كنت أتابع عن كثب السّجال الدائر في بعض المواقع الإلكترونيّة التّونسيّة حول تداعيات الأزمة السياسيّة التي لحقت بحركة النّهضة التّونسيّة ومخلفاتها ورغم أنّي اخترت منذ البداية عدم الخوض في مجموع النقاشات والآراء التي تطرح نظرا لحساسيّة الموضوع وتشعباته إلاّ أنّي وجدت نفسي في الأخير مضطرّا لإبداء بعض الملاحظات الهامّة تتعلّق بآداب الحوار بعدما تحوّل النّقاش إلى ردّات فعل عنيفة بلغت أحيانا مستوى التخوين والتجريم . ولعلّ ما أردت التأكيد عليه في البداية أنّ الإختلاف في الرأي والتقييم في عمومه إذا كان يخضع لضوابط منطقيّة معقولة فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يفسد باب المودّة بين التّونسيين عموما حتّى وإن اختلفت مشاربهم السيّاسيّة والإديولوجيّة فما بالك لو كانت تلك الإختلافات بين إخوة تحمّلوا بالأمس القريب بشكل أو بآخر المسؤوليّة الكاملة في اختيار منهج معيّن وبدون الخوض في مجريات الأحداث وتفاصيلها وانعكاساتها على السّاحة السياسيّة والوطنيّة أريد أن أنبّه إلى أنّ من قرّر الإستقالة أو الإعتزال من حركة النّهضة التّونسيّة سواء عن وعي أو بدافع أمني أو مصلحي ، يبق في الأخير حرّا في اختياره والتاريخ وحده قادر أن يحكم له أو عليه . كما أنّي أعتقد أنّ الخوض في تحليل الأزمة السياسيّة التي مرّت بها البلاد وتداعياتها على أوضاع حقوق الإنسان وتجريم حركة النّهضة وتحميلها المسؤوليّة الكاملة عن كلّ من انجرّ عن ذلك من نتائج ، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يقبل من كلّ الإخوة الذين قاسمت معهم بشكل من الأشكال العبء الثقيل لتحمّل مشروع قدّمنا من أجله عشرات الضحايا وآلاف المشرّدين . فمن باب الحكمة و الآمانة والمسؤوليّة أمام اللّه والتّاريخ أن يترك ذلك الأمر حتّى يندمل الجرج وتستقيم الأوضاع حتّى وإن كانت لدينا بعض التحفّضات لأنّ جلد الذات منحى عقيم قد تنتج عنه معاناة نفسيّة وإن تفاوتت في حدّتها ، ويبق حدّها الأدنى باعث ألم وحسرة كلمة أخيرة أريد أن أقولها أوّلا لبعض الذين أخطأوا في تقييم الأحداث أمّا عن قصد أو عن غير قصد أنّ من اختار مسيرة النّضال فقد توجّب عليه أن يدرك أهميّة الرسالة وتشعبات الطريق وأنّ حسابات الرّبح والخسارة في عالم السيّاسة لا تقاس بمدى النتائج الماديّة المترتّبة عن ذلك بقدر ما تقاس ببقاء الفكرة وصلاحيتها أمّا أصحاب المواعظ وما أكثرهم اليوم على المواقع الإلكترونيّة التّونسيّة فإنّي أدعوهم أن يكفوا عن الخلط بين ما هوّ ديني وسياسي ، لأنّ مسيرة حركة النهضة التونسيّة بنجاحاتها وإخفاقاتها ليست ملكا لأحد للنّقد والتحليل بحسب هواه بقدر ما هي مسيرة جيل كامل يبق الحكم فيها أو عليها محل إجماع لكل أبنائها ومن أراد التوبة فاليبحث عنها في سفارات تونس بأوروبا ويترك ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه . ويكفني أن أذكر بهذه الأبيات الشعرية دمي روى فلتصمت الألسن *** أروع شعر القلب لا يعلن ما أبلغ الصمت إذا ما رو ى** مأساة شعبي ، قلبي المثخن عاشق الوطن 23 .11 .2008 المصدر بريد الفجرنيوز