لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطارحة في فن المصالحة : فريد خدومة


HTML clipboard
المطارحة في فن المصالحة
تأليف
صاحب الحمار
الموسوم لدى الدوائر الأمنية
فريد خدومة
بسم الله الرحمان الرحيم
انتدبت نفسي المعذبة لما أعيتني الحيل و ضاقت بي السبل كي تحمل ما تشتت من آمالها و ما اختلط من آلامها و تهاجر إلى الحاضرة تونس علها تجد في اتساعها و صخب الحياة ملجأ و موئلا و لكن خاب الرجاء فقد كان من أحسبهم رفقة الألم في انشغال عظيم بأمر عظيم يسمونه المصالحة فحاولت أن أصم أذن الطين و أخرى العجين كي لا أغرق في سرهم و نجواهم فوجدتني مدفوعا إلى التعبير و القول و البيان و الإيضاح و الإفصاح فمن لا يدلي بدلوه في مهمات الأمور يتهم بالعجز و التقصير و مثلي عافاه ربه من شر هذه البلايا.
و قبل أن أخوض فيما خاضوا و أعلن التشهير أو أحاول التماس العذر للمقصر و الثناء على الذي أجاد أو قارب الصواب أرشدني صاحبي و ابن بلدتي صاحب القولة المأثورة:
و أبي كان بحارا لم يعتل يوما ظهر سفينة
ألمعت إلى أنه أرشدني إلى رسم درس و قال إنه لمن أدب الضيافة أن تقف عليه قبل انتهاك ستر الحاضرة فقلت في نفسي أهو نصب المحرقة و هي الخضراء أم تل الربيع ؟
لما وقف وقفتُ و وقف ابن الأتان الأغر و قدم لي مضيفي المكان لم أتمالك نفسي فصرخت و بكيت و ولولت مثلما تولول الأيامى و توعدت بالثبور و الويل للذي سولت له نفسه الآثمة أن يزيل رباط القلعة المقدسة فارتجلت من وحي الخطب خطبة عصماء لم يرتجلها قبلي و لو قسا بن ساعدة الأيادي :
أهذا سجن القلعة (1) يا ابن الأتان ، أهذا المجد التالد و العز الخالد و الكرامة و الأنفة و الإباء....؟
أمن هنا تبدأ المصالحة و المصارحة و المنازلة و المطارحة ؟ كيف نسي القوم أو تناسوا أن لي في كل ركن من أركانه ذكرى و أن لي بكل حجارة دمعة و أن صوتي المبحوح قد اختنق بدخان نزلائه ، هنا نعم هنا ألا ترى أيها الحمار ، هنا علقت حد الانهيار لأنني طالبت بقرص يسكن أوجاع الضرس
و هنا كتبت غزليتي الأولى في الخبز ، و هنا نعم هنا قتلت القملة الأولى ، و هناك عند أثر الزنزانة الرابعة تفحص الحارس مؤخرتي باحثا عن مسدس أو رشاش...؟
أنا يا ابن الأتان الأغر لست الوحيد الذي صار هذا المعلم جزءا لا يتجزأ من هويته.....
من هنا تبدأ المصالحة ....
أنا يا ابن الأتان الأغر أفجع اليوم في عزيز صاحبني دهرا ...
قال ابن الأتان الأغر قبّل تربته ثم امض فهذه حال العظماء..
(1) قامت أيادي مشبوهة بالاعتداء أخيرا على سجن 9 أفريل العظيم فأزالته من على وجه الأرض و أقامت مكانه حديقة ..
