"نقبل استثناءات تلو استثناءات إن كان الأمر يتعلق بالقدس وصمود أهلها وحماية مقدساتها وتراثها المعماري وتاريخها ومؤسساتها .... نقبل استثناء للقدس في قرار يتعلق بمشروع إسكان أو دعم إسكان أو دعم القطاع السياحي أو غيره من المشاريع التنموية...." هذه فقرة من مقال للأخ صلاح هنية حول القدس تحت عنوان " القدس ........ما بين أعلامها ومكانها ورؤى فلسطينية ... " كلمات جميلة ومؤثرة وان دلّت على شيء فهي تدلّ على وعي لقضية القدس وبخاصة انها جاءت بعد زيارة للمدينة ومشاهدة ما يحدث فيها على أرض الواقع .. بقلب محروق قالها الأخ صلاح، وبكل صراحة نقبل الاسثناء للقدس في وفي وفي ... وتساءل أين الاستثناء .. وأنا هنا أقولها للأخ صلاح : للأسف لا يوجد استثناء من أجل القدس،انما للأسف استثنيت القدس من كل شيء.. القدس التي تعاني الويلات .. القدس التي حرم أهلها حتى من حق العبادة في أماكنها المقدسة.. فالدخول لتأدية الشعائر الدينية أصبح بتصريح ويشترط أن يكون من الدرجة الأولى – فالتصاريح درجات وأنواع- كما حدث في سبت النور لدى المسيحيين هذا العام والعام الذي قبله وقبله حيث تحولت كنيسة القيامة وكل المناطق حولها ومداخل البلدة القديمة الى ثكنة عسكرية وحواجز لمنع المصلين من الوصول اليها ، ولم يستثنَ من الأمر حتى من هم كبار السن أو حتى النساء كما يفعلون أثناء شهر رمضان الفضيل عندما يطوّقون البلدة القديمة ويمنعون الشبان من دخولها للوصول الى الحرم القدسي الشريف، والحال لم يكن أفضل عند زيارة قداسة البابا، فرغم ما ادعوه من اعطاء تصاريح أثناء زيارة البابا الا أن قلة قليلة فقط من أهل القدس استطاعوا الدخول الى منطقة كنيسة الجسمانية لحضور القداس .. هكذا أصبحت القدس يا أخي صلاح .. كل شيء محرم على أبنائها، رغم أن العديدين يظنون أن المقدسيين يعيشون في نعيم كونهم - حسب ما يقولون عنهم - يستطيعون التنقل أينما شاءوا ويتمتعون بخدمات صحية وبتأمين وطني و.. ولا يعلمون أن أهل القدس يدفعون كما يقال "دم قلبهم" مئات الأضعاف وأكثر مما يحصلون عليه من هذه المخصصات التي تُحرَق أنفاسهم قبل أن يحصلوا عليها.. فالضرائب بأشكالها ودفعات التأمين الوطني و.. تستنزف كل ما يدخل الى الفرد من راتب وربما أكثر، وكأن المقدسي يعمل كعبد لضرائب سلطات الاحتلال ، ينام ويحلم ويستيقظ وهو يفكر كيف سيسدد ما يترتب عليه من هذه المبالغ الخيالية التي فاقت كل تصور، عدا عن التهديدات التي يواجهها كل يوم بسحب هويته واخراجه من مدينته التي ولد وعاش وترعرع في أكنافها .. هذه هي القدس التي تحدثت عنها يا أخي صلاح وقد شاهدت بأم عينك بعض ما يعانيه شعبها، وكان لهذا التأثير الكبير في نفسك، ما جعلك تكتب هذا المقال وتطالب بالاستثناء للقدس، فيا ليت الآخرين يشاهدون القدس بعينيك ليدركوا ما هو حال هذه المدينة المقدسة، بل يا ليتهم يشاهدونها بعيني طفل مقدسي حرم من الوصول الى كنيسة القيامة أو الى الحرم