* * * شذرات من المتن المختوميّ ( 1 ) «يا هؤلاء! تعالوا للمرآة نغسل وجوهنا أمامنا...» ( 2 ) «كلنا في الجحيم سواء فمتى نُكسر قيدنا» ( 3 ) «وجهي كتاب في الرحيل حكايات الزمان في أوراقه وأغاني النحل فيه وشدو القادمين من النخيل...» ( 4 ) «أنا الملاح... وحدي أنا... يا حلبُ... الشعاع وبغداد في ليلي ويومي هي النجمُ والبرقُ المشاعُ» ( 5 ) «الارض ضاقت بما اتسع الفؤاد» ( 6 ) «سواد هذه الطرق وشمس العين لم تشرق وصمت الليل أطْبقْ» ( 7 ) «ومن ينام مثل أهل الكهف لن ينصفه التاريخُ لن ينفعه العويل والخنساء... في قصائد الرثاء» ( 8 ) «خسرنا الكلام وأتعبتنا اللغات... جميع اللغات وقلتم وما ضرّ نحن أحفاد طيء كرام ومنّا... علينا... السلام» ( 9 ) * شذرة من: (لها... وليس لغيرها) «يا أيها الولدُ لما يحين الرحيل كن أنت المشيّع... والمشيّع خذ وداعك إنك الوعد الذي يعدُ...» * * * هامش : * «لها... وليس لغيرها) مجموعة شعرية ثالثة للشاعر، صدرت سنة 2001 بعد مجموعتيه: «فصل من ليالي السندباد» 1998 «وجه... للوطن» 1999. الكتابة، فعل الكتابة، إثبات أثر، هو في مقام الوسم والوشم والرسم... إفصاح و»وشاية» عاطفية، ومناخية، وفرحية أحيانا بالذي يعتمل، ويجوس آخر الليل في غياهب الذات... الشاعر توأم النبيّ، وشقيق الساحر، يغدو مقيما في العالم على إيقاع خصوصيّ يحركه، بل يستلزمه وعي ممضّ مفلق بالزمن، بآنات المكان وأنّات الوجع القادم من بعيد. الشعر، ووفقا لمستلزماته، إنما هو الوعي بالامّحاء والتلاشي في هذا الحضور العابر المسمّى بالحياة... والشعر، إنما هو بدءا، أداء شفاهي أصلا، قبل أن يكون فعلا كتابيا، بهذا المعنى يمكن الاقرار دون ارتباك بأن الشعر إنما هو فعلا «قراءة»، تصفّح عاطفي، قبل أن يكون تصفّحا حبريا هو سليل قراءة للزائل والفاني والعابر من المفرح والبهيج والطرب، وهو كذلك إصغاء «ماكر» لما يعتمل في ذواتنا من شعور بالتفتت، التفتت الراقص أحيانا زمانا ومكانا، وهنا أصل المفارقة التي يدركها الشاعر دون سواه، وقد يكون للموسيقيّ وعْي بفتنة المفارقة، ذلك أن الشعر كونيّ من جهة التكوين الجينيالوجي النسابيّ إذ هو الرفيق الازلي للكائن الانسيّ، وهو وفق أداء آخر، فعل «نرجسيّ» ذاتي، خلويّ يلتحم بالأنا، بالآن والمكان إذ وكما يقول المتنبي في احدى تجلياته، وهو المعشوق مختوميّآ: «على قدر البقاع يكون الشعر» بهذا المعنى، تعتبر هذه الظاهرة الكيميائية اللغوية، والتي هي الشعر، أكثر أشكال الوعي ومرة أخرى رهافة بما عليه الانسان من قابلية للامحاء، أقصد وعيا بالاختفاء، وهو المرادف الموضوعي لما يسمى «انتقاض البنية» الذي هو الموت كما تسميه العربُ. إن صحّت هذه الاعتبارات، ولو الى حين، يكون الشعر نزولا الى القاع، بل الى قاع القاع، بكل ضروب الايقاع، ويقوم مقام القناع يتخفّى به المقهور بوعيه، وبعشقه، وبمرتجياته وأمانيه المغدورة، إنه إدراك بالمعنى اللساني والمعرفيّ، لجميع أوجه الهشاشات المقيمة في ذواتنا الانسية، ليس غريبا أن يردّد صاحب «العلم المرح»: «بالايقاع كاد الانسان يكون إلاها»، إلاها مرئيا هو الانسان... يسعى كدحا الى أن يتهجّى بكل لغات الخلق مقام ألوهيته، تماما كما الامر بالنسبة للشاعر / الشاطر تماما، إذ باللغة، أخطر الاسلحة فتكا وألذّها مرارة، يريد عبور المسافات بين المحلوم به والمقدور عليه. من هنا، من هذا الوجع / الأفق النظريّ، من هذه الزاوية الهاوية، يمكن اعتبار الشعر قراءة وإصغاء لحقيقة هذا الكائن الذي لا يتحمّل خفة خفته وفق عبارة محرّفة قصدا لصاحب كتاب «الضحك والنسيان» تماما كما قراءة الشعر، يمكن اعتبارها بلا ندم: «تمرينا ذاتيا على فعل الاصغاء»، إصغاء للمكبوت الصامت، وللموجوع الصائت، وللجنائزي والمناخيّ الاوركسترالي. ذلك أن للاحرف والارقام والانغام والمجازات والكنايات وضروب التعريض مكرَها المستبدّ والانيق في استبداده أحيانا... الشعر... مخلوق ليليّ... ذلك ما نتبيّنه من نصوص وأختام الشاعر عبد الحفيظ المختومي، الذي يعلن في أكثر من منعطف حكائيّ سرديّ (وشهوة السرد جارفة... لدى صاحب «الكنعانيّ المغدور») وعيه بضرورة الاختفاء بما يمكن تسميته، تهجّيا، «أناشيد الغياب»، من ذلك مثلا: «بطاقة البريد الاخيرة» «أحزن أندلسية» «الحلاج لحظة صلبه» «محنة يوسف» «وصيّة المتنبي»... يتبع * مقدمة المجموعة الشعرية التي ستصدر قريبا لعبد الحفيظ المختومي