بعد نشر وزارة الداخلية لقائمة المشتبه بهم في قضية الاغتيال والاشتباه في تورط شابين آخرين من المحسوبين على تيار ديني متشدد وهما من متساكني جهة الكرم. تحولنا الى هذه المنطقة التي ارتبط اسمها منذ شهرين بعملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد. «الشروق» تحولت الى منطقة الكرم الشرقي وتحديدا الى نهج حسين بوزيان أين ترعرع المشتبه به سلمان المراكشي الذي كان من ضمن قائمة المتهمين المتحصنين بالفرار في ملف الشهيد شكري بلعيد. في البداية اتصلنا بوالده أحمد شهر «عمدة» الذي وجدناه جالسا في زاوية من زوايا مقهى «لوازيس» وهي مقهى كان يتردد عليها كثير المشتبه بهما في القضية. عند دخولنا الى المقهى اتصلنا بنادل الذي عرفنا على والد المشتبه به وهو شيخ تجاوز عمره العقد السادس وهو ملتح وكان يجالس فردين آخرين وعندما قدمنا نحوه بدأ يحدق بنا ثم سألنا عن سبب قدومنا وفور إعلامه بهويتنا نظر إلينا باشمئزاز وطلب منا المغادرة لكننا حولنا بكل الطرق محاورته إلا أنه كان في كل مرة يصدنا وهو غاضب وأمام إلحاحنا سخر منا وقال إن ما لديه قاله للشرطة وليس مطالب بأن يتحدث إلينا.
وأمام إصرارنا على الحديث معه اتهمنا بكوننا نحاول استدراجه وأن ما يهمنا هو تشويه الآخرين ثم طلب منا مغادرة المقهى والكف عن مضايقته. قائلا أن حالته النفسية سيئة جدا ولا يمكنه التصريح بأي معلومات. فسألناه لماذا ظهر اسم ابنه في ملف الشهيد شكري بلعيد فقال أن ابنه واع ويعرف ماذا يفعل ثم استدرك قليلا وأضاف أنه أعطى أقواله الى الشرطة التي مازالت تواصل أبحاثها وهي التي ستكشف عن الحقيقة. وبعد أن تعذر علينا محاورة والده اتصلنا بصاحب محل فأفادنا أنه لا يمكن مساعدتنا بأي معلومات لأنه يخاف أن تتم مضايقته من قبل أصدقاء سلمان وطلب منا التوجه الى شخص آخر قال انه على علاقة وطيدة بالمشتبه به لعله يمكنه مدنا بمعطيات. فاتصلنا به وهو شاب لا يتجاوز عمره العقد الثاني وملتح. فأكد لنا أن لا أحد من متساكني المنطقة سيتجرأ على إخبارنا بأي معلومة تتعلق بصديقه. مضيفا أن هناك محاولات لإقحام التيار السلفي بهذا الملف الذي أصبح قضية رأي عام والجميع ينتظر أن تكشف تفاصيله. وأكد صديق المظنون فيه أن ما جئنا نبحث عنه أمر مستحيل لأن الجميع لن يساعدنا في الوصول إلى ما نطمح إليه. فسألناه لماذا يجيبنا بهذه الطريقة فقال إن الإعلام شوه صورة التيار السلفي.
غياب عن الأنظار
من جهة أخرى اتصلنا بشيخ وهو صديق لوالد المشتبه به سلمان والذي ألح علينا في البداية بعدم التحدث معه خوفا من أن تتعكر علاقته بوالد المظنون فيه. مكتفيا بالقول أنه بعد عملية الاغتيال لاحظ غياب المتهم سلمان المراكشي عن الأنظار ولم يعد أحد يعرف عنه أي معلومة. لقد كان من الصعب أن يعلمنا أي شخص بأي معلومات حول المظنون فيه سلمان لأن الكل يخاف من ردة فعل أصدقائه والمقربين منه ويشعرون بكونهم تحت المراقبة ولا مجال للحديث عن الموضوع.فكلما اقتربنا من أحد إلا واعتذر منا واكتفى بالقول أنه يفضل عدم الدخول معهم في مضايقات ومشاكل. فكلما أخذنا نتجاذب الحديث مع أحدهم إلا وأعلمنا أن الكل ينظر إلينا فنلتفت فنجد عيون تترصدنا وتحدق بنا فلا نستطيع أن نتكلم مع مخاطبنا بأريحية خاصة أنه يعتذر عن عدم مدنا بمعطيات.
