تشيرنسبة المشاركة المتدنّية في إنتخابات مجالس المحافظات في العراق, رغم عمليات التطبيل والتزمير والدعاية الاعلامية الغيرمسبوقة التي قامت بها أحزاب المنطقة الخضراء في بغداد وما جاورها, الى إنتكاسة اصحاب المشاريع الطائفية والعنصرية التي ساهم الاحتلال الأمريكي في تغذيتها على مدى ستة أعوام. فقد سعى هؤلاء بكل السبل الى تحقيق أحلامهم الشريرة في تحويل العراق الى كانتونات وضيعات ومناطق نفوذ حزبية وعائلية وعشارية تابعة لهم. أرادوا أن يكون المواطن العراقي إبن مدينته أو منطقته أو عشيرته أو طائفته أو حزبه السياسي, لا إبن العراق العظيم كما كان حاله قبل الاحتلال الأمريكي البشع. وفي الوقت الذي عزف فيه نصف المسجلين في اللوائح الانتخابية عن التصويت وضربوا بعرض الحائط كلّ ما تمخّض عن الاحتلال الأمريكي من أحزاب سياسية ومؤسسات ودستورمشؤوم ودولة لا لون ولا طعم لها, تشتّتت وتوزّعت أصوات النصف الآخر, سبعة ملايين ونصف مليون حسب مصادرالمفوضية العليا للانتخابات,, بين مئات القوائم والأحزاب والتيارات.والمستقلّين, والتي إستخدمت جميع الوسائل اللاديمقراطية واللاشرعية واللاأخلاقية في كسب أصوات الناخبين المساكين الذين خضعوا لحملة شرسة دخلت فيها الأموال والهدايا والأطعمة والملابس والأغطية, كوسائل ديمقراطية حديثة, دون نتائج ملومسة طبعا, في عملية الترويج والدعاية للبضاعة الانتخابية الفاسدة لهذه القائمة أو تلك. وباستثناء قائمة العميل نوري المالكي"قائمة إئتلاف دولة القانون" والذي إستغلّ كلّ ما ملكت يداه من سلطات وأموال ووسائل إعلام ودعم أمريكي مباشر لكونه الخيارالوحيد في هذه المرحلة بالنسبة لأمريكا, فان معظم الأحزاب المتبقية لم تحصل الاّ على نسب مئوية بسيطة. وفي كلّ الأحوال لا توجد مؤشرات كبيرة, كما يتصوّر ويروّج البعض, على أن العراق مُقبل على عملية تغييرجذرية في في خارطته السياسية. فكما أسلفنا في مقال سابق فان جوهرالعملية السياسية,التي ولدت لقيطة من رحم زانية إسمها أمريكا, باقٍ لا يتغيّر طالما ما بقيّ على خشبة المسرح نفس الممثلين والمهرجين والكومبارس الذين يؤدون أدوارهم المرسومة لهم سلفا وفق التعليمات الدقيقة والصارمة التي تصدرعن موزّع الأدوار, سفير أمريكا في المنطقة الخضراء. لكن مع ذلك, ينبغي الاشارة الى أن إنتخابات مجالس المحافظات في العراق, رغم فقدان ثقة معظم العراقيين بقيمتها وما يترتّب عليها من نتائج باعتبارها واحدة من ثمارالاحتلال الأمريكي المسمومة, قد وجّهت صفعة من العيارالثقيل لاصحاب المشاريع العنصرية والطائفية, في شمال وجنوب البلاد, والذين حوّلوا الدين الى سلعة للمتاجرة والابتزاز. تلك المشاريع التي كانت وما زالت ترمي الى تفكيك وتقسيم الوطن الواحد, بحجج وشعارات دخيلة وغيرمقنعة, وتمزيق نسيج الشعب العراقي وتفتيت عناصرالأخوة والتلاحم والانسجام التي شكّلت علامة مميّزة له منذ عدة قرون وكانت دائما مصدرقوّته وديمومته ورقيّه وتكالب الأعداءعليه أيضا. لقد جرت هذه الانتخابات, خلافا لما سبقها من"أعراس ديمقراطية" كما يحلو للعميل نوري المالكي وأمثاله تسميتها, في أجو اء هادئة نسبيا وتمّ.التحضيرلها جيدا وإستعدّ الكثيرمن أولئك الذي قاطعوا الانتخابات السابقة, وتحديدا في ما يٍُسمى بالمدن السنّية,الى المشاركة فيها سعيا منهم للحصول على موطيء قدم تحت شمس الاحتلال الغاربة. وإنطلقت أبواق الدعاية والتهريج, ومعظمها صادرة عن الحكومة, معلنة عزم 15 مليون عراقي على التصويت في هذه الانتخابات. ومع ذلك جاءت نسبة المشاركة في جميع المحافظات مخيبة لآمال الجميع, خصوصا بالنسبة للأحزاب ذات الطابع الديني الطائفي المتزمّت, كحزب عبد العزيز اللاحكيم, والتي كانت من أوّل الرابحين من إحتلال وتدمير وخراب العراق وأهله. ولا شك أن الأحزاب ذات التوجّه الطائفي - العنصري كانت تعوّل كثيرا على مشاركة واسعة النطاق من قبل الناخبين ليس فقط لزيادة ومضاعفة مكاسبها التي حصلت عليها بشتى الوسائل والسبل الغير شرعية بل من أجل التوسّع والتمدّدد والسيطرة على المزيد من القرى والبلدات تحت شعارات فضفاضة لم يعد المواطن العراقي, لا في الشمال ولا في الجنوب, يقتنع بها ولا بمن يقف خلفها أبدا. ولم يكن إنحسارنفوذ وتأثيرهذ الأحزاب العنصرية والطائفية, سواء في مدينة الموصل شمالا أو في البصرة جنوبا,الاّ دليلا قاطعاً على الفشل الذريع لأصحاب الخطط والأجندة العدوانية الرامية الى زرع بذورالفرقة والشقاق والخلافات بين أبناء الوطن الواحد. وإذا كان ثمة شيء إيجابي في هذه الانتخابات, من منطلق ربّ ضارّة نافعة, فهو الوقفة المشرفة لأبناء محافظة نينوى الباسلةالذين شدّوا العزم, بعد أن ذاقوا الأمرين بالمعنى الدقيق للعبارة,على إقصاء الحزبين الكرديين العميلين وتحجيم دورهما في مدينة الحدباء التي ظلّت الىالآن عصيّة على المحتلّين وأعوانهم. .وهنا لا يسعنا الاّ أن نسجّل تقديرنا وإعتزازنا الكبيرين لأبناء الموصل الشجعان الذين رفعوا رؤوسنا عاليا في أكثر من مناسبة. فقد سبق لمحافظة نينوى, بالاضافة الى محافظتي صلاح الدين والأنبار, وأن صوّتت في شهرأكتوبر من عام 2005 ضد الدستورالطائفي العنصري وكادت أن تؤدي الى إسقاطه وبطلان مفعوله. لكنّ عصابات البيشمركة التابعة لحزبي مسعود البرزاني وجلال الطلباني قامت بعمليات تزوير واسعة وفاضحة لينتهي الأمر بعدها بان محافظة نينوى صوّتت لصالح الدستور!