المجتمع المدني العربي... رؤية إصلاحية القاهرة 04/06/2009 الفجرنيوز: كانت صحف صباح يوم 3 يونيه 2009 الصادرة في القاهرة تبرز تصريحا ت لمسئولي وزارة التضامن الاجتماعي بشأن المنظمات غير الحكومية لا يفهم منها سوى التشكيك في جدوى هذه المنظمات والنية لمزيد من التضييق على عملها ووضع قيود جديدة تشل حركتها ، ومن مفارقات القدر أنه في نفس الوقت كانت تعقد الدورة الحادية عشر لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالعاصمة السويسرية جنيف والتي تستمر قرابة 3 أسابيع وسط حضور مكثف للمنظمات غير الحكومية وتقدير شديد لدورها الحيوي في مسيرة التنمية وتعزيز حقوق الإنسان في بلدانها . ولأننا نؤمن في ماعت إيمانا مطلقا بالحقيقة التي تقول أن التعليم عملية مستمرة لا تنتهي إلا بنهاية حياة الفرد ولا تتوقف إلا بتوقف الكيان القائم ، كما نؤمن بأن التدريب الجيد هو التدريب القريب من الميدان الذي يعايش الحدث ويحاكيه ويأخذ منه ويضيف إليه ، وبالطبع لا قيمة لما تعلمه المتدربون مالم يوظفوه في التطبيق على مجتمعاتهم ويستفيدوا منه في تحقيق شيء لهذه المجتمعات ، ونقد وإصلاح الأوضاع المعوجة فيها . ومن هنا جاءت المشاركة في البرنامج التدريبي عن الآليات الدولية لحقوق الإنسان ، وذاك ضمن فعاليات برنامج جيل جديد للنشطاء الذي تنظمه مؤسسة بيت الحرية ( Freedom House ) بالشراكة مع معهد جنيف لحقوق الإنسان. و تعقد هذه الأنشطة التدريبية على هامش الدورة الحادية عشر لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة المنعقدة في جنيف ، وذلك في الفترة من 1 إلى 19 يونيو 2009 ، وتقوم على أساس المشاركة والمعايشة للآليات الدولية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال حضور الجلسات وعقد اللقاءات وزيارة الهيئات الأممية الموجودة بجنيف . وقد جعلتنا المشاركة في فعاليات جنيف ومتابعة ما يحدث في القاهرة ننتبه للتناقض الواضح بين واقع ووضع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية على الأجندة الدولية والأجندة الوطنية ، فبينما تضع الهيئة الأممية الأهم والمسئولة الأولى عن كرامة وحقوق الإنسان في كل بقعة من هذا العالم تلك المنظمات في مكانة موازية لمكانة الحكومات وتعطي القدر الواجب للتقارير والمداخلات والتعليقات التي تبديها تلك المنظمات من خلال ممثليها ، نجد أنه على المستوى الوطني لا تزال تلك الكيانات بعيدة عن الاندماج في منظومة التنمية الشاملة بالشكل الكامل . كما أن الكثير من المنظمات غير الحكومية الوطنية في المنطقة العربية عموما ومنها مصر لا تزال بعيدة نسبيا عن مجال التأثير والوجود القوي في الآليات الدولية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ، ويرجع ذلك في تقديرنا إلى أخطاء مزدوجة يقع فيها الطرفان الحكومي وغير الحكومي نفسه . فإذا كان الطرف الحكومي لم يصل بعد إلى القناعة الكاملة بضرورة تعزيز دور المنظمات غير الحكومية خاصة في المجال الحقوقي رغم اعترافه القانوني والرسمي بها ويبرز ذلك في صورة بعض الإجراءات الإدارية المعوقة لعمله ، فإن المنظمات غير الحكومية والحقوقية منها تحديدا هي الأخرى لا زالت لم تتجاوز مرحلة الصراخ والفضح والتشهير ولا زالت الرؤية الإصلاحية والأجندة التنموية وطرح الحلول العملية بعيدة عن اهتمامات معظمها ، كما أنها على ما يبدو تستريح لحالة قطع جسور الحوار مع الطرف الحكومي وتعتبر ذلك من مؤشرات الإنجاز في عملها . وقد أدت كل هذه الأوضاع إلى تدني مشاركة المنظمات الحقوقية العربية عموما والمصرية خصوصا في الفعاليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، ومن ثم انخفاض درجة تمثيلها في المنتديات واللقاءات الدورية التي يعقدها مجلس حقوق الإنسان ، وهو ما يعود قطعا بالضرر ليس فقط على المنظمات الحقوقية والمنظمات الحكومية فقط بل على الأوضاع الحقوقية في العالم العربي ذاتها . وتستمد المنظمات غير الحكومية شرعية وجودها على المستوى الدولي وتمثيلها في الآليات الأممية الحكومية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان إلى عدة ترتيبات ، أولها ما جاء في القرار 60/251 القاضي بإنشاء مجلس حقوق الإنسان كهيئة أممية مستقلة معنية بحقوق الإنسان بدلا من لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، حيث جاء في القرار ما يفيد الاعتراف بالدور الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان ، كما أكد على اعتماد نفس الآليات التي كانت متبعة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص هذا الشأن . كما تستند المنظمات غير الحكومية في شرعيتها إلى قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 31 لسنة 1996 والمؤرخ في 25 يوليه 1996 ، وقد كان المجلس يعتمد في آلياته على منح المركز الاستشاري لعدد من المنظمات غير الحكومية في الدول المختلفة ويتيح لها المشاركة بصفة مراقب في فعالياته المختلفة ، وتتمتع أكثر من 1500 منظمة بهذه الصفة . وقد اعتمد مجلس حقوق الإنسان على هذه الآلية بعد استقلاله وأتاح للمنظمات التي تتمتع بالمركز الاستشاري المشاركة كمراقب في فعالياته ، بل أنه سمح للمنظمات الأخرى التي لا تتمتع بهذه الصفة بالمشاركة في أنشطة واجتماعاته والمساعدة في تفعيل آلياته المختلفة على الأصعدة الوطنية والقطرية والدولية . وقد جاء في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان في 19 يونيه 2006 " أن المنظمات غير الحكومية تؤدي دورا هاما في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي. وهذا ما حدا بالجمعية العامة إلى الإفادة من ممارسات اللجنة لضمان إتاحة المجال أمام المنظمات غير الحكومية للمساهمة في عملكم بأكثر الطرق فعالية، وذلك إلى جانب الدول غير الأعضاء في المجلس، والوكالات المختصة، والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى، والمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان " . وقد كانت مساهمة المنظمات الحكومية فاعلة وبناءة طوال عمر مجلس حقوق الإنسان الذي خرج الى النور في مارس 2006 ، حيث شاركت على سبيل المثال في الدورة العادية السابعة للمجلس في مارس 2008 ، 180 منظمة غير حكومية ب 1116 شخص ، وقدمت هذه المنظمات 98 بيان مكتوب و 224 بيان شفوي ، كما استضافت هذه المنظمات 69 حدث على هامش اجتماعات المجلس . ويحرص مجلس حقوق الإنسان على تضمين المنظمات غير الحكومية وفتح الطرق أمامها للمساهمة الفعالة في آلياته ، حيث تحرص اللجنة الاستشارية للمجلس مثلا على بناء روابط مع المنظمات غير الحكومية ، كما يتيح لهذه المنظمات التقدم بشكاوى وتقارير مكتوبة للمجلس ، والمساهمة الفعالة