وزيرة الإقتصاد تشرف على العملية الإحصائية الأولى للتعداد العام للسكان والسكنى 2024    ب30 ميدالية: زيت الزيتون التونسي يحتل المركز الاول في المسابقة الاسكندنافية الدولية    الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    رفض الافراج عن سنية الدهماني    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    تونس: عقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا لكل من يعتدي على أملاك الدولة    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    الرابطة الأولى: تغيير منتظر لمواجهة النادي الإفريقي والترجي الرياضي    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس اليوم الجهوي للحجيج    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    مختص في الموارد المائية : تحلية مياه البحر هو خيار ضروري    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    البرلمان يعقد جلسات عامة للنظر في عدد من مشاريع القوانين    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24.5 بالمائة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرث فلسطيني في الماء الأميركي : نقولا ناصر
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 05 - 2009

لا يمكن بأي تحليل إخراج تأليف حكومة د. سلام فياض الجديدة في رام الله من السياق العام للحراك الدبلوماس والسياسي العربي والدولي نحو إقناع إدارة باراك أوباما الأميركية الجديدة بتبني خطة سلام أميركية جديدة تبني على المرجعيات نفسها التي أوصلت خطط السلام الأميركية السابقة إلى الطريق المسدود الذي بدوره أوصل المنطقة الى الوضع المتفجر الذي تعيشه اليوم ، والقضية الفلسطينية إلى المفصل التاريخي الحاسم الذي تواجهه الآن ، والوضع الفلسطيني إلى حالته المتردية الراهنة ، في إصرار من المفاوض الفلسطيني والعربي على أن يلدغ من الجحر الأميركي مرات وليس مرتين ، إصرار لا يمكن وصفه إلا بالمكابرة في تكرار تجربة المجرب لمواصلة الحرث الفلسطيني في مياه أميركية لا تقبل السباحة فيها إلا للكائنات التي تعيش بأوكسجين إسرائيلي فقط .
فكل المؤشرات التي تؤكدها التصريحات الرسمية ، أو في الأقل لا تنفيها ، تتحرك باتجاه بلورة "عملية سلام" أميركية جديدة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه عشرون سنة من المفاوضات الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ، عن طريق تعويم الحل الثنائي للصراع بتعريبه وأسلمته ، في سياق استراتيجية إقليمية أميركية – إسرائيلية توظف الحل المنشود في عملية جديدة عمادها دمج دولة الاحتلال كحجر زاوية في منظومة إقليمية تعيد رسم خريطة الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وهذا هو نفسه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي أعلنته إدارة المحافظين الجدد الجمهورية السايقة وفشلت في إخراجه إلى حيز الوجود قبل أن تلتقط إدارة أوباما الديموقراطية الجديدة المشروع الآن علها تنجح في ما فشلت فيه إدارة جورج بوش الإبن السابقة .
وإذا كان هناك من لا يزال يشك في هذا الإطار الإستراتيجي ل"حل الدولتين" ، أو يشك في الدور الوظيفي للدولة الفلسطينية المنشوده في خدمته ، فإن عليه مراجعة ترتيب أولويات باراك أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع رئيس دولة الاحتلال الزائر ، بنيامين نتنياهو ، في الثامن عشر من الشهر الجاري ، وفي رؤيته لموقع دولة الاحتلال في هذا المشروع .
فقد تحدث أوباما أولا عن العلاقات الثنائية ، فإيران ، ثم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، ليصف محادثات الرجلين بأنها كانت "سلسلة مثمرة بصورة استثنائية من المحادثات" ، التي استغرقت أربع ساعات منها ساعتان على إنفراد ، ويصف العلاقات الثنائية ب"الاستثنائية" و "الخاصة" و "التاريخية" و "العاطفية" أيضا ، ويشيد بدولة الاحتلال ك "حليف راسخ" يمثل "الديموقراطية الحقة الوحيدة" في الشرق الوسط ومصدرا "لإعجاب وإلهام" الشعب الأميركي ، ويتعهد بضمان أمنها ك"دولة يهودية مستقلة"ويؤكد بأن أمنها يحتل المرتبة الأولى "في سياساتي" باعتباره جزءا من الأمن القومي الأميركي ، قبل أن يمتدح "المهارات السياسية" لنتنياهو و"رؤيته التاريخية" ، ويعد بانه سوف يكون أهلا للعمل من أجل "الهدف طويل الأمد ... ليس (من أجل) سلام على مضض ، وليس من أجل سلام مؤقت ، بل سلام إقليمي واسع النطاق" ، ولم يبق إلا أن يصفه -- كما وصف سلفه بوش رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون -- بأنه "رجل السلام" في المنطقة !
