محمد الهادي التواتي الفجرنيوز أمين عام مساعد للإتّحاد سابقا تستقبل الشّغيلة التّونسيّة هذه السّنة عيد الشّغل العالمي والمنظّمة العمّاليّة تعاني من سلبيّات العولمة و ما تزال ترزح تحت وطأة تأثيرات الأزمات الّتي استهدفتها وخاصّة آخرها -أزمة سنة 2000-. فقد هزّت هذه الأزمة كيانها وضربت مصداقياتها في الدّاخل والخارج نظرا لفجئيّة اندلاعها وارتباطها ظاهريّا بانعدام الممارسة الدّيمقراطيّة والفساد المالي وسوء التصرّف المتفشّي في صفوف القيادات وبصراع داخلي بين أعضاء المكتب التّنفيذي وشريكهم الأمين العام السّابق الذي أصبح القربان المطلوب لدرء غضب الآلهة وأوليائهم الصّالحين. إنّ كلّ من يعرف تاريخ الحركة النّقابيّة أو عايش حقبة من حقبات مسيرتها أو ساهم في النّشاط النّقابي يمكنه الوقوف دون عناء على أوجه التشابه بين أسباب اندلاع الأزمات الّتي تعرّضت لها وعلى المضار الّتي لحقتها جراء الحلول التّرقيعيّة الّتي استعملت لتجاوزها. وبإيجاز يمكننا حصر أسباب اندلاع كلّ الأزمات الّتي استهدفت الحركة النّقابيّة والمنظّمات الّتي مثّلتها في: 1/ تناسي قيادتها الارتباط الضّمني والتّاريخي بالحزب الحاكم والسّلطة الّتي تمثّله ومحاولة البعض من هذه القيادات ولأسباب مختلفة معارضة البرامج الّتي يراد تطبيقها (أزمة 1956 ومحاولة تمرير البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للإتّحاد – أزمة 1963 وقضيّة الاستقلالية والدّيمقراطيّة – أزمة 1965 ورفض تمرير خفض قيمة الدّينار دون التّعويض للشغّالين.) 2/ دخول القيادة المركزيّة في تحالف مع جناح من الأجنحة المتصارعة على السّلطة (أزمة جانفي 1978). 3/ تجاوز القيادات لدورها النّقابي بأخذ مواقف سياسيّة مثل التّعبير على الرّغبة في بعث حزب للعمّال أو الإشارة إلى الترشّح لمناصب عليا في السّلطة أو محاولة الاصطفاف مع المعارضة وتبني شعاراتها وبرامجها (أزمة 1978 وأزمة 1985 وأزمة 2000). كلّ ما سبق ذكره عن أسباب اندلاع الأزمات يعدّ بالنّسبة للسّلطة الحاكمة وحزبها خروجا عن بيت الطّاعة وتنكّرا لما جاء في العقد الاجتماعي وجب تأديب مقترفيه لإرجاع الأمور إلى نصابها. وهنا وجب تذكير من لا يزال من النّقابيين يدافع عن الاستقلاليّة في المطلق أو النّقابيّين المقتنعين بالاستقلالية الوهميّة الّتي يسوّقها الأمين العام الحالي أنّ منظّمة نقابيّة بدون سند سياسي هي عبارة عن جسد بدون روح كما أنّ حزبا سياسيا بدون قاعدة اجتماعيّة هو روح بدون جسد. والأمثلة الدّاعمة لما نقول كثيرة ومعبّرة منها: 1/ ما جاء أخيرا على لسان الأمين العامّ:" إنّ الّذي يدخل الإتّحاد بهدف العمل السّياسي عليه أن يمضمض ."(انظر جريدة الشّروق ليوم 19-4-2009، أسرار بطحاء محمّد علي). ومعنى ذلك حسب فهمنا أنّ على المعارضين المندسّين أن يمضمضوا. وهي رسالة مضمونة الوصول لكلّ أحزاب المعارضة. 2/ إرجاع قيادات الإتّحاد إلى بيت الطّاعة كلّما تنطعوا وحاولوا الخروج عن الخطوط الحمرالمتّفق عليها مع الأمين العام المرتقب قبل تنصيبه. 3/ إنّ فشل تجربتي محمّد علي الحامي وبلقاسم القناوي راجع، في نظرنا، إلى غياب السّند السّياسي ونجاح تجربة حشاد مرتبط بدعم حزب الدّستور الجديد. 4/ إنّ انحسار إشعاع وتمثيليّة أحزاب المعارضة في بلادنا راجع، حسب اعتقادنا، إلى غياب السّند الاجتماعي الخاص بها واعتبار كلّ واحد منها المنظّمة الشّغيلة قاعدته الجماهيرية. 5/ إنّ إدماج كلمة العمل أو كلمة العمّال في تسمية بعض الأحزاب لهو دليل على وعي قيادات هذه الأحزاب بأهمية السّند الاجتماعي لكلّ ماهو سياسي. إنّ مختلف الأزمات الّتي استهدفت المنظّمة الشّغيلة وقيادتها والحلول الّتي اعتمدت لتجاوز مخلّفاتها جعلت المنظّمة هيكلا خاويا تسيطر عليه بيروقراطية عشائريّة أعضاؤها شيوخ عاشوريو التّكوين لاهم لهم إلاّ خدمة مصلحتهم ومصلحة ذويهم وأذنابهم وزبانيتهم المنتمين لمختلف الحساسيّات السّياسيّة المخدوعة بشعار الاستقلالية. وهو ما وفر للعشيرة الدّوام باعتماد الشّعارات الفضفاضة والخطاب المزدوج وطرق