تماماً كما يحدث مع المشبوهين بشتى أنواعهم، قامت سلطات الأمن في مطار دبي بإعادة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي إلى الدوحة من حيث جاء، الأمر الذي لم يأتِ إلا لأن اسمه مدرج على قائمة الممنوعين. وكان الشيخ بصدد المشاركة في الدورة 19 لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي استضافته وزارة الأوقاف بإمارة الشارقة نهاية الشهر الماضي، مع العلم أنه سبق أن منع من المشاركة في دورة العام 2006، ولو لم توجّه إليه دعوة للحضور لما جشّم نفسه عناء السفر، هو الذي جاوز الثمانين يحفظه الله. اللافت للانتباه كما ذهب الصديق عبدالباري عطوان هو عدم امتناع أي من المشاركين في المؤتمر وعددهم يناهز ال 200 عالم عن المشاركة احتجاجا على ما جرى للشيخ، وكان الأولى أن يحدث ذلك، أقله من قبل ثلة من الحاضرين، لا سيما أعضاء الاتحاد الذي يرأسه. في المرة السابقة جرى الحديث عن خطأ تسبب في منع الشيخ من الدخول، لكن الموقف بدا مختلفا هذه المرة، إذ تأكد أننا إزاء موقف سياسي لم يأت اعتباطا، بل جاء ردا على مواقف الرجل المعروفة من قضايا الأمة، وربما انسجاما مع الموقف الأميركي منه. ونعلم أن دبي على وجه التحديد هي الأكثر مجاملة لمواقف واشنطن على مختلف الأصعدة. أمثال الشيخ القرضاوي لا يمنعون من دخول الدول، فضلا عن أن يعادوا من المطار بطريقة مهينة كما وقع له في مطار دبي، لكن الزمن العربي البائس، ومن أهم عناوينه موقف الدولة التي ينتسب إليها الشيخ، هو الذي شجع على ذلك، مع العلم أن دخوله الإمارات قد تم بجواز سفره القطري وليس المصري. ما جرى معيب بكل المقاييس، وهو إهانة للعلم والعلماء من جهة، لكنه تعبير عن خضوع للإملاءات الأميركية من جهة أخرى، إن لم نقل إن الموقف يبدو أبعد من ذلك كما أشرنا من قبل، أعني كونه مبالغة في المجاملة، حيث يعلم الجميع أن واشنطن لم تكن لتحتج على دخول الشيخ، بدليل أن دولا كثيرة تنسجم مع السياسات الأميركية ما لبثت تحترمه وتقدر موقعه ودوره. هي إذن جرأة غير مسبوقة في تحدي مشاعر الشارع العربي بدأت تتصاعد بين الأنظمة منذ ملامح احتلال العراق وصولا إلى حرب لبنان ثم الحرب على غزة، حيث وجدنا من بينها، أعني الأنظمة، من لم يعد معنيا بالضمير الجمعي للأمة، لا سيما أنه يجد من بين المحسوبين على الدين والعلم من يقول له إنه ولي الأمر الذي لا يجوز انتقاده في العلن، بل لا تكتمل خطبة ولا محاضرة من دون الدعاء له بطول العمر والتوفيق ما دام يأذن للناس بالصلاة، مجرد الإذن كما تذهب عقول كليلة تدعي احتكار مفاتيح الحقيقة والتحدث باسم النبي عليه الصلاة والسلام بدعوى التزامها بكتاب الله وسنة رسوله، لكأن الأئمة طوال التاريخ لم يكونوا يلتزمون بكتاب الله وسنة رسوله يوم كانوا يواجهون الظلم وينتقدون من هم أفضل بكثير من حكام اليوم، أقله باعترافهم بالمرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع، إن لم يكن بعناصر التقييم الأخرى. ما جرى للشيخ كان مثيرا، لكن سكوت العلماء عليه يبدو أسوأ بكثير، وهو يشير بدوره إلى ظاهرة بالغة السوء تتعلق بسطوة المال في حياة العلماء بعد سطوة السياسة، الأمر الذي يؤكد حاجة الأمة إلى علماء ربانيين لا يخافون في الله لومة لائم ولا يأخذون عطاءً من أحد، فضلاً عن يخافون من توقف ما يأخذونه من ذلك العطاء. لقد أرخص بعض العلماء أنفسهم وأساءوا إلى الدين يوم أن كفوا عن أن يكونوا صوت الأمة، وضميرها الحقيقي، وبالطبع بعد أن تحوّل كثير منهم إلى موظفين ينتظرون الرواتب، بل ينتظرون العطايا في بعض الأحيان. لا نعدم بالطبع نماذج رائعة هنا وهناك رفضت الركون لهذه المعادلة البائسة وحافظت على استقلالها، لكن النموذج الآخر يبدو أكثر شيوعاً مع الأسف الشديد. العرب 2009-05-06