موافقة القيادة الفلسطينية على المبادرات الدولية والعربية كخارطة الطريق والمبادرة العربية او مبادرة اوباما القادمة، امام التعنت الصهيوني الذي تمثله الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، تقودنا بلا شك الى استمرار القيادة الفلسطينية برهانها على نهج المساومة على الحقوق الفلسطينية وبمقدمتها حق العودة. البحث عن حل مقبول لحق العودة للاجئين الفلسطينين، او اعادة توطينهم بالدول التي يعيشوا بها او الدول التي قد تستوعبهم، او اعادتهم الى الدولة الفلسطينية ضمن حدود ال 67 او اي حدود متفق عليها، او غيرها من المصطلحات، كلها تؤكد ان جوهر القضية الفلسطينية هو حق العودة للاجئين الى مدنهم وقراهم وديارهم التي شردوا منها، وان عملية البحث عن نهاية للصراع على اساس حل الدولتين، دون حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم، يقود الى مجموعة من الاستنتاجات التي لا تصل بنا الى حالة استقرار وانما الى مزيد من التوتر والحروب بالمنطقة، باعتبار الطبيعة الاستعمارية والكولونيالية للكيان الصهيوني تقوم على العدوان والتوسع.
فما زالت هناك اراضي عربية اخرى غير فلسطين محتلة، كالجولان ومزارع شعبا، وما زال هناك ملايين من اللاجئين الفلسطينين لا يحق لهم العودة الى مدنهم وقراهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948، وفي ظل تعنت صهيوني يرفض وقف الاستيطان، ويواصل بناء المستوطنات، ويمارس اجراءات عدوانية على المواطنين الفلسطينين يوميا، وانتهاكات يومية ضد القدس وسكانها وممتلكاتهم، اضافة الى تجديد دعواته باعتبار الاردن الوطن البديل للفلسطينين، مع تاكيد قادة الكيان على رفض حق العودة رفضا قاطعا غير قابل للجدل، فكل هذه المواقف والوقائع تؤكد على صعوبة التوصل الى حل شامل وعادل بالمنطقة.
الوصول الى اتفاق فلسطيني صهيوني قائم على اساس حل الدولتين، بالحقيقة لن يكون نهاية الصراع، وانما سيكون بداية مزيدا من التوتر ومزيدا من الحروب، فالاتفاق الفلسطيني الصهيوني بحاجة الى موافقة فلسطينية وعربية، والكيان الصهيوني يضع شروطه بموافقة عربية شاملة لوجوده وان التنازل يجب ان يكون عربيا ايضا وان لا يقتصر الحل على الفلسطينين، وهو يدرك جيدا ان التخلص من قضية اللاجئين وحقهم بالعودة بحاجة الى موافقة عربية ومشاركة عربية لتصفية هذا الحق، ويدرك جيدا ان العقبة الاساسية التي تعترض هذا التوجه هو الرفض السوري واللبناني لموضوعة التوطين للاجئين الفلسطينين على اراضيهما.
فالقيادة الفلسطينية تقع على عاتقها مهمة اقناع التجمعات الفلسطينية اولا على ان الحل القائم على اساس دولتين هو الحل الممكن والافضل، وان عودة الفلسطينين تكون ضمن حدود الدولة الفلسطينية المتفق عليها مع الكيان الصهيوني، وفي ظل انحسار سلطة هذه القيادة على جزء من الارض الفلسطينية وتراجع شعبيتها، يصعب عليها الحصول على موافقة فلسطينية تشكل الاغلبية، نتيجة الوضع العام التي تمر به منظمة التحرير الفلسطينية، وحالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية، وشلل المؤسسات الفلسطينية وجمودها وتراجع ادائها.
العقبة الثانية التي تعترض تصفية حق العودة، هو الرفض السوري اللبناني الرامي الى توطين اللاجئين الفلسطينين باراضيهم، فالقيادة الفلسطينية بحاجة الى اقناع التجمعات الفلسطينية بحال عجزها الى نقلهم للضفة وغزة، اقناعهم بالتوطين بالدول التي يسكنوها، فهنا نقف امام السؤال التالي: هل تراهن القيادة الفلسطينية على موافقة الحكومتين السورية واللبنانية على توطين اللاجئين، دون ان يكون هناك حل شامل وبظل استمرار التهديدات الصهيونية لاستقرار واستقلال الدولتين المجاورتين لفلسطين؟ كذلك التصريحات الصادرة عن اطراف بالكيان الصهيوني والتي تؤشر الى الاردن كوطن بديل للفلسطينين، فهذه التصريحات زادت من مخاوف النظام الاردني، وبالمحصلة لا تؤدي الى استقرار بالمنطقة، وانما الى مزيدا من القلق والتوتر، حيث زادت من مخاوف النظام الاردني حول مستقبله ومصيره واستقرار الاردن واستقلاله، فان اي توطين للفلسطينين او جزء منهم ضمن حدود ال 67 مع استمرار الاستيطان ونصف مليون مستوطن بالضفة، تؤشر الى كثافة سكانية تهدد بانفجار سكاني باتجاه الاردن، ولا يخفى على احد النوايا الصهيونية لتحقيق هذا الهدف.