حدثني من لا أتهم عن ثقة اسمه ( النت ) أن القوم تجرؤوا أخيرا على البوح بالذي في صدورهم يخنقهم سنين كأنهم كانوا قد ألجمت أفواههم و اليوم أطلقت لتدعو إلى المراجعة و المحاسبة و تتبنى خيار المصالحة فقلت لرفيقي الثقة هذا جميل و لكن من سيحاسب من ، و من سيصارح من ، و من سيتصالح مع من ؟
قال مطلوب من مائة من الإسلاميين ( و نقل لي ما أعلنه الشيخ اللندني و دعا إليه و رص له الحجج) فقلت هذا جميل ، قال فرد عليه هذا و ذاك و أحجم كبار القوم إما متعففين أو له من القالين قلت و هذا أيضا جميل قال و أسنده و أسند دعواه أبو عبد الله أبو عبد الله (2) و أمضى له صكا فرديا و ادعى وجود مئات الإمضاءات الفردية إن كان في العمر بقية و لم يتهم القوم بالرزية و لا أعني بها رزية يوم الخميس (3) ستظهر تباعا قلت و هذا أيضا جميل ، قاطعني مغضبا ما الذي في الأمر ليس بجميل ؟ قلت أن نكمم الأفواه و نحن ندعي أن من حق كل مسلم أو مواطن أو بالغ أو عاقل أن يعبر عن رأيه و أن يعبر عن رأي المؤسسة التي ينتمي إليها إن كان على رأس تلك المؤسسة ، قال هذا جميل ، قلت و الذي يبشر بان الأمر صحي أن الجميع يدعون إلى المصالحة أي إلى الخير و ليس إلى الإفساد في الأرض و سفك الدماء و الدعوة إلى التكفير و التشهير ، قال هذا جميل ، قلت فمن حق الحامدي أن يقول ما يشاء ما دام مستعدا لقبول رأي المخالفين و مستعدا لقبول تشهير المشهرين و مستعدا لعدم الخجل أمام أبنائه إن أمد الله في عمره للتسعين موقنا من سلامة نيته إن فضحت السرائر يوم الدين ، قال هذا جميل ، قلت و من حق كل ذي قلم حر أن يرى في الأمر ما أهداه إليه فكره و رأيه و لا يحاسب على النوايا إلا الله ، ألم يقل عليه الصلاة و السلام :'' هلا شققت على صدره '' (4) قال هذا جميل ، و لكن من حقي أن أقرأ بين السطور و في أي سياق تتنزل المبادرة و تجاوب طرفي الأزمة ، قلت هذا جميل ، قال و من حقي أن أستنتج ما أشاء ما دامت المقدمات متماسكة و النتائج تبع لها لا محالة(5).
قاطعنا الحمار على عادة غير المؤدبين و قال دعوا المجاملات لأرباب السياسة و حدثنا يا صاحبي في المصالحة حديثا لا يشق لك غبار فيه فقد عهدناك من أرباب قصب السبق فحمدت الله و أثنيت عليه بما هو أهله و قلت حدثني أبي عن جدي المحترم أنه قرأ على شيخه أبي مرود الكحلي في درس الاشتقاق و كان شيخه علامة زمانه في العلوم النقلية و العقلية حتى صار قبلة القاصدين من طلاب العلم يفدون عليه من كل فج عميق ، قال شيخ جدي أما المصالحة فأصلها فعل ثلاثي '' صلح'' و لا صلاح إلا بعد إفساد و هي نقيض طلح و المصالحة مفاعلة أي فعل يشترك فيه اثنان فأكثر و لا
(2) راجع رد أبو عبد الله أبو عبد الله على مبادرة الدكتور الحامدي في موقعها في النت
(3) راجع حديث رزية يوم الخميس في موقعه من صحيح مسلم
(4) موجها اللوم إلى خالد بن الوليد
( 5) إشارة إلى القضية في علم المنطق
مصالحة إلا بعد سابق خلاف أو شحناء أو بغضاء أو شق عصا طاعة و من غير ذلك تكون عبثا فكيف تصلح بين حبيبين لا يرضى أحدهما للآخر أن تداعب حبات الطل شعره أو خديه.
و قد اشترط القوم في المصالحة وجود وسيط يتمتع بصفتين لا ثالث لهما أولاهما صدق النية في الإصلاح لقوله تعالى '' إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما '' و ثانيهما قبوله من الطرفين لقوله تعالى '' حكما من أهله و حكما من أهلها '' و إن كان الحكم أو الوسيط واحدا فردا كان أو مؤسسة فلا بد أن تكون له يد هنا و يد هناك انتهى كلام أبي عن جدي عن شيخه قدس سره العظيم.
