قد لا يتفق البعض معي في هذا الأمر. ولكني على قناعة كبيرة بأن الأجواء التي تشهدها العلاقات الرسمية العربية شبيهة بالأجواء التي تكون عليها مدرسة ابتدائية، ولا أريد أن أبالغ بمستويات أقل من ذلك بكثير. فالطريقة التي تدار بها العلاقات بين الأنظمة الرسمية تنطوي على درجة عالية من الانفعال والتسرع والغضب، مماثلة للحالة التي يكون عليها أطفال تلك المدارس إلى حد كبير. وهذا ليس تجنيا على أحد؛ لأن مراجعة سريعة لأبرز المواقف العربية ولأكبر الدول وفي أكبر القضايا وأكثرها حساسية تعطيك حجة كافية على ضآلة الفهم والنضج السياسي العربي الرائج هذه الأيام. فمشاكلنا الرئيسة في الاجتماعات والقمم العربية الكبرى باتت تتلخص في الإعداد لقائمة الحضور (هي قمة سياسية وليست حفلة عرس أو دعوة عشاء) لمعرفة حجم وقائمة الطعام اللازمة. وليس مهما ما نجتمع من أجله ولا كيف نتعاطى معه. المهم هو أن نحضر هذه الوليمة أو أن نقرر عدم الحضور. تنحصر همومنا في الحضور من عدمه، والشكل والتفاصيل المرتبطة بهذا الحضور! إدارة العلاقات بين الدول مسألة في غاية الأهمية، وهي عمل في صميم المسؤوليات الملقاة على عاتق الأنظمة والحكومات. وعلاقات الدول لا تكون قصرا على من تحب وتتفق وتتحالف معها. بل تشمل تلك التي تختلف معها في الرؤية والأهداف والمصالح. وتصل أيضا للدول التي تكن لها العداء الكامل، وربما تخوض معها المعارك والحروب. فالولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، لم تنقطع العلاقات وأشكال اللقاء والحوار بينها وبين عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي طوال عقود، لطالما كان هنالك ما يتوجب الحوار والتنسيق والتفاهم. الإيلام والضربات الموجعة وتحقيق المكاسب يأتي بالفعل وليس بالمقاطعة وتدني مستوى التمثيل! انظر إلى عناوين الصحافة العربية هذه الأيام. الكل يبحث في من سيحضر قمة الدوحة ومن لا يفعل. وبما أن القمة في قطر فإن من تجمعه علاقات جيدة بقطر سيحضر هذه القمة والعكس صحيح. وننسى جميعا أن القمة ليست مناسبة أو فعالية تنظمها قطر حتى يربط الحضور بالعلاقة معها. هي قمة عربية تناقش قضايا عربية تأخذ قطر دورها الزمني في تنظيمها ليس إلا. وحضور القمة ليس مكافأة تقدمها الدول المشاركة لقطر! كما أن غيابها أو تدني تمثيلها ليس عقابا. من يغيب ومن يحضر يكافئ ويعاقب نفسه بمنحها ما يليق بها. تنحصر المشكلة الرئيسة اليوم بين فريقين عربيين لهما رؤية مختلفة تجاه إيران. السعودية ومصر من جهة وسوريا وقطر من جهة أخرى. الكل باستثناء مصر حسموا مشكلة تنظيم الخلاف وضرورة الحوار والتنسيق على حل القضايا المختلف عليها أو بقائها كحد أدنى قيد البحث والنقاش، وأن لا تكون سببا في القطيعة أو التصعيد المتبادل. مصر لم تفعل ذلك وتطرفت في موقفها من الآخرين. وها هي تقاطع القمة العربية عبر تمثيل متدن لا يليق بحجمها وقيمتها ودورها العربي المفترض. فهي تريد من سوريا أن تضغط على الفصائل الفلسطينية في دمشق للتوقيع على الاتفاق الجاري بحثه في القاهرة. أيا كان مضمون هذا الاتفاق! وتريد من قطر أن تساعد في ذلك بأن يتجاوز الإعلام المحسوب عليها كشف ما يجري هناك. سوريا لها مصالحها وتدير لعبتها الخاصة كيفما ترى هي. وطالما لا أحد يقدم للفصائل ما تقدمه سوريا حتى الآن، فهي وحدها من يحدد ما يجب عليها أن تفعل وكيف ومتى. أما الإعلام الذي تتهمه القاهرة بشن حملات عليها، فالمشكلة ليست نابعة منه، بل تكمن في الفعل السياسي الذي يتعرى ويبدو سيئا ومتآمرا وهزيلا بمجرد «نقله» و «كشفه» للرأي العام! هل مصر على خطأ وقطر وسوريا على صواب؟! هذا نقاش يطول وجدل لا ينتهي. وأمام كل وجهة نظر تقول بصحة الموقف الأول، هناك ألف وجهة نظر أخرى تدعم الموقف المصري وتسانده. فلماذا لا يحضر الرئيس المصري ويتحدث بارتياح وثقة تلائم حجم مصر ودورها؟ لماذا يغيب ويغيب معه صوت مصر التي يتطلع العرب إليها؟ هل ثمة مكاسب يحققها من هذا الغياب؟! العرب القطرية 2009-03-29