عمان :اخطأ رئيس الوزراء الاردني الاسبق والمخضرم عبد الرؤوف الروابدة الاسبوع الماضي مرتين الاولى عندما اثار الضجة بتعليق قاله على مائدة حوار سياسية رفيعة المستوى بحضور الملك عبدلله الثاني متضمنا الاشارة الى ان الوطن البديل قائم اصلا في البلاد منذ عام 1950 وان المطلوب الآن قد يكون النظام البديل تاركا الجميع في حالة غموض لتفسير وقراءة عباراته. وفي الثانية يقدر الملاحظون بأن الروابدة اخطأ عندما حاول اصلاح الخطأ الاول فارتكب الثاني عندما امسك بأحد بيانات اللجنة العليا لمقاومة التطبيع وندد به متهما زميله النائب الشيخ حمزة منصور رئيس هذه اللجنة ثم متسببا بالنتيجة بنقاش وجدل في غير مكانه وزمانه تحت عنوان الاخوان المسلمون واجنداتهم الخارجية المفترضة. ملامح زلة لسان الروابدة الاولى ظهرت مع مشاعر الاستياء التي راجت بعد عبارته حول النظام البديل ورغم ان الرجل اوضح لاحقا بان الصحافة حرفت مضمون عبارته ولم يكن يقصد بها النظام نفسه انما برامج الادارة والحكم، الا ان المتصيدين للزلات والمحتفلين بها خصوصا عندما يكون صاحبها الروابدة كانوا قد سجلوا الاهداف في مرمى واحد من اذكى الشخصيات العامة واكثرها خبرة. والمتخصصون اصلا في اصطياد زلات الروابدة وملاحقته كثر لان الرجل بنقده اللاذع لديه سجل من عشرات الضحايا الذين سبق له ان اصطاد زلاتهم. لذلك جاء الاحتفال بزلة لسان الروابدة الاولى الى حد ما من خصومه قبل ان يتصدى له التيار الاسلامي بقوة اثر تشكيكه بولاءات قياداته واهداف لجان مقاومة التطبيع. ومن سوء حظ الروابدة ان هجوماته المثيرة والتي اعقبتها مشادات ومشكلات لا زالت قائمة في البرلمان طالت واحدة من اكثر الشخصيات اعتدالا وخبرة في جبهة العمل الاسلامي وهو الشيخ حمزة منصور الذي ينظر له داخل وخارج البرلمان بصفته رجل دولة بنكهة اسلامية من الطراز الرفيع. ومن الواضح ان استهداف الروابدة للشيخ منصور يضرب من حيث التوقيت على اعصاب حساسة ليس فقط للاسلاميين انفسهم الذين يتعاملون باحترام كبير مع منصور ويعتبرونه احد ابرز مشايخهم، ولكن لبعض المستويات في عملية صناعة القرار فالشيخ منصور يعتمد عليه من بين اربعة قادة فقط في التيار الاسلامي لادامة واقامة الحوار دائما مع الدولة. والشيخ منصور كان دوما من الشخصيات التي تحظى بالتقدير داخل اجهزة الدولة ويعتقد الآن ان الحاجة له وللمعتدلين في ظل تداعيات ما بعد غزة ملحة اضافة لتميزه بأدب الخطابة ولياقات السياسة وايمانه المعروف بالدولة والنظام وخروجه المطلق من اي معادلة انقسامية او تصنيفية داخل المجتمع. ومن هنا يعتقد حتى بعض انصار الروابدة والمقربين جدا منه بأنه اخطأ في اختيار الهدف وفي توقيت الهجوم لكن مستقلين داخل البرلمان عبروا عن قناعتهم بأن الروابدة يقرع الاجراس ويثير الضجة احيانا في محاولة للاحتفاظ بمساحة تأثير في الخارطة السياسية للحرس القديم الذي يمثله، والبعض يعتقد ان الهدف التكتيكي للروابدة كان التأثير في مجريات الصدارة داخل هيئات البرلمان والبقاء في موقع النفوذ ومخاطبة بعض المساحات المتشددة ضد الاسلاميين وداخل اروقة الدولة. وعليه بدا هجومه على الاسلاميين وبياناتهم مثيرا لبعض القلق في البنية الاجتماعية وفي توقيت سيىء للغاية رغم انه من ابعد السياسيين عن اي محاولات لإثارة الانقسام في جدارالوحدة الوطنية من الناحية العملية. ومن الواضح ايضا ان الروابدة لا يتمسك برأيه تماما ويعترف بحصول خلل في الحساب والتقدير، الامر الذي يبرر لاحقا توضيحاته وشروحاته حول مقاصده من مقولة النظام البديل وحول عزل نفسه عن التجاذبات والمشادات التي شهدها مجلس النواب، وحول تعبيره عن التقدير لزميله منصور حيث اجتهد الروابدة لكي يبلغ الجميع وفي اكثر من مناسبة بانه لم يقصد بكل تاكيد ما حصل. لكن الاسلاميين بالمقابل وبعد ان هاجمهم الروابدة وأصدر ضدهم بيانات تحريضية باسم كتل برلمانية كبيرة اظهروا صلابة وتوحدا في الموقف، فرموز التيار الاسلامي من غير المتحمسين لحركة حماس ومن الداعين لأردنة المسلمين تاريخيا تصدروا للواجهة في الدفاع عن الشيخ منصور وفي تبني خطاب لجان مقاومة التطبيع، علما بان الروابدة استند في هجومه اصلا على نسخة مكررة من بيان صدر عشرات المرات وحمل تماما نفس المضامين. اغلب التقديرات تقول الآن بأن ما فعله الروابدة وآخرون تحريضا على التيار الاسلامي لا يحظى بالقبول لا عند الحكومة ولا عند بقية مستويات القرار في الدولة، وهي مسألة قابلة للاستدراك ما دامت السياسة المتبعة حتى الآن في عمان هي تسكين كل شيء والانتظار والترقب وعدم اتخاذ موقف محدد من اي قضية مهمة الى ان ينجلي غبار الصراع الابعد في المنطقة، والى ان تتضح الاجندة الغامضة التي يحملها الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما. 'القدس العربي'من بسام البدارين