قال حماري و رفيقي هذا جميل ، فأردفت و انطلاقا من الاشتقاق فإن الخصمان هما حركة النهضة و الرئيس بن علي أو الحزب الحاكم في تونس الموسوم بالتجمع الدستوري الديمقراطي و الخلاف حول الأزمة السياسية التي دارت رحاها انطلاقا من سنة 1991 و هي ما زالت مستمرة إلى يوم الناس هذا و لا وسيط في مشروع المصالحة لا وهما و لا حقيقة و حتى صاحب ورقة المصالحة الشيخ الهاشمي لا يقدم نفسه على كونه وسيطا إنما هو صاحب مبادرة إعلامية و المبادرة أي مبادرة إن لم يتسلم طرفا النزاع فيها النص رسميا و يدا بيد فهي لاغية في عرف السياسة علاوة على أن الدكتور لا يحظى برضا الحركة ( على الأقل رسميا ) و لا برضا السلطة ( ربما إعلاميا فقط ربما ربما ) و عليه فإننا نسبح في بحر من الأوهام علاوة على أن في الأمر مغالطة إعلامية و تاريخية ساهم في صناعتها العديد من الأطراف بحسن نية تارة و ربما بسوء نية أو بكيد مبين و هذه المغالطة هي كون الخلاف ما بين بن علي الرئيس و بين حركة النهضة حول السلطة أو وهم السلطة و لمن شكك في حقيقة الأمر و انطلاقا من الوثيقة الحدث (6) التي أصلت لضرب حركة النهضة يرى أن المقصود من الوثيقة ''الخطة'' القضاء على كل نفس حر في تونس أو أي نفس له علاقة مع الهوية الثقافية لتونس بل و مع الشخصية التونسية عموما (7) و كانت حركة النهضة المؤسسة الأبرز التي يتمترس وراءها أصحاب هذه المبادئ بدليل أن الحملة على التونسي '' الشخصية '' لم تتوقف و ما زلنا نشهد هجمات على الدين و الحريات و لقمة العيش إن الأزمة لم تقتصر على مؤسسة حركة النهضة و إن أنهكتها بل جاوزتها و طالت حتى أطرافا علمانية و حقوقية صرفة لا ذنب لها إلا أنها ترى أن تونس لا تعني بن علي ضرورة بل و طالت حتى أصدقاء النظام من الذين ساهموا أمس في ضرب حركة النهضة لما رأى النظام أنه قد أفلح أمنيا في القضاء على هذا المارد القادم على عجل المنتشي بنصره على بورقيبة فامتدت اليد ''البوليسية '' المحترمة إلى باقي مكونات المجتمع المدني بل وقع الزحف الأحمر حتى على المقدسات التي إن حاولت النهضة في فترة ما احتواءها أو الاستفادة منها أو توظيفها ليس من باب
(6) الوثيقة هي خطة تجفيف الينابيع
( 7) راجع كتاب الشخصية التونسية و تكتيك الشعب التنظيم للمؤلف
الوصاية على الدين و لكن من باب أنها حبس ( وقف ) للأمة لا للحاكم وحده و لا للمحكوم وحده فمن حقي أن أقيم شعائر الله و أن أدعو إلى دينه و ألا أعتبر نفسي ناطقا رسميا باسم الله و من حق الحاكم كذلك بل و من حق الذي يخالفني في الرأي و الرؤية ألا أعامله إلا بالحسنى و الكلمة الطيبة ما دمنا نلتقي تحت ظل لا إله إلا الله محمد رسول الله و إن كان ليس على ديني فأنا ألتقي معه تحت غطاء الإنسانية العام مصداقا لقوله تعالى:'' ياأيها الناس إنا جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا..'' و ليعلم الجميع كارهين أو طائعين بأن الله حق عام لجميع الكائنات و المكونات و متى احتكره بن علي فقد حاد عن الصواب و متى احتكرته النهضة فقد ضلت ضلالا مبينا فمن حق الجميع أن يناضلوا لتكون كلمة الله هي العليا و أولهم شرعا الرئيس بن علي ثم كل مواطن يدين بالولاء لله.
إن النهضة رحلت أو رحّلت عن الوطن فلم لا يستتب الأمن إذن ؟ و لم لا تفتح المساجد أبوابها للركع السجد ؟ و لم لا ترتدي ابنة عقبة بن نافع الخمار ؟ كما من حق ابنة حنبعل أن ترتدي '' الميني '' و أن تطوف شارع الحبيب بورقيبة في قلب الحاضرة تونس مبرزة اللحم الأبيض المتوسط ، قال محدثي هذا جميل ، و أحجم حماري الأغر عن الثناء فاصطنعت عدم الانتباه و أسلست للراي القياد ، قلت حاول النظام القائم أن يسوق أن أزمته مع حركة النهضة '' الإرهابية '' ، فأفلح و التف حوله خلق كثر صاروا اليوم من النادمين ، ثم رحلت الحركة أو رحّلت فدارت عليهم الدوائر حتى صاروا يعلنون بعد إسرار بأنهم '' أكلوا يوم أكل الثور الأسود '' ، حاولت حركة النهضة أن تسوّق بأن أزمتها مع بن علي فما أفلحت لأنها تبنت قضية لا تجوز فيها الإنابة أو الوكالة شرعا ألا و هي الحريات و لما صدت و كادت تذهب بها الرياح و أدركت بأنها لو ذهبت إلى المعركة ضمن باقي مكونات الشعب التونسي لما استطاع سيف السلطان أن يتفرد برقبتها و اليوم لما أدركت ألا مناص من الوحدة و التي لا تعني الذوبان في مشروع الآخر و التنازل عن الأصول و المبادئ و أدرك الآخرون بأنه من سهّل ضرب أخيه فقد فتح باب داره للغزاة فليرتقب حتفه بدأنا نقترب من الحل.
