أرجع الدكتور عادل بن يوسف الاستاذ بكلية سوسة اهتمامه بموضوع دور وسيلة بن عمار في الحياة السياسية بتونس خلال الحكم البورقيبي الى نقص الدراسات المهتمة بسيدة البلاد الاولى في تاريخ تونس الحديث والمعاصر وذلك نظرا لغياب المرأة عن صدارة الساحة السياسية وانفراد ملوك وبايات تونس بالرأي والقرار، بحكم الطبيعة الابوية للمجتمعات العربية الاسلامية، غير انه منذ اعلان النظام الجمهوري بتونس سنة 1957 وانتخاب الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية التونسية، تشكلت تدريجيا شخصية سياسية نسائية تعود علاقتها بالزعيم الوطني الى سنة 1943 تدعى وسيلة بن عمار. ويواصل، ومنذ ذلك التاريخ والى غاية 1986 لم تنقطع العلاقة بين الطرفين، بل أغرب من ذلك، فقد شكلت صفحة من صفحات كتب العشق والغرام: مراسلات، زيارات، اتصالات من داخل البلاد وخارجها... فكان لهذه المرأة تأثير بالغ على مسيرة بورقيبة النضالية الى غاية سنة 1956 الى درجة أنه لم يكن بامكانه الابتعاد عنها. أنه ومنذ ارتباط بورقيبة الرسمي بوسيلة سنة 1962 وطلاقه من زوجته الاولى الفرنسية، أصبحت وسيلة بورقيبة سيدة القصر، ونظرا لعديد الخصال التي توفرت فيها كالذكاء وقوة الشخصية ودرايتها الجيدة بنفسية الرئيس وبالاوساط السياسية بتونس وطموحها... أصبحت عنصرا فاعلا في المشهد السياسي اليومي للبلاد، ونشأت حولها كتلة سياسية ما فتئت تتسع من يوم الى آخر بحكم انصات الرئيس لها ولارائها ومواقفها في عديد القضايا والملفات المتصلة بالسياسة الداخلية وحتى الخارجية للبلاد، فأصبحت تراقب كل تحركات وتصرفات الرئيس وتقترح عليه تسمية وعزل الوزراء وكبار الموظفين في الدولة والحزب. ويقول الاستاذ عادل بن يوسف: انه مع تقدم بورقيبة في السن وكثرة تعامله مع المرض، تفاقمت مخاوف هذه المرأة مع الاطاحة بزوجها وخلافته وهو ما يعني زوال مصالحها ومصالح المقربين اليها. لذلك كثفت من التدخل في الحياة السياسية الوطنية وذلك عبر الاطاحة بالوزراء اللامعين وغير الموالين لها مثل الوزير احمد بن صالح والوزراء الاول، الهادي نويرة ثم خلفه محمد مزالي... وذلك بالمراهنة على بعض الوزراء المنتمين الى كتلتها والمؤتمرين بأوامرها وفي مقدمتهم وزراء الداخلية، ولبلوغ اهدافها لم تتخلف سيدة قرطاج عن التحالف مع النقابات وحتى مع حكام بعض الدول المجاورة لزعزعة وتقويض النظام والتمهيد للاطاحة بالوزراء الاول الذين كان يختارهم بورقيبة، فكانت بشكل أو بآخر ضلعا في عديد الأزمات والهزات السياسية التي شهدتها البلاد وفي مقدمتها أحداث الخميس الاسود لسنة 1978، وأحداث الخبز سنة 1984 وطرد العمال التونسيين من ليبيا في صيف 1985. ويضيف المحاضر ان السياسة الخارجية لم تخرج عن دائرة اهتمام هذه المرأة بما أنها سعت الى توجيه الدبلوماسية التونسية وفق مصالحها وتطلعاتها وذلك بالحيلولة دون قيام مشروع وحدة بين تونس وليبيا بتحقيق تقارب بين تونس والجزائر وتنقية الملفات الشائكة بينهما، وتشجيع بورقيبة على احتضان الجامعة العربية سنة 1979 ثم مقر القيادة الفلسطينية بتونس سنة 1982. غير أن نهاية المرأة كانت مأساوية، بما انها فقدت في الختام ثقة زوجها نتيجة دخول بعض العناصر الجديدة الى قصر قرطاج فكان طلاق بورقيبة منها في أوت 1986 وخروجها من الساحة السياسية التونسية من الباب الصغير الى غاية وفاتها في جوان 1990.