هنا نعود الى معرفة ما تخفيه نوايا القيادة الفلسطينية وتوجهاتها لحل الصراع على اساس الدولتين، فالموافقة الفلسطينية وتكليف هذه القيادة بالتفاوض على حق العودة وايجاد حل مقبول، مطلوب منها تذليل كافة العقبات التي تعترض تكليفها اولا فلسطينيا، من خلال قدرتها على احتواء المعارضة وتفريغها من مواقفها السياسية الوطنية، فالكيان الصهيوني والادارة الامريكية تعترف بان هذه القيادة لا سلطة لها لانتزاع موافقة فلسطينية تشكل اجماعا او اغلبية ساحقة، ومن هنا ترى هذه الاطراف اهمية ممارسة كافة اشكال الضغوطات على حركة حماس للاعتراف والالتزام واحترام الاتفاقيات التي وقعتها قيادة المنظمة والسلطة ، والاعتراف باسرائيل على الارض الفلسطينية مع استمرار هذه القيادة على راس المؤسسات الفلسطينية، مما يسمح لها البحث عن الحل المقبول لقضية اللاجئين.
تغيير بالمواقف السورية واللبنانية باتجاه الموافقة على توطين الفلسطينين، هي هدفا اساسيا لتصفية حق العودة ومن ثم القضية الفلسطينية، فلا يمكن تحقيق ذلك بظل استمرار هذه القضية وبظل استمرار الرفض السوري واللبناني وتعنتهم، فالتواجد الفلسطيني بلبنان وخصوصياته واستمرار تمسكه بحق العودة، تفرض على المراهنين على تسوية هذا الجانب القيام بخطوات عملية بهذا الاتجاه، ومنها دفع هذا التجمعات الى الموافقة على التوطين والتعويض بالبلدان التي يسكنوها، ولا توجد حتى اللحظة اي اشارات من طرف الحكومتين اللبنانية والسورية على قبول توطين اللاجئين على اراضيهما، فما هو الدور الذي ستلعبه القيادة الفلسطينية للوضول الى الحل المقبول لقضية اللاجئين وحقهم بالعودة؟
قضية اللاجئين وحق العودة ليست قضية فلسطينية بحته، وانما هناك دورا عربيا رسميا واساسيا، فرغم انقسام الموقف العربي الى قسمين معتدل وممانع، فان دول الممانعة تلعب دورا اساسيا بجعل هذه القضية مطروحة باستمرار بحكم ان اللاجئين يعيشون على اراضيها، فسوريا ولبنان لهما دورا اساسيا بهذا الجانب، بحكم التواجد الفلسطيني الكبير على اراضيهما، فتذليل هذه العقبة باتجاه الحل المقبول، يترتب على الاطراف المعنية بممارسة ضغوطا من اجل الوصول الى هذا الحل،او ان تقوم القيادة الفلسطينية بمناشدة الحكومتين السورية واللبنانية للموافقة على الحل المقبول للاجئين التي توافق عليه هذه القيادة، وهذا ايضا من الصعب انجازه، ولكن ما هو الخيار الذي يبقى امام تصفية هذا الحق؟
فمعسكر الاعداء سيعمل على اجبار الحكومتين اللبنانية والسورية على تغيير مواقفهما اتجاه هذه المسألة بما يتوافق مع الموقف الصهيوني، او من خلال الاطاحة بحكومتي البلدين من خلال التدخل بالشأن الداخلي، او من خلال عدوان عسكري على الدولتين يفرض عليهما حلا تسوويا يلبي الشروط الصهيونية الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا يقودنا الى التكهن بان استمرار مراهنة القيادة الفلسطينية الى الحل المقبول لقضية اللاجئين وحق العودة، بانه سيكون موقفا مشجعا على العدوان على سوريا ولبنان مستقبلا، لان القضية الفلسطينية هي اساس الصراع بالمنطقة والشرق الاوسط، وهنا نقف امام السؤال التالي: اين سيكون موقف القيادة الفلسطينية مع العدوان ام مع حق العودة؟ جادالله صفا – البرازيل 31/05/2009