قال محدثي و لهذا تستنكر الدعوة إلى التملص من حلف الثامن عشر من أكتوبر قاطعته بل اعتبره جرما إن سارت فيه النهضة فقد كنت ألمع منذ قليل إلى ضرورة الجبهوية في كل عمل جاد يهدف إلى التغيير الجاد كي لا يفتح النصر الفردي للنهضة مثلا بابا للتفرد بالسلطة و اتهام الآخرين بالتقاعس بل و الردة أيضا كي لا نتخلص من حزب واحد لننشئ حزبا واحدا و هكذا دواليك فما الفائدة إذن من هذا العبث ؟
إن من الحكمة بل و عين الحكمة ما سارت فيه أغلب مكونات المجتمع المدني في تونس و لكن حذار من السقوط في المتاهات التالية من مثل:
- الضغط على النهضويين لمناقشة مسائل مركزية في الفكر الإسلامي ربما ليس من حق النهضة شرعا أن تحسم فيها بنعم أو لا لأنها من اختصاص المجامع الفقهية و اتحاد علماء المسلمين كما أنه لا يوجد في داخل تونس من القيادات التاريخية من هو مؤهل للخوض في مثل هذه المسائل و أيضا لماذا تضطر النهضة الحركة السياسية إلى تقديم أجوبة لباقي الأطراف ربما ليس الوقت مناسبا لطرحها أو هي ليست من الأولويات الوطنية في حين لا يضطر الباقون لمناقشة موقفهم من الدين و العروبة و هلم جرا.
قال حماري بعد صمت الحكماء أنت فيما قلت يا صاحبي مع المصالحة و لست معها في نفس الوقت قلت لقد وعيت عني يا سليل الحكماء فأنا مع المصالحة التي تستجيب لمعارف شيخ جدي رحمه الله و عليه فلا بد من وجود وسيط قوي له مع النظام القائم يد طولى و ليس له مع حركة النهضة بل كل مكونات المجتمع التونسي يد طولى أيضا و لا بد من أن يقتنع الجميع بأن لا غالب و لا مغلوب في معركة كل الأطراف قد خسرتها سلفا و ليعلم الجميع بأننا صرنا نحصد ما زرعناه في التسعينات قال محدثي كيف ترى الأزمة إذن؟ و قال حماري كيف ترى الحل ؟ قلت مقدما صاحبي على حماري على غير عادتي ، أما الأزمة فلن أشخص أسبابها لأنها صارت معلومة من الوطنية ضرورة و لكن من حقي أن أقول أني أراها كالآتي :
- نحن في أزمة ما دمنا صرنا نحلم بالحرية
- نحن في أزمة ما دمنا لا نقدر على تحديد الحرية
- نحن في أزمة ما دمنا نحتكر الحديث عن الحرية
- نحن في أزمة ما دمنا نكفرمن يؤمن بالحرية
و عليه فنحن في أزمة ما دامت المعارضة لا ترى الخطأ إلا في السلطان و السلطان لا يعترف بوجود معارضة أصلا بل و المعارضة تقصي بعضها بعضا بل و داخل نفس الصف يكفر بعضه بعضا و يلعن بعضه بعضا.
