عندما قرأت أنّ مذيعة، بالقناة الوطنيّة "تلقّن درسا في آداب الحوار لشيخ متعجرف"، تملكّني شيء من الاستغراب لما قد يحدث في هذه القناة من تطوّر فكري ومنهجي وأخلاقي على صعيد بناء المعنى وصناعة المضمون، وقلت في نفسي لعلّ الذي أصاب المشرق العربي في القرن التاسع عشر قد أصاب القناة الوطنيّة، وأنّ صحوة بدأت تسري بآلياتها. وقد أكون سُررت لِما قد يكون عليه الحال عند الكثير من مقدّمي البرامج بقنواتنا التلفزيونيّة بالخصوص، فلعلّهم نهلوا من أدبيات كانط، وكارل أوتو أبل، وهابرماس وجاكوبسون، وغيرهم ممّن اجتهدوا في التأسيس لأصول الحوار وآدابه بشكل عام. ولكنني عندما قرأت (أقصد تابعتُ بالمشاهدة)، ما حدث، لم أر شيخا متعجرفا في (البلاتو)، ولم أعثر على درس في آداب الحوار، وكلّ ما في القصّة هوّ أنّ مقدّمة البرنامج تفتقر إلى ما أسميّه بالحضور التلفزيوني الواعي، (انظر الصورة والتلفزين، بناء المعنى وصناعة المضمون)، الذي إذا ما غاب، يضطرب الحوار برمّته ويتحوّل إلى صخب مزعج لا ينشط له الجمهور، فيتدخّل حينئذ مقدّم البرنامج بأسلوب "مروري" لتنظيم حركة مرور (الأفكار بالبلاتوه). وقد سبق أن تحدّثت عن "الصحفي المروري" في غير هذا الموضع. (انظر طبائع العبث والفساد بالمجال العمومي). إنّ ما قامت به مقدّمة برنامج الحال، لا يتعدّى المفهوم المروري المشار إليه، وهو غير مرغوب فيه في البرامج التلفزيونيّة لأسباب يطول شرحها. وأدعوها إلى أن لا تغترّ بالتعليق، وهو في تقديري تعليق ساذج للغاية ومشحون بالمغالطات، بل وبالجهل بأصول مفاهيم آداب الحوار وأركانه الواردة في أدبيات فلسفيّة وميديولوجيّة ولسانيّة. فهذه التعاليق البائسة السّارية في الفضاء السيبرني هيّ التي تسهم في تدنّي الفكر الإعلامي ومردود الإعلاميين ببلادنا، فضلا عن كونها حاملة لخطاب إيديولوجي مدمّر تحاشيت الحديث في شأنه. فأكرّر ملاحظتي لمقدّمة البرنامج : ما قيل في موضوع الدرس بخصوص آداب الحوار كذبة حمقاء، لا تصدقيها واسعي إلى قراءات قيّمة في هذا الباب تفيدك في تخصّصك، أمّا شيخنا فتقديري أنّه أعلم منّي، والله العليم الحكيم. د. عبدالله الزين الحيدري أستاذ علوم الإعلام والاتصال*