تونس تتضامن مع القيادة و الشعب الإيراني اثر وفاة "رئيسي"..    هذه الدولة تعلن يوم حداد على وفاة الرئيس الإيراني..    الاهلي المصري يعلن اصابة علي معلول بقطع جزئي في وتر اكيلس    بطولة اسبانيا: برشلونة يحرز المركز الثاني بالفوز على فايكانو    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    حوادث: 08 حالات وفاة و411 مصاب في يوم فقط..!    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    يهم التونسيين : اجراءات جديدة قد ترى النور تتعلق البنوك وغلق الحسابات    كلفته 89 مليون دينار: اليوم انطلاق العد القبلي للتعداد العام للسكان والسكنى    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    غضب وحيرة في جبل الجلود ...أبناؤنا لم يصلوا إيطاليا منذ أسبوعين!    %70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    اليوم: درجات الحرارة لن تتغيّر    عصابة الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية بقبلي .. تعود من جديد والنيابة العمومية تضرب بقوة    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المنستير: الدورة الثانية لمهرجان القريدفة، تأصيل للتراث المحلي لبني حسان    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    تعاون مرتقب في التحوّل التكنولوجي للطقس    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    أخبار الأولمبي الباجي: أمان في البطولة وطموحات عريضة في الكأس    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العدل والإحسان" والانتخابات المغربية : مصطفى الخلفي
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 05 - 2009

لعل من أهم خلاصات الخروج الإعلامي الأخير لجماعة "العدل والإحسان"، والذي خصص بشكل أساسي لموقفها من المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة ولقصة مفاوضاتها الفاشلة مع القصر في بداية تسعينيات القرن الماضي، هو إنهاء الحديث حول مدى وجود مراجعات ومخاضات في الجماعة لمصلحة خيار المشاركة والتحول التدريجي إلى الحضور في العملية الانتخابية، لتبقى وفية لما تعتبره خطاً ثابتاً لا يتزحزح رغم مرور أزيد من ربع قرن عليه، والأكثر من ذلك أن مؤشرات حصول مثل هذا التحول ولو في مرحلة ما بعد المرشد الحالي د.عبدالسلام ياسين تبدو مستبعدة، وهو ما يطرح أسئلة عميقة حول أسباب هذا "الثبات" أو "الجمود" رغم أن النسق السياسي المغربي عرف تغيرات معتبرة من حيث الفاعلين والتحديات فضلاً عن التحولات التي عرفها المحيط الإقليمي والدولي.
في هذا الخروج الإعلامي تم حشد كل المبررات القديمة أو الجديدة للتدليل على صوابية خيار الجماعة في مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها، لغياب توافر شروط المشاركة من فصل حقيقي للسلطات ومؤسسات منتخبة بصلاحيات فعلية، وأن ما يجري حالياً عبث يمدد عمر الأزمة، والحل هو انتظار قناعة الأطراف الأخرى بأن المخرج هو ما تدعو إليه الجماعة من ضرورة الاجتماع على ميثاق، وإلى ذلك الحين فالجماعة تشتغل في المجتمع كقوة هادئة، وفي المقابل يتم تقديم ما تعتبره الجماعة مردودية ضعيفة وغير مشجعة -في أحسن الأحوال- لتجربة العدالة والتنمية من أجل التأكيد على صوابية طرحها في عدم المشاركة، وهي حيثيات سبق لوثيقة المشاركة السياسية الصادرة عن الدائرة السياسية للجماعة أن فصلت فيها في ربيع 2002. ونعتبر أن ذلك يعود لأمرين أساسيين، الأول يهم طبيعة المنهجية المؤطرة لقراءة الجماعة لتحولات الواقع وحصيلة تجربة المشاركة السياسية لحزب "العدالة والتنمية"، وثانياً طبيعة تصورها للنظام السياسي الحاكم وللدينامية التي تحكم العلاقات بين مكوناته والخلفيات التي تؤطر المواقف والمبادرات الصادرة عنه.
بخصوص الأمر الأول نجد أن خطاب الجماعة والذي ذكرت بعض عناصره آنفاً، يكشف عن قراءة سكونية للمحيط السياسي والاجتماعي والحركي، يصعب معها ملاحظة التحولات الجارية، بل واستيعاب مردودية تجربة المشاركة السياسية المنبثقة عن مشروع حركة التوحيد والإصلاح فضلاً عن باقي صيغ هذه المشاركة في المستويات النقابية والجمعوية والطلابية والمؤسساتية، ولهذا ثمة عطب في منهجية تقييم الجماعة لتجربة المشاركة السياسية المنبثقة عن حركة "التوحيد والإصلاح"، فرغم وعيها بأن تقييم هذه التجربة وفق أهداف وأولويات ومنطق الحركة يفضي لنتائج مختلفة عن نتائج تقييمها بمنطق جماعة "العدل والإحسان"، باعتبار أن التقييم بمنطق الحركة يجعل النتائج تبدو إيجابية، وبمنطق الجماعة يجعلها سلبية إن لم نقل مظلمة، بيد أن تنزيل هذا الوعي يبقى جد محدود وخاضع لرؤية دفاعية، مما يعيق قدرة الجماعة على امتلاك فهم نسبي وموضوعي لتجربة المشاركة السياسية، كما يحول دون إنهاء خطاب الأحكام القطعية والإطلاقية التي تسم خطاب الجماعة في