يموت الصحفيون فلا يكتب عنهم حرف واحد أحيانا بل ربما كان أقصى ما يحصلون عليه أسطرا قليلة في صفحة الوفيات تدرج على استحياء وكأنها من باب الأخذ بالخاطر والمؤسف أن بعضنا يرحل دون أن ينتبه اليه أحد وهو الذي كان من الأقلام البارزة أو الأصوات المتألقة وراء الميكرفون أو كاميرات التلفزيون.. هل نعتبر ذلك أمرا عاديا ونحن نرى أشباه الفنانين ولاعبي الكرة يحتلون مساحة صفحات في الحياة والممات.. هل نسكت ونتألم في صمت كالعادة ثم تمضي بنا الأيام ليرحل منا اخرون في صمت أيضا دون أن تكتب عنهم كلمة واحدة؟ . كان لا بد من هذه الديباجة بعد أن ودعنا زميلنا الجميل عبد المجيد بن اسماعيل تاركا في قلوبنا حسرة كبيرة ولا نقول هذا من باب الاطراء وانما لان «مجدة» كان بالفعل واحدا من أبرع الصحفيين وأكثرهم التزاما وحرفية وشعبية بين زملائه .
رحل مجدة بعد صراع طويل مع المرض وشيعه زملاؤه وأحبته عشية أمس الى مثواه الأخير بمقبرة الجلاز.. ونعترف بأننا كنا مقصرين معه كإعلاميين وكصحفيين رياضيين بصفة خاصة مع استثناءات قليلة جدا على رأسها معز بن غربية الذي كان معه قلبا وقالبا ولم يتردد أحيانا في الاشارة اليه في برامجه وكذلك زميلنا حاتم بن امنة رئيس مصلحة الرياضة في الاذاعة الوطنية والذي تجمعه بالفقيد علاقة وطيدة وقديمة جدا ولم يتخلف عن زيارته خلال فترة المرض(ولو أنه لم يعجبنا الاعلام في آخر التاسعة مساء عن وفاة مجيد) .
وحتى نوفي عبد المجيد بن اسماعيل حقه و تعرف الأجيال الجديدة من الاعلاميين المحطات االثرية التي ميزت حياته المهنية فاننا نذكر بأن الفقيد كان مجازا في الفلسفة وقد بدأت علاقته بصاحبة الجلالة منذ 1984 من خلال التعاون مع جريدة البيان ثم التحق بأسرة جريدة الصحافة انطلاقا من عددها الأول الصادر سنة 1989 وبعدها ببضع سنوات وتحديدا بداية من 1994 اقتحم تجربة الاعلام السمعي البصري من بوابة الأحد الرياضي رفقة الزميل منذر الجبنياني لكن تجربته في التلفزة الوطنية لم تعمر طويلا فقد اختار الانتقال الى قناة الأفق ليعمل الى جانب حاتم بن امنة ويعد أول حصة تلفزية تعنى بالبروموسبور ثم عاد الى التلفزة الوطنية سنة 1998 بمناسبة كأس العالم لكرة القدم التي احتضنتها فرنسا وشارك فيها المنتخب الوطني وقام بتنشيط بعض البلاتوهات الخاصة بالحدث وبعدها بسنتين(2001) التحق بقناة 21 كمنتج أو كمنشط في برنامجي صفحات رياضية ونادي الرياضيين.
مسك الختام في مجال الانتاج التلفزي كان عبر قناة «حنبعل» وتحديدا من خلال «سويعة سبور» ثم برنامج بالمكشوف رفقة شهاب الرويسي مع التأكيد على أن مجيد بن اسماعيل وشهاب الرويسي كانا يشكلان بالفعل ثنائيا ممتازا جدا وقد تجلى ذلك أيضا من خلال البرنامج الاجتماعي (الحق معاك) الذي نشطه معز بن غربية .
في كلمة مسيرة الزميل عبد المجيد بن اسماعيل الذي غادرنا الى دار الخلد صباح أول أمس الاثنين كانت حافلة بالعطاء والتألق اعلاميا وهذا ليس بغريب عن شخص مجتهد مثله سعى باستمرار الى المحافظة على مصداقيته واحترام أخلاقيات المهنة وهي خصال اقترنت مع أخلاق عالية وعلاقة احترام جمعته بالنسبة الساحقة من زملائه.. رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه. {إنَّا للَّه وإنَّا إلَيْه رَاجعُونَ}.