قبل أيام شهدت برلين احتفالات كبيرة بمرور خمسين عاما على توقيع معاهدة الإليزيه بين المانياوفرنسا التي انهت حقبة من الكراهية والحروب بين العدوين اللدودين ودشنت عهدا جديدا من المصالحة ثم الصداقة بينهما ومن ثم مهدت الطريق للوحدة الأوروبية... غير ان علاقات الشراكة بين برلين وباريس التي توصف بأنها القاطرة التي تجر اوروبا ليست على ما يرام رغم كل الاحتفالات التي شارك فيها اعضاء الحكومة والبرلمان في البلدين ورغم كلمات الثناء والإشادة التي وقعت في برلين. فبالتزامن مع الاحتفالات قام خبراء بتحليل متعمق للعلاقات الألمانية الفرنسية نشرتها دورية السياسة الدولية الالمانية خلصوا فيه إلى وجود تنافس سياسي متنام في ساحة أخرى هي افريقيا، فهناك محاولات فرنسية مستميتة لاستعراض القوة على الأقل على الصعيد العسكري بعد ان «أهينت» باريس اقتصاديا في اوروبا وهو ما بدأه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عبر إعادة فرنسا إلى حضيرة حلف الناتو عبر تفاهمات مع واشنطن ولندن بعيدا عن برلين، ثم من خلال تكثيف التعاون العسكري الفرنسي مع بريطانيا وهو التعاون الذي شكل الأساس العسكري للحرب على ليبيا في عام 2011 لإسقاط نظام معمر القذافي... والآن تقود فرنسا مرة أخرى العمليات العسكرية في مالي لمواجهة المتمردين الإسلاميين رافعة شعار محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في غرب إفريقيا. وفي المقابل يرصد المحللون سياسة ألمانية اكثر جرأة في تحدي الشريك الفرنسي.
فألمانيا التي عزلت نفسها بامتناعها عن المشاركة في التحالف الغربي لإسقاط النظام الليبي لم تعد ترغب في تكرار الخطإ نفسه في مالي، بل إن برلين تسعى علنا الى تقوية نفوذها في الدول والمستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا متحدية المصالح الفرنسية بشكل غير مسبوق. ويبدو أن السياسة الألمانية الجديدة تحظى بتوافق من قبل القوى السياسية سواء في الحكومة أو المعارضة، إذ يطالب السياسيون حكومة المستشارة انجيلا ميركل بالإسراع في توسيع مشاركة المانيا في الحرب ضد المتمردين في مالي وعدم ترك الساحة لفرنسا وحدها، خاصة بعد قرار باريس زيادة قواتها هناك وايضا زيادة القوات التي سترسلها دول مجموعة الإيسكوا للحيلولة دون تورط دول الجوار مثل الجزائر وليبيا في الصراع الدائر.