مازال مقدم الداعية أو المدعي السعودي محمد بن عبد الرحمان العريفي الجبري، المعروف ب«الشيخ العريفي» الي تونس، مثار جدل ونقاش حادين بين مناصريه أو مضيفيه، والمناهضين لأفكاره من المفكرين والمثقفين الحداثيين. في المقابل مرّ مقدم العالم الفيزيائي الكبير ألبير فير الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2007، الى تونس، في صمت رهيب رغم تقديمه محاضرة في مدينة العلوم بتونس العاصمة في نفس التاريخ الذي خطب فيه الداعية السعودي بمدينة الحمامات. ولعل السؤال الذي يطرح في ظل هذه المفارقة الغريبة، هو لماذا حظي مقدم الداعية السعودي بكل هذا الاهتمام في حين مرّت زيارة العالم الفيزيائي في صمت؟
هذا عالم وهذا عالم !
أولا لا بد من التعريف بشخصيتي كل من «الشيخ العريفي» وعالم الفيزياء ألبير فير: الأول دكتور في العقيدة وأستاذ مساعد في كلية المعلمين بجامعة الملك سعود، ومتعاون مع الارشاد الديني السعودي في كل من الأمن العام (في السجون ومدينة التدريب..) والدفاع المدني، ووزارة الدفاع والحرس الوطني حيث يقوم بالتأطير والتأهيل الديني للطلبة والأعوان والاطارات. من مؤلفاته «المفيد في تقريب أحكام المسافر» و«الدرر البهية في الألغاز الفقهية» و«هل تبحث عن وظيفة» و«عاشق في غرفة العمليات» و«صرخة في مطعم الجامعة» و«نهاية العالم».. وكانت أمنية «الشيخ» أن يصبح طبيبا.
أما ألبير فير، فهو عالم فيزيائي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 2007 عن اكتشافه (magneto resistance geante) أو «المغناطيسية العملاقة» وحصل في العام نفسه على جائزة اليابان كما حصل على الميدالية الذهبية للمركز الوطني للبحث العلمي ودكتوراه شرفية من جامعة دبلن والجائزة الكبرى للفيزياء جان ريكار.. يعمل حاليا مدير أبحاث بالمركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، وله اكتشافات عديدة في مجال الفيزياء.
محاضرات بالقوة
إن المتأمّل في سيرة كل من «الشيخ» العريفي وعالم الفيزياء ألبير فير يتبيّن بوضوح أيهما أهم وأقدر علميا وإفادة للإنسانية، ومع ذلك حظي الداعية السعودي بكل اهتمام حتى أن مستضيفيه نظموا له ثلاث «محاضرات» في حين لم يحظ عالم الفيزياء ألبير فير سوى بمحاضرة واحدة لم يقع الحديث عنها ولو بالاشارة، سواء في وسائل الاعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي التي أطنبت في الحديث والنقاش عن صولات الشيخ وجولاته، وإذا كانت دعوة العالم الفيزيائي الى تونس معلنة ورسمية من المعهد الفرنسي للتعاون التابع للسفارة الفرنسية بتونس، فإن استضافة «الشيخ» العريفي مازالت غامضة المصدر رغم الحديث عن جمعيتين قيل إنهما صاحبتا الدعوة أضف الى ذلك أن محاضرة العالم الفيزيائي كانت مرخصة في حين تم فرض «محاضرات» الداعية السعودي بالقوة أي بدون أي ترخيص وهنا أساس المشكلة وسر الاهتمام اللافت بالداعية السعودي على حساب عالم الفيزياء الفرنسي.
جهاز كامل يقف وراء دعوة الدعاة
إن من يقف وراء دعوة الداعية السعودي الى تونس والترويج له في وسائل الاعلام، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون جمعية أو جمعيتين فحسب وانما جهاز كامل مرتبط بجهات نافذة في السلطة الحاكمة الآن، وهي الترويكا بقيادة حزب النهضة والدليل سكوت الحكومة ووزارة التعليم العالي خصوصا، عن تقديم محاضرات الداعية السعودي في كليتي سوسة ورقادة بلا ترخيص. كما لم تتحرك الوزارة عند اضراب الطلبة في رقادة احتجاجا على دخول هذا الداعية الى مدرج الجامعة. أضف الى ذلك عدم تحرّك الحكومة أو على الأقل مراقبتها لخطاب هذا الداعية الممنوع، كما هو معلوم، من دخول الكويت والامارات بسبب الفتن التي أثارها في البلدين بين السنة والشيعة.
تجفيف المنابع مرة أخرى !
الواضح أن هناك أطرافا في الحكومة وأخرى أجنبية هي التي تقف وراء دعوة هؤلاء الدعاة لأهداف باتت جلية، وهي نشر الفكر السلفي في المجتمع التونسي بدءا من الشارع الى الساحات، وصولا الى المدارس والكليات كما حدث مع الداعية السعودي الأخير الذي أدخل بالقوة الى كليتي سوسة ورقادة. كما لا ننسى حملة نشر المدارس القرآنية والتسلل الى رياض الأطفال واحتلال دور الثقافة والشباب من قبل جمعيات تدعي الخيرية وهي في الحقيقة جمعيات تعمل بأجندات مسطرة لتغيير ثقافة التونسي ونمط عيشه، وإذا كان النظام السابق قد ابتدع سياسة تجفيف المنابع للقضاء على الاسلاميين، فإن النظام الحالي الذي يقوده حزب حركة النهضة وأطراف خارجية، ربما وجد في هذه السياسة أفضل أداة أو وسيلة لتنفيذ مشروعه السياسي، وترسيخ ثقافة غريبة عن المجتمع التونسي.