ابتعدنا قليلا عن مقهى «لوازيس» حتى يمكننا أن نعرف المزيد عن المشتبه به وهناك التقينا بشخص يدعى عاشور وهو صديق للمشتبه به منذ الطفولة فقال إن كل ما يعرفه عن المشتبه به هو كونه شخصا عاديا ثم لاحظ عليه في الأشهر الأخيرة بعض التغيرات الفكرية إذ أصبح على علاقات ببعض المجموعات المتشددة دينيا. مضيفا أنه فوجئ بسماع أن صديقه قد تورط في هذا الملف وأصيب بالذهول والصدمة. وبخصوص المستوى الإجتماعي لعائلته قال إنها عائلة فقيرة. مشيرا إلى أنه بعد عملية الاغتيال قام والده بتسوغ منزل آخر يبعد بعض الأمتار عن نهج حسين بوزيان وذلك للابتعاد عن الأنظار.
ذهول وصدمة
فسألناه لماذا غاب سلمان عن الأنظار؟ فأجابنا أنه بالفعل بعد عملية الاغتيال لم يعد يراه لكنه لا يعلم أين مكانه الآن. مؤكدا أن غيابه عن محل سكناه ومداهمة أعوان الامن للمنطقة في أكثر من مناسبة مؤشر غريب يدل على أن هناك حقائق أخرى يجهلها. وقد أجابنا شاب آخر قال إنه يعرف سلمان عن قرب وأن ما سمعه عن هذا الأخير لا يصدق خاصة أنه حتى بعد عملية الاغتيال لم يلاحظ أي تغيرات بل كان يتصرف بصفة تلقائية ثم تغيب بعد مدة عن الأنظار. بعض المتساكنين أعلمونا أن المشتبه به سلمان متحصل على شهادة في الحماية المدنية اختصاص غوص وأنه سافر خلال السنوات الأخيرة إلى فرنسا للقيام بتدريبات هناك وقد تحدث البعض عن إمكانية فراره إلى فرنسا خاصة أن أحد أشقائه متواجد هناك.
عند حديثنا إلى متساكني نهج «حسين الجزيري» أجمعوا على انه من الصعب أن يكون سلمان المراكشي الطفل الذي ترعرع بينهم قادرا على القيام بمثل هذا العمل الإجرامي الذي استنكره الشعب التونسي...فأغلب من تحدثنا إليهم أجمعوا على أنهم مصدومون ومذهولون خاصة بعد نشر وزارة الداخلية لصورهم.. فهناك من أعلمنا أنه لا يعرف سلمان من قريب ولكنه يعرفه من بعيد ويمكن أن تكون المجموعات المتطرفة التي احتك بها هي من تقف وراء تغير سلوكه واقدامه على المشاركة في هذا العمل الإرهابي.
أفكار متطرفة
أحد أصدقاء سلمان وهو عامل بأحد المطاعم رفض ذكر اسمه حتى لا يتشاجر مع أصدقاء سلمان وأكد أنه يعرف هذا الأخير منذ ثماني سنوات مؤكدا أنه كان في البداية شابا عاديا وعلاقتهما متينة ثم تغيرت أفكاره وآراؤه التي قال عنها أنها غريبة فسألناه عن هذه الأفكار فقال ان صديقه أصبح متشددا دينيا وأصبحت لديه علاقات مشبوهة ببعض الأشخاص المنتسبين إلى تيار ديني متشدد وهذه العلاقات يمكن أن تكون من بين الأسباب التي جعلته يقدم على المشاركة في عملية الاغتيال.