قال مرافقي و عليه فأنت استهجنت حديث الشيخ اللندني عن النفاق (8) صمت حماري موقنا بأنني لن أجيب لأنه يعلم تعفف لساني عن التجريح فقال نيابة عني '' التمس لأخيك سبعين عذرا '' قلت مثنيا على حكمة الرفيق الأعجم حدثني من لا أتهم بأنه قرأ في رسالة '' من أجل عقل إسلامي عام '' (9) لصاحبها نزيل دار الشقاء عليه أفضل الصبر و أزكى الاصطبار بأن الأمة قد أصيبت بلعنتين منذ انتقل النبي محمد صلى الله عليه و سلم إلى الرفيق الأعلى الأولى لعنة التكفير و الثانية لعنة السيف و الأخيرة من نتائج الأولى و لا يسري السيف في الرقاب إلا بعد التكفير و التفسيق و اللعن فما بال الأمة يضيق صدرها بالرأي و الرأي الآخر و قد تناست أن '' كلا يؤخذ منه و يرد إلا صاحب هذا القبر '' (10) و من يدعي من النهضة أنه يمتلك الحقيقة و هل أثر عن شيخها قول بأنه بوابة للحق
(8) راجع مقال د. الحامدي على النت في شرح آيات النفاق من مفتتح سورة البقرة
(9) نشرت هذه الرسالة للمؤلف في موقع أقلام أونلاين
(10) هذا القول للإمام مالك بن أنس
و من قال أيضا أن الشيخ الحامدي سيء النية أو يصطاد في الماء العكر فقد جانب الصواب أولا لسابقة إسلام الرجل و بلائه في دينه و لا نقول فيه إلا خيرا ظاهرا و إن ظهرت عليه آراء خالفت ما عهدناه عليه سلفا فلأن الرجل صار يرى من نفسه استقلالية و نضجا لا يعاب عليهما قال رفيقي صدقت ، و لكن ما رأيك أن دعوته تلك قد تساهم في إسقاط الكثيرين من الصف النهضوي ؟ قال حماري هذا جميل ، قلت هل أصدقكم القول ، قال حماري أنت عندنا غير متهم فابتسم رفيقي فأسلست للصدق القياد قائلا وقف عليّ الشيخ راشد البارحة في منامي و قد كان يباعد بين الزيارة و الأخرى حتى يزداد الشوق فلا تكفي الليلة للمحاورة فنصلها بجزء من الضحى حتى فوت عليّ الفريضة أكثر من مرة قاطعني مرافقي قائلا هيه و ماذا دار بينكما في الفضاء الافتراضي الرباني ؟ قلت سألته بعد تقبيل يده و جبينه عن رأيه في المصالحة الفردية ، فقال استشرت فيها شيخي علامة زمانه الإمام محمد الصالح النيفر و قد زارني في المنام فأجاب أما من ألزم نفسه بالبيعة الشرعية فلا يحل له عقد صلح و لا إعلان حرب إلا ما يعقده له أو يعلنه أميره و الذي بدوره أي الأمير تلزمه شورى أهل الحل و العقد من الجماعة لا مستبدا بالرأي و لا مغتصبا للحق و أما من يرى أنه في حل من بيعته الأولى و التي على أساسها استوطن دار الهجرة '' أروبا '' لاجئا سياسيا تحت غطاء الأمير و الجماعة و أنه ملك نفسه و أمر دينه بيده فعليه أن يفعل في نفسه ما يشاء و التبعة عليه دنيا و آخرة و لا يجوز له شرعا أن يجمع حوله الجموع و أن يؤلب من التزم بالبيعة (المؤسستية ) على جماعته فإنه بذلك لم يعد حر نفسه بل داعي فتنة و باغ.
قلت يا شيخ و إني أرى أن من رأى في نفسه أن الجماعة لا تلزمه فقد أراحها من عنائه و استراح من شروطها و التزاماتها قال صدقت فأردفت و إن الشيخ الحامدي بالرأي الذي ارتآه قد حقق للجماعة العديد من الأهداف منها :
- دفع الإخوة إلى الحوار
- كرس مبدأ المصالحة لا التناطح و التناحر
- فتح خبيء صدور كانت تشتاق للعودة و لو بشتى التنازلات
- أثبت للعالمين أن لا حل في تونس إلا مع المصلح الكبير مولانا '' عزرائيل '' الذي بأمر الله يرفع من يشاء من على الكرسي ليقعد مكانه من أو ما يشاء
و استفقت من منامي على حر الشمس يلفح وجهي ، قال حماري بورك في الرائي و حسن المرئي ، قال رفيقي هذا جميل ، و ما رأيك يا صاحبي و صاحب الحمار فيما اطلعت عليه من مقالات ( النت ) ؟ قلت رغم الجرأة و الصدق في نفس الآن إلا أنه فيها هنات أبرزها أن أغلب الأقلام توجهت لنقد النهضة أو لنقل إخوانهم فهم إلى الآن نهضويين و لو رسميا و لم يتجرأ منهم قلم واحد على توجيه أصبع الاتهام إلى الطرف المقابل حتى تتكافأ الكفتان إن لم نقل ترجح لصالح الحركة التي و إن حاولت أن تتصدى منفردة لصد العدوان على الحريات إلا أنها كانت تهدف إلى الفعل الحسن ، أما السلطة القائمة فقد استهدفت النهضة و بقية الأحزاب و المكونات بل و الهيئات و الأفراد.