الحكم على تجربة المشاركة، خاصة أن احتكاك الجماعة بتجربة المشاركة يتم من خلال متابعة مسار حزب العدالة والتنمية أكثر منه المتابعة المتكاملة لمجموع مكونات تجربة المشاركة، والتي يمثل الحزب جزءاً منها، وهو الذي يبرز عند حديث بعض قيادات الجماعة عن مخاطر الاحتواء والابتلاع والذوبان والتراجع الدعوي لمصلحة السياسي فضلاً عن أن المشاركة لم تتقدم لحل معضلة الاستبداد، وهي قراءة لا تنسجم وما تعتبره الحركة أساس تعبئتها ودعمها لخيار المشاركة أي ضمان قدر من الحضور يتيح تعزيز موقع المرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة، ويمكّن من كسب التدافع الجاري في المغرب حول الهوية والقيم، ولهذا تعجز القراءة الصادرة عن الجماعة عن تفسير عدد من الإنجازات المرتبطة بالتدافع الجاري في قضايا الهوية الإسلامية بالمغرب. بكلمة، إن تقييم تجربة المشاركة السياسية للحركة بمنظار مدى تقدمها في كسب رهان الدولة والحكم، يختلف جذرياً عن النظر إليها بمنظار تقدمها في كسب رهان صيانة سمو المرجعية الإسلامية والتدافع المستمر مع سياسات وتوجهات إضعافها وتهميشها، وهذا الاختلاف الجذري ينعكس كليا على الخطاب والأولويات والتحالفات والعلاقات، وفي غياب الوعي به فإن المنطق الأول لن ينتج سوى تبخيس تجربة المشاركة وعدم تقدير لإنجازاتها، كما أن المنطق الثاني لن يتردد في النظر إلى تجربة الجماعة في عدم المشاركة إلى حينِ توافر شروطها بمنظارٍ يعتبر الجماعة تغيّب نفسها عن التدافع المصيري حول الهوية الإسلامية للمغرب، وتعيش في انتظار نضج ظروف مشاركتها، وهو الإنضاج الذي يسهم فيه خيار المشاركة في تدافعه مع التيارات والتوجهات والأخرى.
أما الأمر الثاني الذي يفسر هذا الوضع الثابت في الموقف من المشاركة، فيعود إلى قضية القراءة المؤطرة لطبيعة النظام السياسي حيث تغلب على ذلك قراءة تآمرية لا تنظر للحركية القائمة بين مكونات هذا النظام فضلاً عن هيمنة تفكير يرجح قرب تفككه، واستفحال أزمته، وهي القراءة التي تفسر بدرجة ما أحد أسباب فشل مفاوضات الجماعة مع الحكم في بداية التسعينيات ومحدودية استعدادها لإنجاح هذه المفاوضات، وهو ما يتبين من الحيثيات التي كشف عنها في الخروج الإعلامي الأخير للجماعة، حيث تتيح هي الأخرى فهم الأبعاد العميقة لهذه الوضعية، ذلك أن النظام وفي ظرفية التطور الذي عرفته الجزائر بتقدم المشاركة السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ في أواسط سنة 1991 لجأ عبر قناة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى الحوار مع قيادة الجماعة باستثناء المرشد المحاصر في السجن، وعرض الإفراج على قيادة الجماعة ومنحها حزباً على أساس أن يسبق ذلك عقد لقاء مع الملك الراحل الحسن الثاني، لكن الجماعة رفضت مفضلة أن يكون الإفراج وتأسيس الحزب هو الخطوة الأولى على أن يعقبها بعد اشتغال الحزب لقاء مع الملك، ورغم حصول قبول بعقد اللقاء وكذلك الاستجابة لمطلب عدم تقبيل الأيدي، فإن المفاوضات تكسرت على عقبة تقديم البيعة والاعتراف بإمارة المؤمنين بل إن قيادة الجماعة أخذت تتمنى عدم نجاح المفاوضات قبل انتهاء المدة المحكوم بها عليهم وسط تشكك بالغ حول الأسباب التي دعت النظام لهذا التفاوض وقدرته على توظيف اللقاء مع الملك لأغراضه ضداً على مصالح الجماعة.
الواضح مما سبق أن الجماعة سقطت ضحية تصور ضيق لطبيعة النظام السياسي بالمغرب، أدى بدرجة ما إلى تفويت فرصة اندماج إيجابي لها في الحياة السياسية، وهو التصور الذي نظر إلى الحكم كطرف يرغب في احتوائها واستغلال لقائها مع الملك، رغم القبول بطلبها حول عدم تقبيل الأيدي، وذلك لخدمة أهداف سياسية وإقليمية، وهو ما يفسر حسم الجماعة في الأشهر التي سبقت قرار الإفراج في عدم تيسير شروط اللقاء مع الملك الراحل، وتعقيد احتمالات مثل هذا اللقاء، لكن دون أن يعني ذلك تحملها المسؤولية الكاملة في فشل هذا المسار، فمن جهة كانت جهات أخرى في الدولة بحسب ما كشفت مصادر أخرى من خارج الجماعة ترفض مثل هذا التطور وسعت لإفشاله، ومن جهة ثانية وجدت الجماعة نفسها إزاء السؤال الجوهري، والمرتبط بالبيعة والاعتراف بإمارة المؤمنين، ولهذا فضلت الوفاء لموقفها، وهنا ينبغي استيعاب ما قاله د.عمر امكاسو في اللقاء من كون المفاوضات تكسرت على عقبة البيعة وإمارة المؤمنين، والواقع أنها العقبة التي تكسرت عليها كل إمكانيات المشاركة في الحياة السياسية، ويصعب بدون معالجتها توقع انخراط الجماعة في المشاركة أو إقدامها على دعم أي من الأطراف السياسية.
ما سبق لا يفسر وحده الأبعاد العميقة لوضع الجماعة المفضل للعمل خارج المؤسسات وعدم التقدم نحو المشاركة لكنه يتيح فهم عدم حصول أدنى تحول في مواقفها رغم ما حصل من متغيرات في محيطها.
العرب
2009-05-29


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.