وفي اجابته عن الحالة التي كان عليها سلمان بعد عملية الاغتيال الشهيد شكري بلعيد قال إنه كان طبيعيا ولم يلاحظ عليه أي تغيرات لكن غيابه عن الأنظار هو ما آثار الشكوك حوله. بعض المتساكنين سألناهم عن المتهم الرئيسي كمال القضقاضي وعلاقته بسلمان المراكشي فتمت إجابتنا بأنه بعد نشر وزارة الداخلية لصوره تبين لهم بان وجهه مألوف وانه يمكن أن يكونوا قد شاهدوه في الجهة .مؤكدين أنهم لم يسبق لهم أن شاهدوا سلمان والقاتل معا. «الشروق» تحولت الى منزل المشتبه به الثاني مروان بن صالح الذي يقطن بنهج 5 ديسمبر بالكرم الغربي وهو حي شعبي علما أن هذه المنطقة تبعد عشرات الأمتار عن منطقة الكرم الشرقي.
نريد الحقيقة
في البداية اتصلنا بزوجة المشتبه به مروان وهي متحجبة وأم لثلاثة أطفال وقد استقبلتنا في منزلها الذي كان متواضعا جدا. في البداية رفضت التحدث الينا قالت إنها خائفة وليس لديها ثقة في أي جهة. فحاولنا محاورتها واعلامها بأننا لا نريد إلا البحث عن الحقيقة. فأجابتنا أن وزارة الداخلية فاجأتهم بنشرها لصور زوجها دون أن يكون لباحث البداية أي معطيات أو معلومات من شأنها إدانة زوجها في قضية الشهيد شكري بلعيد دون أن تحترم أبناءه الذين مازلوا رضعا. وقالت أنه تم اقحام زوجها في هذا الملف الخطير فسألناها لماذا غاب زوجها عن الأنظار فقالت إنها لن تستطيع إجابتنا وكل ما يمكنها قوله هو أن الله هو من سيظهر الحقيقة. والدة المشتبه به أيضا كانت حزينة وقالت إنها تدعو الله حتى تظهر الحقيقة لأنها لا تتصور أن يقدم ابنها على المشاركة في مثل هذا الفعل الشنيع. وبينما نحن بصدد مغادرة المنزل قدم والد المشتبه به مروان وهو شيخ يتجاوز عمره العقد السابع وقد كانت لحيته يكسوها البياض والذي عندما علم بهويتنا حاول التحدث إلينا إلا أن زوجة ابنه منعته من التصريح بأي معلومات. لكنه حاول إعلامنا أن ابنه مظلوم وأنه تم توريطه في هذا الملف ولا يمكن أن يكون ابنه قاتلا أو مشاركا في العملية. وأضاف والد المظنون فيه أنه يتألم لأنه بعد أن دافع على تونس في عهد الاستعمار وكذلك في عهد الرئيس المخلوع تتم مكافأته كما يقول بالزج بابنه في مثل هذا الملف الخطير.
وأشار والد المشتبه به الى أنه لا يريد إلا الحقيقة وأنه لا يريد أن يكون ابنه ضحية ألاعيب سياسية. عائلة المتهم مروان بن صالح قالت إن ابنها بريئ من التهم المنسوبة اليه وليس له أي علاقة بالمتهم كمال القضقاضي إضافة الى أنه ليس لديه أسباب قوية تجعله يشارك في اغتيال السياسي شكري بلعيد.
بعض الشبان الذين التقيناهم بنهج 5 ديسمبر أفادونا أن المشتبه به مروان يمكن أن يكون سافر الى سوريا للجهاد وأنهم لا يتصورون أن يقدم المشتبه به على هذا العمل الإرهابي. مضيفين أن ملف شكري بلعيد بات غير واضح وهناك أيادي خفية تحركه وتريد الزج بالتيار السلفي في هذه العملية وذلك لإبعاد الشبهة عن الجهة الحقيقية.
وافادنا شاب يدعى كريم شهر «خميس» وهو صديق المشتبه به أن مروان شخص متدين وله علاقات ببعض العناصر المنسوبة للتيار السلفي مؤكدا أنه صدم وفجع عندما تم ذكر اسم صديقه في قضية شكري بلعيد.