غاب أمس جسد المناضل الوطني الشهيد شكري بلعيد عن دار المحامي بقصر العدالة بالعاصمة التي ضمت أفراد عائلته ورفاقه وأصدقاءه وحضرت روحه وكان صوت الشهيد يتردد بهذه الدار التي لازالت تحفظ صوت شكري بلعيد الجوهري الطليق الحر المدافع عن القضايا المصيرية. فيوم أمس لم يكن يوما عاديا بقصر العدالة وتحديدا بدار المحامي فقد كانت أربعينية الشهيد شكري بلعيد التي خصصت لها الهيئة الوطنية للمحامين يوما كاملا جمع بين المداخلات العلمية والخطب السياسية حيث حضر الألم والحزن والمرارة والاحتفال والارادة في الكشف عن اغتيال الشهيد شكري بلعيد كما حضر ألبوم من صور لتاريخ نضالات الفقيد التي تحدث عنها عميد الهيئة الوطنية للمحامين شوقي الطبيب الذي عبر عن حماسته وارادته القوية في الكشف عن الجناة والقصاص منهم حتى ولو بعد مائة سنة.
روح الشهيد شكري بلعيد كانت حاضرة في عيون رفاقه المحامين الذين كانت عيونهم مليئة بالدموع وكانوا بين الفينة والأخرى يتذكرون أحاديث للشهيد كانت هذه الذكريات أحيانا تضحكهم وأحيانا تبكيهم معربين عن خوضهم كل المعارك للوصول الى الحقيقة الكاملة في ملفه.
وقد حضر الموكب أرملة الشهيد بسمة الخلفاوي ووالده وشقيقه لطفي بلعيد الذي كانت دموعه تنزل بغزارة وتولت الاستاذة سعيدة قراش مواساته الى حين أن هدأ قليلا. شقيق الفقيد أفادنا أنه يبكي لان العظماء والشرفاء قدرهم يموتون بيد الغدر. مؤكدا أنه يوجه نداء الى الشعب التونسي مفاده أنه يجب الدفاع عن المشروع الفكري للشهيد المتعلق بالدفاع عن الوطن والتصدي للعنف والارهاب والقتل لأن تونس تعيش في وضع صعب وخطير لم تعرفه سابقا.
من جهتها أفادتنا أرملة الشهيد شكري بلعيد أنها توجه رسالة الى الشعب التونسي وهي رسالة زوجها الشهيد مفادها الوقوف الى تونس والدفاع عن العدالة والحرية والكرامة والتصدي لكل مظاهر العنف والاستبداد والارهاب. وفي اجابتها عن سؤالنا المتعلق بثقتها في السلطة القضائية من عدمها قالت انها «لا تثق في نظام ديكتاتوري يتغلب على استقلالية القضاء ويتدخل في عمله». وأضافت أرملة الشهيد أنها ستنتظر ما ستنتهي اليه الأبحاث القضائية التونسية التي يجب الانتباه اليها واطلاق انذار الخطر إذا وجدت تجاوزات من شأنها دفن الحقيقة مضيفة أن إمكانية تدويل القضية مازالت قائمة خاصة وأنه الى حد هذه اللحظة لم تقدم السلطات المعنية سيناريو متماسكا.
العميد شوقي الطبيب الذي كانت كلمته تقشعر لها الأجساد تحدث خلالها عن روح الشهيد شكري بلعيد ووجه رسالة شديدة اللهجة لقتلة الفقيد مفادها ان الشهيد لم يمت وانه علامة لفخرهم وهو فارس المحاماة وسينتصر على من قتله و«أن الهيئة الوطنية والمحامين التونسيين لن يهدأ لهم بال حتى يتم القصاص من القتلة اين وجد مكانهم وان قتلوا سوف نخرجهم من قبورهم ونقتصوا منهم.»
العميد شوقي الطبيب تحدث عن روح الشهيد حيث قال «إن شكري بلعيد هو من طينة المحامين المحبوبين وهو مهني يدافع عن حريفه وعن القيم و المبادئ الكونية ويدافع عن وطنه وقومه وأمته وقد ولد محاميا ونجح في هذا القطاع وقد ذهب شكري وبقيت روحه خالدة في ذكرى كل من يعرفه».
بعض المحامين والشخصيات السياسية والوطنية تحدثت عن أهم الخصال التي كان يتميز بها المناضل السياسي الفقيد شكري بلعيد من ذلك الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي الذي قال عنه: «عرفناه نصيرا لقضايا النقابيين والشغالين والمظلومين, محاميا شهما مندفعا وسباقا لاعلاء كلمة الحق لا يعرف التردد ولا الكلل عرفناه صوتا مدويا عاليا حرّا طليقا في رحاب المحاكم وعلى أعمدة الصحف وفي التظاهرات والمسيرات الشعبية وفي المحافل الدولية مشهّرا بالظلم والاستغلال مدينا بممارسات القمع والتنكيل وللانتهاكات والاعتداءات المكرسة للاستبداد ,عرفناه خطيبا فصيحا وصوتا حرّا طليقا لا يهادن ولا يجامل حاسما قاطعا لا يتردد في الافصاح بكلمة الحق. عرفناه في الصفوف الأمامية وفي شوارع العاصمة متصدرا المسيرات الشعبية الداعية الى الحق في التنمية والتشغيل وفي الأمن وفي حماية القدرة الشرائية والمندد بالعنف السلفي وبالمواقف المهادنة لتغول ما تطلق على نفسها زورا وبهتانا رابطات حماية الثورة».
الامين العام للاتحاد كانت رسالته واضحة في كلمة ألقاها بدار المحامي مفادها «أن الاتحاد على قناعة بان الاغتيال السياسي يعني بالاساس ان مدبر الجريمة والمتستر عنها أصبح في وضعية يستحيل فيها إدارة الصراع السياسي بشكل ديمقراطي,هذا ما انتهت اليه حكومة حمادي الجبالي وهذا ما ننبه اليه حكومة علي العريض». حسين العباسي اكد أيضا على تجند الاتحاد الى جانب اسرة المحامين وعمادتهم وأسرة القضاة الغيورين على استقلالية القضاء والاعلامين والصحافين الاحرار ,وكل القوى السياسية التقدمية ونشطاء المجتمع المدني لسد الطريق أمام الساعين لجرّ الشعب الى العنف والحرب الأهلية.
الهيئة الوطنية للمحامين دشنت قاعة كبرى بدار المحامي تحمل اسم الشهيد شكري بلعيد وهي قاعة مخصصة للندوات العلمية الكبرى وللاجتماعات علما أن دار المحامي من المؤسسات التونسية التي تعرف بحسن تجهيزاتها وبجمالية مظهرها الذي يغلب عليه الطابع العصري والأنيق. كما قدمت الهيئة الوطنية للمحامين درع المحاماة لفائدة عائلة الفقيد شكري بلعيد.