في لجان معاهدات حقوق الإنسان والتعاون مع فرق العمل القطرية وأصحاب الولايات الخاصة في هذا الشأن . ومما لا شك فيه أن المشاركة تتيح لنا أن ندرك إلى أي مدى أصبح العالم وتنظيمه الحكومي الأكبر يعترف بمنظمات المجتمع المدني ويدعمها ، وإلى أي مدى تسير الحكومات الوطنية عندنا على هذا الدرب ، وما إذا كانت تطبق نفس المعايير وتمارس نفس القواعد في التعامل مع هذه المنظمات التي انتزعت الاعتراف الدولي بها تقديرا لدورها الحيوي في تحقيق التنمية وتعزيز حقوق الإنسان ، وهاهي الحقائق تتكشف أمامنا وندرك حجم الفجوة بين الموقفين الأممي والوطني للمنظمات غير الحكومية . ويدعونا كل ذلك - كحكومات وكمنظمات غير حكومية – إلى إعادة النظر في الأوضاع الحالية لمنظماتنا غير الحكومية خاصة الحقوقية منها وتبني أجندة إصلاحية إزائها بما يعزز وجودها على المستوى الدولي أولا ويرفع من قدراتها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان من جهة أخرى والاقتداء بالنموذج الدولي في تشجيعها على المساهمة الفعالة في أجندة الإصلاح والتنمية الوطنية . ويستلزم ذلك تعديل التشريعات الحاكمة للمنظمات الأهلية وإزالة العقبات الإدارية والتمويلية التي تعترض طريقها ، كما يستلزم ذلك من المنظمات الأهلية أن تتوافق مع ظروف المرحلة التي يمر بها الشأن الحقوقي العالمي ، حيث انتقلت المطالبات الحقوقية من مرحلة التشهير إلى مرحلة الإصلاح ومن مرحلة التعميم غير الموثق إلى مرحلة الالتزام بالمنهج العلمي في الرصد والتوثيق . كما أن طرح قضايا حقوق الإنسان لم يعد معزولا عن طرح قضايا التنمية بكل ما تحمله الكلمة من إيحاءات ودلالات إيجابية بناءة بعيدة عن الاكتفاء بلعن الظلام والمتاجرة بالسلبيات وإنكار أي تقدم حادث وعدم البناء عليه ، والأهم من ذلك إنكار قيمة وأهمية وضرورة الحوار المجتمعي مع الحكومات وإبقاء الأبواب والنوافذ مفتوحة باعتبار ذلك ضمانة مهمة من ضمانات تحسين الأوضاع الحقوقية في أوطاننا . إن المعايشة عن قرب لهذه الفعاليات الأممية الضخمة فرصة قد لا تتاح كثيرا لإجراء مراجعات حقوقية هامة في حياة أي منظمة وفي مسيرة أي ناشط حقوقي لأنها الضمان لاستمرارية المنظمة في تحقيق أهدافها وخدمة مجتمعها ، واستمرار الناشط على حماسه وإيمانه بقضيته من ناحية ، وامتلاكه للأدوات التي تمكنه من النجاح في مهمته الإنسانية والوطنية من ناحية أخرى ، لذا فقد آثرنا في ماعت أن نكون عين في جنيف وعين في القاهرة حتى نستطيع أن نوظف كل ذلك في خدمة الحركة الحقوقية المصرية والوصول للتوافق التام بين قواعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ونصوص العهود والاتفاقيات الدولية الأخرى من ناحية ، والأوضاع والممارسات في مصر من ناحية أخرى . وأخيرا بقى أن نؤكد على أن المجتمع المدني العربي والمصري يستحق أن يكون فاعلا على المستوى الدولي ، بل أنه لا بد أن يكون متواجدا وفاعلا على هذا المستوى لخدمة القضايا العربية التي تملأ أروقة المنظمات الأممية ، وكذلك لتعضيد موقف الحكومات وتعزيز تواجدها على المستوى الدولي وتضييق الفجوة بين تقارير الجانبين أمام المنظمات الدولية المعنية ، كما أن الوجود المدني في آليات النظام الدولي يتيح لنا فرصة التأثير في القرار الأممي ليصبح أكثر تلبية لمطالب شعوبنا واحتياجاتها التنموية .