غير أن هذه الرسالة الأميركية الواضحة قد غيبها المفاوض العربي والفلسطيني بالتركيز على تكرار أوباما الممجوج لالتزام سلفيه ب"حل الدولتين" وتكراره لأسطوانة أسلافه المشروخة بالدعوة منذ عام 1967 إلى وقف الاستيطان ، ليشغل تركيزه هذا عناوين الأخبار في كل وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية في انتقائية ساذجة حولتها عمليا إلى وسائل إعلام تنقل بصورة انتقائية أيضا رسالة أميركية مجتزأة تسعى إدارة أوباما والمراهنون العرب والفلسطينيون عليها إلى نقلها ، باللغة العربية ، وبطريقة تعتم على المضمون الحقيقي للخطة الأميركية .
إن الخطوط العامة لخطة أوباما الفلسطينية يجري تسريبها على جرعات تمهيدا لإعلانها في خطابه الموعود منذ فوزه بالرئاسة إلى العالم الإسلامي من القاهرة في الرابع من حزيران/يونيو المقبل ، وهي تتلخص -- حسب ما نشرته عنها القدس العربي اللندنية ويديعوت أحرونوت العبرية وغيرهما خلال الأسبوع الماضي – بإعلان دولة فلسطينية خلال أربع سنوات ، عاصمتها في شرق القدس ، تكون مجردة من السلاح ، وتدويل البلدة القديمة في القدس ، وإسقاط حق اللاجئين في العودة إلا لهذه الدولة ، ومكافأة من لا يريد هكذا عودة بالتجنيس حيث هم ، وإعطاء السيادة على الحرم القدسي الشريف لمنظمة المؤتمر الإسلامي مقابل اعترافها بدولة الاحتلال والتطبيع معها ، وإجراء مبادلات واسعة في الأراضي لضم المستعمرات الاستيطانية الكبرى ، وبخاصة في القدس ومحيطها إلى دولة الاحتلال ، ويلفت النظر هنا عدم الإشارة إلى تفكيك هذه المستعمرات والإشارة فقط إلى تفكيك البؤر الاستيطانية التي تزعم حكومات الاحتلال المتعاقبة أنها بنيت دون ترخيص منها بالرغم من بنائها بحماية قوات الاحتلال .
لقد تبنى ثلاث رؤساء أميركيون وثلاث رؤساء وزراء إسرائيليون "حل الدولتين" للصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال باعتباره المدخل الفلسطيني الذي لا مهرب منه لمشروعهم الشرق أوسطي ، لكن هذا الصراع ما زال يتفاقم والحل الذي ارتأوه له يبدو اليوم أبعد منالا من أي وقت مضى ،لكن الرئاسة الفلسطينية تبدو مصممة على اللهاث وراء حل الدولتين إلى ما لا نهاية ، بمنطق أن أفضل طريقة لتلافي الدهس بالقطار الأميركي هي ركوبه .
ومن الواضح أن استمرار الانقسام الفلسطيني هو شرط موضوعي مسبق لتمرير هذه الخطة فلسطينيا ، لأن الوحدة الوطنية ستقود إلى شبه إجماع على رفض هذه الخطة ، وليس فقط إلى طلب "توضيحات" لها كما قال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن الرئيس محمود عباس سيفعل عندما يستقبله أوباما في البيت الأبيض في الثامن والعشرين من أيار/مايو الجاري .
فتأليف حكومة فياض الجديدة في رام الله لم يعمق فقط الانقسام مع حماس بل إنه هدد أيضا جولات الحوار الوطني معها في القاهرة ، وخلق انقساما جديدا في حركة فتح بين المعارضين لها وبين المشاركين فيها من أعضاء الحركة ، ناهيك عن الانقسام بين الفصائل المؤتلفة في إطار منظمة التحرير بين معارض وبين مؤيد لتأليفها . وإذا أضفنا إلى ذلك مؤشرات كعودة الرئاسة إلى اللغة التي تكرس الانقسام ، مثل حديث عباس أمام المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يوم الخميس الماضي عن "إنهاء الانقلاب" ، فإن الرئاسة الفلسطينية تبدو مصممة على الاستمرار في الحرث منفردة في المياه الأميركية الآسنة والوضع الفلسطيني في أضعف حالاته .
وتبدو هذه الرئاسة لا مبالية بحقيقة أن التشرذم الفلسطيني الراهن إنما يشجع حكومة الاحتلال وحليفها الجديد في الأبيض على إجراء ما يصفونه ب"تحسينات" على مبادرة السلام العربية لتكييفها بحيث تتلائم مع خطة أوباما الجديدة لإطلاق مبادرة أميركية جديدة لا جديد فيها غير مواصلة النهج الأميركي المعروف في حلة جديدة ، تمهيدا لأربع سنوات جديدة من العبث التفاوضي ، قبل أن "يطوي النسيان" مبادرة أوباما الجديدة لتنضم إلى سابقاتها ، كما كتب المعلق الإسرائيلي عكيفا إلدار مؤخرا !
*كاتب عربي من فلسطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.