أمام الحكومة التونسية أمران أحلاهما مر : أ – الضغط على المملكة السعودية لجلب الرئيس المخلوع و محاكمته على الأراضى التونسية و تحمل التبعات و المفاجآت الغير سارة و المحتملة بنسبة تفوق % 70 ب – تأجيل محاكمته إلى أجل غير مسمى و تحمل ضغط عائلات الشهداء و الجرحى مصحوبا بدفع مشحون من اليسار المنهزم في الانتخابات الأخيرة يسبب لها متاعب جسيمة . لا يختلف اثنان على أن الرئيس المخلوع مطالب للعدالة في قضايا لا تحصى و لا تعد و قضاياه تتجاوز مذابح الثورة الى ذبح الشعب التونسي في كرامته و حريته و هويته و إنسانيته فضلا عن قضاياه في الفساد المالي و حيازة مخدرات و تهمة الخيانة العظمى بما انه قائد القوات المسلحة . و لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : ماهي الآلية التي ستتبعها الحكومة الحالية و التي لم يبق من عمرها سوى أشهر عدة في إقناع السعودية بتسليم المخلوع ؟ ثم لو افترضنا جدلا أن الحكومة نجحت في جلب المخلوع فما هي ضمانات نزاهة القضاء و عدم حصول إنفلات أمني هنا و هناك قد يتحول إلى زعزعة استقرار البلاد بأكملها . اعتقد أن حكومة التوافق الحالية مقتنعة اقتناعا تاما أنه ليس من أولوياتها الآنية محاكمة المخلوع و جاء ذلك جليا في برنامج حكومة حمادي الجبالي التي لم تتطرق لمسألة محاكمة بن علي لأن تحديات الحكومة العاجلة هي قضية الشهداء و البطالة و القضايا الاجتماعبة الملحة فضلا عن محاربة أوكار الفساد المنتشرة في كل مكان التي خلفها من ورائه المخلوع و عائلة زوجته الحلاقة . المملكة السعودية تنظر للحكومة التونسية الحالية بأنها حكومة مؤقتة و أنها سبب المتاعب في العالم العربي باعتبارها مفجرة الثورات في العالم الاسلامي و ان السعودية نفسها لم تسلم من رياح الربيع التونسي و ليست مطمئنة على الأوضاع التي آلت إليها بلدان العالم الاسلامي التي ستفرز و قد أفرزت حقيقة حكومات ذات مرجعية اسلامية مما تحرج المملكة التي تدعي التزامها بالنظام الاسلامي في حين ان كثير من العلماء و الساسة الإسلاميين لهم رؤية تختلف عن رؤية أمراء المملكة في فهم الاسلام و آلية تطبيقه فضلا عن مسألة إيواء المخلوع الذي لم يكن قرارا انفراديا و معزولا عن المنظومة الدولية و خاصة و انه كان يمثل شرطي اسرائيل بالمنطقة و حارس مصالح فرنسا بتونس و مروج الثقافة المعادية للحركات الاسلامية و زيادة على هذا و ذاك للرئيس المخلوع علاقة شخصية وطيدة بأحد ملوك المملكة ثم يقول السعوديون أن الأجير يستأجر على أراضيهم . إذن المهمة صعبة أمام الحكومة التونسية في جلب المخلوع أمام هذه الشبكة من التعقيدات و هي في وضع دولي ضعيف باعتبارها حكومة وليدة و غير مرغوب فيها لدى كثير من الدول الكبرى و بالتالي كلمتها غير مسموعة و قد سبق للسبسي ان طالب بالمخلوع من السعودية و هذه الأخيرة لم ترد سلبا او إيجابا على الطلب. و ليس من مصلحة الحكومة الحالية دخول في مواجهة مع المملكة السعودية و هي ما تزال في طريق نشأتها و ليست في حاجة لصناعة أعداء بقدر ما تحتاج في هذه المرحلة في تشكيل صداقات و توسيع علاقات دبلوماسية عديدة لتقوية عودها . و لكن من جهة أخرى يجب تحقيق العدالة و إنصاف الشهداء و الجرحى و استرجاع الأموال المنهوبة و لذلك مسألة محاكمة بن علي حضوريا تبقى قضية وطنية ملحة و لكن اعتقد أن الحكومة الحالية بوضعها الحالي غير قادرة على إتمام المهمة و ذلك لحداثة عهدها بالسلطة و عدم استقرار الأمور بيدها و هي في طور النشأة و البناء و تشرف على حكومة ترعرعت و نشأت على يدي المخلوع بدءا بالقضاء الذي كانت تأتيه تعليمات من القصر و البوليس الذي يأتمر من المخلوع مباشرة و الاعلام الذي كان يزين له أعماله مقابل رشاوي يعلمها القاصي و الداني و كل هؤلاء السابق ذكرهم مازالوا قابعين في مواقعهم السالفة. و كما أن حكومة السبسي رمت بكرة محاكمة المخلوع للحكومة التي تليها فان حكومة حمادي الجبالي ستسلك نفس طريق السبسي و تحول ملف جلب المخلوع للحكومة التي تأتي من بعدها و هكذا يزداد ألم الجرحى و يحترق كبد أمهات الشهداء مرتين ، مرة بفقدان الشهيد و مرة بعدم محاسبة القاتل . و حكومة الجبالي لها تبريراتها و المخلوع يستفيد من الزمن و يسجل نقاطا في رصيده مرة باستقبال خمسين طردا من أمتعته الشخصية و أشياء أخرى لا نعلمها عبر البريد التونسي و قناة العربية تقدمه كضحية انقلاب مدبر و يجمع امواله عبر بنوك العالم و يعيد ترتيبها بشكل منظم و يكلف محاميه للتحرك لصالحه بإعادة ممتلكاته بتونس و يجري بالنيابة عنه مقابلات صحفية و يتضح في نهاية المطاف أن المخلوع المستفيد الوحيد من الوقت الذي أهدته إياه حكومة السبسي و حكومة الجبالي .