القدسي الشريف لتأدية الشعائر الدينية والاحتفال بالعيد أسوة بأطفال العالم.. هذه هي القدس التي تعاني الأمرين ، مُر الاحتلال ومُر الاهمال.. وأقول هنا للأخ صلاح .. لقد انبرت ألسننا يا أخي وهي تتحدث عن القدس وما من مجيب .. وحتى عوتبنا بل وحُذّرنا كوننا نثير القضايا المأساوية التي تحدث فيها .. وأنقل هنا ما أرسل لي في زاوية المنبر الحر لموقع المجلة من شخص لم يجرؤ حتى على ذكر اسمه في رد على مقالي الأخير حول القدس والذي كان تحت عنوان "تتباكون على القدس وأنتم باهمالكم ساهمتم في وأدها" في العدد (968)، جاء في التحذير وهو تحت عنوان "تهجّم غير مقبول وغير منطقي".. "ولنا لقاء..... كله تهجم وكلام غير منطقي والسلطة تستطيع ان تدير شؤونها وليست بحاجة الى نصائح وتوجيه من احد والذي يريد شيئا او دعما من احد لا يتهجم عليه وهذه ليست المرة الاولى ونأمل ان تكون الأخيرة".. نعم يريدون منا أن نكف عن الحديث عن القدس حيث يقول الأخ المجهول بأن السلطة تستطيع أن تدير شؤونها وهي ليست بحاجة الى نصائح أو توجيه من أحد .. فهل أصبح خطأ وتهجماً أن ينبه الشخص الى تقصير بل الى ويلات ومصائب واهمال يحدث؟! "فالساكت عن الحق شيطان أخرس والناطق بالباطل شيطان ناطق" وقبول النصيحة ليس بعيب ولا انتقاص من مركز السلطة بل تزيد من شأنها واحترامها بين الناس عندما تستمع الى همومهم فتسارع الى التخفيف عنهم وتنبّه الى الخطأ فتقوّمه .. وكأنهم يظنون أننا نسعى في الحديث حول القدس من أجل المساعدة أو الدعم .. ورغم ذلك أقول للأخ المجهول، الدعم هو حق لكل مؤسسات القدس وللمقدسيين وليست مِنّة أو صدقة منكم.. أنتم مؤتمنون على هذه الأموال لايصالها لأصحابها.. فالأموال التي رصدت للقدس هي لأهل القدس، للصمود في وجه التهويد والتهديد والتهجير عن القدس.. وليست لأصحاب المحسوبيات وجماعة "اوكي سير" حاضر سيدي.. الذين يطبلون ويزمرون لفلان أو علان ويغضون الطرف عن المآسي التي تحدث في القدس. فعندما أتحدث عن القدس أتحدث من قلب المأساة.. من واقع مرير يعيشه أهل المدينة التي يتباكى عليها الجميع، وما من عمل فعلي سوى الظهور أمام وسائل الاعلام بحجة الاحتجاج والتضامن والاستنكار وإلقاء بعض الخطب ثم يختفي هؤلاء بعد أن تغادر وسائل الاعلام .. أخبروني ماذا استطاعت أن تحقق هذه الاستعراضات؟! فالتضامن ليس بالخطب والكلام، التضامن الحقيقي يكون بحل المشاكل وتخفيف المعاناة، أخبروني كم مشكلة استطعتم حلها وكم... ؟! عندما أتحدث عن القدس أتحدث باسم المعذبين في المدينة الذين أنهكتهم الضغوطات التي تشتد عليهم كل يوم .. أسمع منهم وأنقل صوتهم بكل صراحة ووضوح .. فصوتهم يجب أن يسمع .. نعم هذه هي ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن القدس بل هي عشرات المرات، ولن تكون الأخيرة ولن أتوقف ما دام الوضع في القدس على ما هو عليه الآن.. * كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية