بعيدا عن منطق الانفعال و العواطف، أحسب أن إخواننا في أرض الرباط، في غزة هاشم بالتحديد قد امتصوا الصدمة بصبر و ثبات و جلد، و أنهم وفق خططهم يتحركون، و أنهم تمكنوا من تحييد أصول و فروع قوتهم، و أن الرد على صلف يهود و استهتارهم سيكون أشد و أنكى لذلك سأحاول تحليل ما وقع للاستفادة منه في تقدير الموقف العام، و في فهم حجم العدوان و نوع الرد الملائم. ما هو هدف العدو من وراء تنفيذ هذه العملية؟ ماذا أعدت المقاومة لمثل هذا النوع من العدوان؟ هل سيتمكن العدو من تحقيق أهدافه؟ ما هو دور المسلمين و العرب في منع العدو من الوصول إلى مبتغاه؟ 1) أهداف العدو: يسعى العدو من وراء هذه العملية إلى تحقيق هدفين كبيرين الأول سياسي و الثاني عسكري: · الهدف السياسي: لقد عمل العدو الصهيوني منذ الانتخابات الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية على إسقاط حكومة حماس بكل الوسائل الممكنة فحاول عزلها ديبلوماسيا و ضغط من أجل تشريك سلطة عباس في حكومة وحدة وطنية معها حتى يتحكم في قرارها و لما فشلت هذه الطريقة أغرى سفهاء فتح للانقلاب عليها فلما فشلوا في ذلك و صفا الجو في غزة لحماس و فصائل المقاومة استعمل العدو سياسة العصر عن طريق الحصار الشامل للنيل من معنويات المقاومة و لتأليب الرأي العام في غزة ضد المقاومة و لما باءت كل هذه السياسات بالفشل توّج الصهاينة خططهم السابقة الفاشلة لإسقاط حكومة حماس بآخر و أحدث ما يملكون في جعبتهم من قوة عسكرية. فالهدف السياسي من هذا العدوان هو إسقاط حكومة حماس بالقوة و تمهيد الطريق لبسط سلطة عباس على القطاع و تحجيم القدرة الفلسطينية على لي الذراع و الممانعة. * الهدف العسكري: أما في المستوى العسكري فقد أعد العدو العدة منذ مدة إذ من خلال قراءة خارطة استهداف القصف نتبين إحصاء دقيقا لمقرات الشرطة و القيادة و المربعات الأمنية و مخازن السلاح في غزة و هو ما يؤكد نية العدو الصهيوني العسكرية في ضرب البنية التحتية للمقاومة التي تمثل حماس العمود الفقري لها و تحجيم قدرة المقاومة على التصنيع و المناورة ناهيك عن الرد إلى درجة الصفر. و لتنفيذ هذه المهمة درس العدو طيلة الأشهر الماضية خطتين عسكريتين: - الخطة الأولى:اجتياح بري لغزة: بالنسبة للعدو يعتبر اجتياح غزة و تصفية أعشاش المقاومة أفضل سيناريو ممكن لتحقيق الهدف العسكري الأسمى المتمثل في القضاء على البنية التحتية للمقاومة و تحجيم قدرتها الصاروخية إلى حدود الصفر، إلا أن الاجتياح البري مكلف جدا للعدو ، من ناحية أولى سيضطر للدخول في مواجهة شديدة و شرسة مع المقاومة التي تتقن حرب العصابات و حرب الشوارع مما سيفقده خسائر مادية و بشرية هامة كما أن عملية الاجتياح ستخلف دمارا هائلا و قتلى بالآلاف في صفوف المدنيين مما سيتسبب في ضغط دولي و إحراج كبير لقيادة العدو في العالم. و لكن يبقى القيام بتدخل بري جزئي في بعض المناطق في القطاع المحاصر صهيونيا و عربيا احتمالا قائما حسب الاستراتيجيا المعروفة في الحرب الحديثة من استعمال سلاح الجو للقيام بقصف جوي مركز كتمهيد لهجوم بري يقلب المعادلة على الأرض. - الخطة الثانية:القصف المركز: اختار العدو خطة القصف المركز لاستهداف كل مقرات الشرطة و القيادة و المربعات الأمنية و مخازن السلاح مع ما يصاحب هذا القصف من آثار جانبية ( سقوط ضحايا من المدنيين و أضرار مادية في البناءات المحيطة بالأهداف المقصوفة )، و هذه الخطة و إن كانت لا تنجز بالقدر المطلوب هدف القصف إلا أنها تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين من بينهم عناصر الشرطة ( لأن الشرطة في زمن الحرب هم مدنيون ) و جرح المئات الآخرين. و قد اختار العدو هذه الخطة ليتجنب الخسائر البشرية في صفوفه التي تؤثر في حال حدوثها على نتائج الانتخابات في الداخل الصهيوني كما أنه يريد استثمار نتائج هذه العملية العسكرية للسبب نفسه. و من بين المواقع الأخرى التي تم قصفها في غزة من قبل طيران العدو المساجد لما لرمزيتها من تأثير في نفوس المسلمين و كذلك باعتبارها حاضنة للمقاتلين الإسلاميين. 2) ماذا أعدت المقاومة لرد مثل هذا العدوان: لا أريد الحديث عن برنامج المقاومة بالتفصيل فهذا ما لا أملكه و لا أعرفه لكنني أريد فقط التكهن بما يمكن للمقاومة أن تكون قد أعدته لمثل هذه السيناريوات التي تستهدف الأخضر و اليابس في غزة، و من البديهي أن يكون للمقاومة بدائل و خيارات عديدة لإسقاط خطة العدو في الماء، و من بين هذه الخيارات الممكنة لمواجهة القصف المركز من بعيد الذي يستهدف القطاع: أ) شبكة الدفاعات السلبية: * إفراغ الأهداف و إخلاء الجوار: على المقاومة أن تفرغ الأهداف المقصوفة أو التي يمكن أن تتعرض للقصف من محتوياتها البشرية و المادية و إخلاء جوار هذه الأهداف حتى لا يتسبب القصف في سقوط الضحايا المستهدفين أو الجانبيين. * الملاجئ و الأنفاق:يعتبر اتخاذ الملاجئ و الأنفاق من الواجبات الشرعية زمن الحرب و خصوصا عند هذا النوع من القصف المركز ، كما تمثل شبكة الأنفاق ممرات للنقل و التنقل و الإمداد و الانسحاب تتمتع بها وحدات المقاومة أثناء أدائها لمهامها. * توزيع السلاح و الذخيرة و الدواء و الغذاء: على ملاجئ معينة لا يطالها القصف حتى يتمكن عناصر المقاومة من الاستفادة منها دون بذل جهد كبير يكفيهم فقط التنقل مما يسهل لهم الحركة و يكسبهم السرعة المطلوبة في مثل هذه الظروف. * شبكة الاتصالات المحلية: يعتبر صمود شبكة الاتصالات المحلية بين عناصر المقاومة و التنسيق بين مختلف الفصائل (قيادة عمليات موحدة ) من أوكد مهام المقاومة حتى لا تضيع الأوامر من الرأس إلى الأطراف أو تضيع الردود و التقارير فتبقى القيادة في عزلة و كلما كانت المعلومة أسرع كلما كان الأداء جيدا و في وقته. ب) شبكة الدفاعات الإيجابية: * أهل غزة أدرى بشعابها و أعلم منا بمواجهة عدوهم فقد خبروا نقاط ضعفه و نقاط قوته و عليهم أن يتجنبوا ما استطاعوا قوة العدو و أن يفقدوه القدرة على استعمالها كما يجب عليهم العمل و التركيز على نقاط ضعفه و هي كثيرة لمزيد توهينه و تكبيده الخسائر المهينة. 3) دور المسلمين و العرب في منع الصهاينة من تحقيق أهدافهم: يقع على عاتق المسلمين عامة و العرب خاصة دولا و شعوبا الدور الأهم من القتال و هو توفير عوامل النصر للمقاتلين في غزة من خلال دعمهم و إسنادهم و مؤازرتهم و التخفيف عنهم و حماية ظهرهم و رفع رايتهم و الذود عن مصالحهم و التكلم باسمهم، و من بين واجبات العرب و المسلمين الشرعية و التاريخية: -قطع العلاقات السياسية و الاقتصادية مع العدو و حلفاء العدو حتى يعلم العالم أن غزة منّا و نحن منها لا نخذلها و لا نسلمها. -فتح المعابر حتى تتواصل غزة مع محيطها العربي و الإسلامي و يقع إمدادها بكل ما تحتاج إليه من دواء و غذاء و عتاد و عدة. -دعم موقف المجاهدين فيها و اعتبار مصلحة المقاومة مصلحة وطنية و قومية و دينية و أولوية كل عربي مسلم. -فتح باب التطوع للالتحاق بالمقاومة لأن القتال على أعتاب الأقصى شرف لكل مسلم لا يملك أي شخص مهما كانت قيمته منع المسلمين من هذا الشرف. -استهداف مصالح العدو الصهيوني في العالم الإسلامي و حرمانه من الاستفادة منها. فإن فعل العرب و المسلمون ذلك أو بعض ذلك حفظوا بيضتهم و حافظوا على عرضهم و إن فعلوا غير ذلك استبيحت حرماتهم الواحد تلو الآخر و أكلوا كما أكل الثور الأبيض و لات حين مناص.