احتضن فضاء المسرح البلدي بالعاصمة مساء أول أمس العرض الأول لمسرحية «كروسة» وهي مسرحية من نوع «الوان مان شو» وتؤدي الدور الممثلة الوحيدة في العمل والمسرحية سماح الدشراوي وأخرج «كروسة» المسرحي فتحي العكاري، وهي من انتاج لشركة «نوت فاوند» مع الثنائي محمد أيمن الجوادي وفائزة القروي. «كروسة» كما تحدث عنها مخرجها تروي قصة «ربة بيت تونسية شعبية حد النخاع تعبر الثورة وما بعدها الى حدود السنتين.. تستعين بطبيب نفسي عساه يخفف عنها ما تعيشه من معاناة وخيبة أمل في من انتخبت ليحكم ولم يحكم... تحكي... تشخص... تسخر... تضحك وتضحِك حبا في البلاد والعباد».
وفي الواقع مسرحية «كروسة» قريبة جدّا من الواقع الحالي الذي تعيشه البلاد مسرحية ميّزتها السخرية والهجاء السياسي والنقد المباشر احيانا لكن بطريقة فنية غير مبتذلة.
«تيجانية» هي الشخصية الرئيسية في الشخصيات التي تقمصتها الممثلة سماح الدشراوي وهي مفتاح كل الأحداث في هذا العمل المسرحي. وهي ربة بيت وأم لسبع بنات، وكل بنت من بناتها تمثل نموذجا من النماذج البشرية المختلفة بمجتمعنا. وأغلبها شخصيات غير سوية في التركيبة النفسية لكل واحدة منهن. تعدد النماذج البشرية هذا إنما كان لأجل الكشف عن تقسيم المجتمع التونسي في الفترة الحالية، فما بالك لو كان في اسرة واحدة. ومن هذا المنطلق كانت الشخصية «المستترة» إن صح التعبير للطبيب النفسي.
اتجاهات مختلفة
النماذج البشرية، او بنات «تيجانية» تختلف عن كل المستويات فواحدة مناضلة ويبدو انها ترمز الى طالبة بالجامعة منخرطة في اتحاد الطلبة واحدى أخواتها متطرفة دينيا وغالبا ما ترتدي النقاب والأخرى بسيطة و«بايرة» (عانس) تبحث عن زوج والأخرى مدمنة «فايسبوك» بينما النموذج الأخير هو الابنة «الباندي» كما هو مصطلح عليه في مجتمعنا وهي نموذج لشخصية مستهلكة كثيرا في الأعمال الفنية على اختلافها في السنوات الأخيرة.
أداء مميّز
الحديث عن تفاصيل العرض حتما سيطول خاصة وأن «كروسة» سماح الدشراوي دام عرضها الاول قرابة ساعتين من الزمن تلاحظ خلالهما أداء مميّزا ورائعا لممثلة كبيرة فعلا الا انك تستغرب للاخراج الذي مثل نقطة ضعف المسرحية فعندما تسمع اسم فتحي العكاري حتما تذهب الى أن العمل اخراجيا سيكون على درجة عالية من الابداع لكن للأسف الاخراج كان الحلقة الأضعف في العرض الأول ل «كروسة».
هجوم مباشر
ويذكر ان المسرحية نقدية، من بدايتها الى نهايتها رغم كونها مسرحية كوميدية لكن تلك هي قواعد اللعبة المسرحية فيما يطلق عليه بالكوميديا السوداء. والكوميديا بدورها لم تخل من المباشرتية، لكنها في مسرحية «كروسة» لم تكن مبتذلة كما عهدنا ذلك في عديد الأعمال من هذا النوع.
بل كان النقد موجها لأشخاص بعينهم، وفي شكل هجوم مباشر لكل من السادة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي ومنصف المرزوقي رئيس الجمهورية وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة وبأقل درجة السيد علي العريض وزير الداخلية.
لكن رئيسي لمجلس التأسيسي والجمهورية كان لهما النصيب الأوفر في ما يمكن تسميته «بالهجاء السياسي» على حد تعبير الكاتب سليم دولة. كما طال النقد كذلك رجال الأمن في موضوع غياب الأمن.
لوحة درامية
وكما أسلفنا الذكر فإن مسرحية «كروسة» مسرحية كوميدية ساخرة بالأساس، ولكن ما أخل بالجانب الكوميدي فيها هي بداية المسرحية.. بداية باهتة طالت نسبيا غير ان أجمل لوحة فنية إن صح التعبير في هذه المسرحية «الوان مان شو» كانت مسك الختام... لوحة درامية جسّدتها باقتدار الممثلة سماح الدشراوي وفيها تحدثت بحسرة ولوعة عن تونس التي يجب ان تكون، والتونسي كما يجب ان يكون.