّضح من الربيع العربي؟ (ضاحكا) الربيع العربي لونه اخضر اسلامي، وإن شاء ا& ينوّر ويزهر ويحمرّ ونرتاح. وبالنسبة لي هناك دول اقليمية تلعب دورا كبيرا في الموضوع لأن الثورات العربية كانت تخطط لنيل الشعوب حرياتها وديمقراطياتها، لكنها كانت أضعف إيديولوجيا في ظل ضعف القوى اليسارية الهرمة. وبالمناسبة سئلت: «ماذا سيغيّر الربيع العربي في مسرحك؟» فأجبت ب «لن يغيّر شيئا»... وذلك لأن وقود المظاهرات في الأردن هم أبنائي وجمهوري، وعموما اتجاهنا المسرحي صحيح لكن الآن يجب تفعيله. في سياق الحوار تحدّثنا عن القضية الفلسطينية فسألنا محدّثنا عن رأيه في «مملكة النمل»؟ «مملكة النمل»... هكذا تصاغ الثقافة العربية، بلا حدود فهي لغة انسانية مطلقة، رغم الخصوصيات الفلسطينية التي هي انسانية بطبعها، فأنا أردني من أصل فلسطيني والقضية هي شغل يومي، وبالنسبة لمملكة النمل عندما تلتقي كتابة خالد الطريقي الذي هو بمثابة نصفي الآخر، وهو مخرج وكاتب مسرحي وممثل مهم مع مخرج عينه تسحر الأعمى مثل شوقي الماجري الذي يطيب لي أن أطلق عليه «شاعر ضوء»، فأنت في حضرة فيلم رائع وانساني عميق.
من هو غنّام غنّام ؟ غنّام صابر غنّام كاتب وممثل ومخرج مسرحي من مواليد أريحا 1955، مقيم بالأردن وعضو بنقابة الفنانين الأردنيين (شعبة الإخراج)، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين (القصّة القصيرة)، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب (القصّة والتأليف المسرحي) ورئيس مكتب الأردن في الهيئة العربية للمسرح، وهو أيضا عضو مؤسّس في فرقة المسرح الحرّ ورابطة مسرح بلا حدود رماح وكذلك عضو هيئة تحرير بمجلّتي «فنون» (وزارة الثقافة) و«المسرح العربي» (الهيئة العربية للمسرح).
سيرته الذاتية كمبدع حافلة بالإبداعات كتابة وتمثيلا وإخراجا، في رصيده قرابة 16 إصدارا منها «قف للتفتيش» و«من يخاف؟» (قصص)، ودراسة «المسرح والتراث»، و«موجز تاريخ المسرح الأدرني 1918 2006». كما يزخر رصيده الابداعي بعدّة أعمال مسرحية وأخرى درامية، ومن أعماله المسرحية نذكر على سبيل الذّكر لا الحصر مسرحيات «الجاروشة»، و«من هناك» و«عنتر زمانو والنّمر»، و«كأنّك يا بوزيد»، و«خمس دمى وامرأة»، و«ظلمة الامبراطور».. هذا بالاضافة الى الأعمال الدرامية على غرار مؤلفاته: مسلسل «العدول» الحائز على الجائزة الفضية في مهرجان التلفزيون في تونس 2007 ومسلسل «سهراب» ومسلسل «صراخ الدفاتر العتيقة» وفيلم«ستار».. ويُذكر أن ثراء مخزونه الإبداعي، خوّل له الحصول على جوائز كثيرة في التأليف والإخراج محليا (الأردن) وعربيا. وبالإضافة الى كل ذلك، فإن المسرحي غنّام غنّام، ناقد له بصمته في مجال الفنّ الرابع.