التّسيير اللاّديقراطي الّتي أرساها شيخ العشيرة وأدّت إلى كارثة جانفي 1978،جانفي الأسود. اليوم ونحن على مشارف السّنة التّاسعة من القرن الجديد وحالة المنظّمة على ماهي عليه من ترهل وتدهور يعلمها القاصي والدّاني بماذا ستتحفنا، يا ترى، القيادة الزمنيّة وعلى ماذا ستتحدّث في الاجتماع المغلق الّذي ستنظّمه في هذا اليوم الخالد هذا اليوم الّذي كنّا نحتفل فيه بالإنجازات، إنجازات الطّبقة الشّغيلة المناضلة في سبيل تحرير البلاد وإرساء دولة القانون، ستحدّثنا ربّما عن: - التّسيير الفوضوي الّذي طغى على دواليب المنظّمة. - التّفريط في كلّ ممتلكات المنظّمة. - المشاكل الّتي تنخر الاتحادات المحليّة والجهويّة والجامعات والنّقابات. - القضايا المرفوعة ضدّ المركزيّة. - الإنسلاخات في العديد من القطاعات وآخرها قطاع التّعليم العالي. - الإمضاء على الاتفاقيات الهزيلة رغم رفض القطاعات المعنيّة. - تزييف المؤتمرات وتأبيد تواجد العناصر الموالية والمتواطئة. - تجميد وتجريد وطرد كلّ من لايمتثل لأوامر أصحاب النّفوذ. - التعدّديّة الّتي أصبحت الحلّ السّحري لتجاوز الطّوق المضروب على النّقابيين بعد أن كانت من المحرّمات. - الزّيادات العامّة الدّوريّة الّتي أصبحت من تحصيل الحاصل. - الصّراعات الهامشيّة الّتي تشقّ المكتب التّنفيذي. - بناء دار الإتّحاد ب15 مليار على جثّة ممتلكات المنظّمة الّتي وقع التّفريط فيها بأبخس الأثمان دون استشارة المعنيّين. - تصفية الحسابات مع خصوم اليوم أصدقاء الأمس. - تضاؤل عدد المنخرطين وانحسار التّمثيل النّقابي في بعض أسلاك الوظيفة العموميّة. - أبناء الحوض المنجمي المسجونين نتيجة أخطاء القيادة وخطابها المزدوج وعدم تحمّل مسؤوليتها في الوقت المناسب. - حرمان الشّغالين من التّمثيل في مجلس المستشارين بتعلة الاستقلاليّة الوهميّة واعتماد الدّيمقراطيّة الصوريّة لإعطاء الشرعيّة لموقف التّراجع والتنصّل من تابعاته. - الاختيارات الاقتصاديّة والسّياسيّة وتوجّهات المنظّمة الّتي لا يعلمها إلاّ الأمين العامّ. - الأسباب الدّفينة الّتي تجبر الأمين العامّ على تهديد كلّ من يتّخذ مواقف سياسيّة داخل المنظّمة. (أنظر جريدة الشّروق ليوم 26/4/2009. أسرار بطحاء محمّد علي). - المناولة،التّأمين على المرض، المناصب الّتي يتمتّع بها أعضاؤها دون سند معرفي، السّفارات السّياحيّة، النّدوات الّتي يتمعّش منها المقرّبون،...كلام...كلام والفعل يجيب ربّي. لهذه القيادة الزّمنيّة، قيادة الخطاب المزدوج، قيادة الاستقلاليّة الوهميّة والدّيمقراطيّة الّتي تؤبّد القديم البالي نقول إنّ التصحيح الحقيقي والمنشود لا يمكن أن يتحقّق بمن ساهموا في اندلاع الأزمات. وهو في نظرنا مستحيل ما دامت الماكينة في أيدي من ساهموا في وضع الحلول المغلوطة لتجاوز هذه الأزمات. إنّ تشبّث المناضلين النّقابيّين بمنظّمة واحدة موحّدة تدافع عن مصالح الشغّالين كلّ الشغّالين قد أصبح مضيعة للوقت والجهد لأنّ كلّ التّجارب الّتي قام بها المناضلون للتّغيير من الدّاخل لم تأت بجديد يذكر غير الأزمات العشريّة الدّوريّة وضياع مصالح العمّال. إنّ الحلّ المتبقّي رغم المصاعب والعوائق- مع استعدادنا إلى تبني أي حل جدّي يمكّن من انقاذ المنظّمة الشغيلة من داء الشيخوخة القاتل و ممّا تردّت فيه-هو الإقدام على تكوين نقابات مستقلّة في مختلف القطاعات و المؤسّسات، نقابات تمكّن العمّال و الموظفين من الدفاع عن مصالحهم بكل جرأة و حرّية بعيدا عن استغلال البيروقراطية المتمعشة و في إطارما يسمح به قانون البلاد. وإذ نحتفل بعيد الشغل العالمي فانّنا نحمّل قيادة التصحيح الخدعة المسؤوليّة التاريخية عن كل ما لحق و سيلحق بالوطن و المنظمة و الشغالين نتيجة الممارسات المذكورة سالفا و إن دفع الشغالين إلى اليأس و اعتناق الحلول المتطرّفة جريمة لن يغفرها لهم النقابيون و التاريخ.
معا من أجل حركة نقابية تونسيّة حرة مناضلة تدافع عن العدالة الاجتماعيّة و السياسيّة ورفاهة البلاد و العباد محمد الهادي التواتي أمين عام مساعد للإتّحاد سابقا