قال محدثي و ما رأيك في الدعوة التي مفادها الانفصال عن القيادة و اتخاذ الفردية أو المجموعاتية منهجا ؟ قلت راجع حديثي الذي سلف تجد فتيا الشيخ فيها عن شيخه و إن شئت أزيدك فأقول بأنني مع الاعتراف ببن علي كرئيس شرعي لتونس اليوم و له انجازاته و لكن عندما انتظرُ سنتين كاملتين بدون حقوق المواطنة هل يتقبل ابن الأتان الأغر أن يعتبرني من مواطني عالمه و قد تخليت طرفة عين واحدة عن حقي.
- في تونس الخضراء
- و شربة الماء
- و الطعام و الكساء
- و العيش الهني مع الرجال و الأطفال و النساء
- و أن أقول بحضرة كل جائر لا و لا و لا
قال ابن الأتان الأغر و الله لو لجأت إلينا بعد فعلتك المفترضة تلك لطردناك من كامل اصطبلات الخضراء شر طردة فمثلك لا يشرف به أبناء قومي.
قال مرافقي ما رأيك لو أن الرئيس بن علي مد يده للصلح و المصالحة قلت و هل يصد الأعمى النور الذي يقتحم عينيه و لكن لا أظنه يفعل ، قال حماري صه يا صاحبي ، قلت أمهلني حتى أشرح لك ما عنّ في نفسي قال هات ما عندك و اتزن ، قلت إننا في تونس مصابون بلعنة قاتلة اسمها البطانة الهامانية فالرئيس بن علي لما كان حديث عهد بحكم تونس لم يمانع في مد يده إلى حركة الاتجاه الإسلامي كما سبق و مدت الأخيرة يدها إليه (11) إلا أن الرجل لم يمهل حتى حاصرته بطانة سوء لم تكن قبل في حزب الدستور و لم تكن قبل في القصر و لكنها بالتأكيد ليست بعيدة تاريخيا عن صنع القرار في تونس ، داهمته ب:
- التخويف من هذه الحركة التي خرجت منتصرة من أزمة صائفة 1987.
- التخويف من حركة كادت أن تغير النظام بالقوة
- التخويف من حركة تمتلك الشارع و الجامعة
- و بالتأكيد التخويف من شخصية ( شبه كاريزمية ) حج لها الآلاف في بن عروس لما نجت من عيدان مشانق بورقيبة.
و الذي أكد كل هذه المخاوف الفوز الساحق الذي حققته الحركة في انتخابات 1989.
(11) راجع مقال الدكتور ابن سالم في هذا السياق

قال محدثي و كذلك يا صاحب الحمار نحن في تونس مصابون بلعنة تعدد السلطات أو مراكز القرار ف:
- بن علي بالتأكيد رئيسا لتونس و هو يحكم
- البطانة الهامانية بالتأكيد تحاصر دوائر القرار و هي تحكم
- العائلات الكريمة بالتأكيد تحكم و تتحكم في مفاصل الدولة و الاقتصاد
- ضباط اليسار بالتأكيد يحكمون أولئك الذي انتموا إلى سلك الأمن في السبعينات و الثمانينات و هم الآن ضباطا كبارا أو متوسطين يحكمون متحالفين مع يسار القصر و يسار الكادر الجامعي ليبقى اليسار الحزبي يراوح بين مؤسسات المجتمع المدني و بعض الأحزاب التي لا توفر له قواعد أصلا لكنها توفر له مقرات.
قال حماري فلا بد إذن أن تجرى المصالحة بين أطراف و ليس بين طرفين قلت نعم و إني لا أجافي الحقيقة إن قلت بين جميع مكونات الشعب التونسي كي لا نخرج من ثنائية الأزمة لنسقط في ثنائية الحل '' و تبقى دار لقمان على حالها ''.
الحمد لله من قبل و من بعد.

الإمضاء صاحب الحمار
أبو شهيد التونسي
فريد خدومة
أريانة 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.