ملاحظة: كان الاتفاق يقضي ببعث " الفجر" من جديد و كانت الاستعدادات حثيثة لترى النور في ذكرى صدور الأحكام بالمحكمة العسكرية في 29 – 8 – 1992 ...لكن إعادتي إلى السجن بدعوى مخالفة تراتيب المراقبة الإدارية حال دون إتمام المشوار... و كانت هذه افتتاحية العدد الأول,,,, الفجر الثاني شرٌٌدوا أخيارها بحرا و برٌا و اقتلوا أحرارها حرٌا فحرٌا إنٌما الصٌالح يبقى صالحا آخر الدٌهر و يبقى الشٌرٌ شرٌا كسٌروا الأقلام, هل تكسيرها يمنع الأيدي أن تنقش صخرا قطٌعوا الأيدي, هل تقطيعها يمنع الأعين أن تنظر شزرا أطفئوا الأعين, هل إطفاؤها يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا أخمدوا الأنفاس, هذا جهدكم به منجاتنا منكم...فشكرا.1 تعود الفجر من جديد, في ثوب جديد, و بنفس جديد لكن لتواصل المسيرة, مسيرة بدأناها سويٌا, آملين المساهمة في بناء صرح وطن يسع الجميع, يعتزٌ كافٌة أبنائه على اختلاف معتقداتهم و مرجعيٌاتهم بالانتماء إليه, ويكونون دوما في خندق واحد للذٌود عنه, ويقدٌمون النٌفس و النٌفيس في سبيل مجده وعزٌته, لكن يد القهر والاستبداد و الاستئصال عاثت فسادا في حديقة غنٌاء كادت تسرٌ العين بألوانها الزٌاهية, من ببنفسج و أخضر و أزرق وأحمر وأصفر و ذهبيٌ وفضٌي و ورديٌٌ... و ساءها هذا التٌنوٌع و هي العاجزة عن مقارعة الحجٌة بالحجٌة والبرهان بالبرهان فراحت تنشر الرٌعب و الإرهاب متذرٌعة بما عجزت عن إقامة الدٌليل عليه, وشرٌدت البررة من أبناء الوطن ونال من بقي فيه من أصناف العذاب و الاضطهاد ما تعجز عن وصف أهواله الأقلام.. و في نضالنا المرير من أجل هذا الوطن و رفعة مكانته لم يكن لدينا من سلاح نشهره غير الكلمة الصٌادقة الطيٌبة و المجادلة الحسنة و الحجٌة البالغة وصبرنا في البأساء و الضرٌاء وحين البأس. و ها نحن نواصل المسيرة وليس لنا من سلاح غير ما كان لنا بالأمس مع صبر أشدٌ وصدر أرحب. تعود الفجر من جديد و لم نكن في حاجة, مثلما كان الأمر مع شقيقتها الأولى, للجري وراء أصحاب المطابع وطرق أبوابهم, وخطب ودٌهم عساهم يقبلون طباعة الجريدة على مطابعهم, مع دفع المقابل المالي نقدا ومسبٌقا, لكنٌهم لا يستطيعون إبرام أيٌ اتٌفاق دون إشارة من أصحاب الفضل عليهم. و نفشل في العثور على من يطبع الجريدة, ونقلٌب الرٌأي في هذه المعضلة/ المهزلة, وتتٌجه النيٌة ويقرٌ العزم على طبعها بالوسائل المتاحة, وعندها و عندها فقط, يشار على صاحب مطبعة دار الأنوار بقبول طبع الجريدة على أن لا يتجاوز عدد النٌسخ المطبوعة أربعين ألفا, وهو ما يمثٌل خُمُس العدد الذي كنٌا ننوي طبعه, وهنا لا بدٌ من ذكر "المهنيٌة" التي كان يتعامل بها معنا مدير المطبعة, وهو مدير سابق لفرقة أمن الدٌولة, كما نذكر تفاني ذلك الحارس المغربيٌ الأصل في منع تسلٌل أيٌ نسخة من الجريدة قبل الوقت المحدٌد. تعود الفجر من جديد ولا خشية عليها من مقصٌ رقيب, أو تعليمات يبلغها موظٌف عبر الهاتف تمنع نشر بيان هذا الحزب أو ذاك, أو تغطية هذه الحدث أو ذاك, ولعلٌ الفجر هي الوحيدة – حسب علمي- التي رفضت الخضوع لهذه التٌعليمات وآثرت القيام بواجبها الإعلامي على رضا سلطة الإشراف ولو أدٌى ذلك إلى حجزها وما ينجرٌ عنه من خسارة مادٌيٌة جسيمة. كان كلٌ عدد من أعداد "الفجر" مغامرة كبرى, يكتنفها من التٌشويق شيء كبير, و كانت كلٌ أسرة الجريدة تنتظر"المولود" الجديد و السٌماح بتداوله في السٌوق, انتظار ذلك الرٌجل الذي تخضع زوجته الحبيبة إلى عمليٌة قيصريٌة في غاية العسر و التٌعقيد, فتراه مرابطا أمام قاعة العمليٌات, يقطع البهو جيئة وذهابا و كلٌه آذان تلتقط أضعف الذٌبذبات المتأتٌية من تلك القاعة, متوتٌر المزاج, متلهٌفا لسماع خبر طال انتظاره له... تعود "الفجر" من جديد, و وضع الحرٌيٌات في البلاد قد استقرٌ في الحضيض, و بلغ التٌناقض بين خطاب السٌلطة و بين ممارساتها مداه, و وقع الالتفاف على أبرز إصلاحات دستور 1988, وعدنا القهقرى, و حقٌقت تونس 7 نوفمبر أرقاما قياسيٌة يخجل البررة من أبنائها من ذكرها, أرقاما لم تضاهَ من قبل و لن تضاه من بعد, فالمئات من الشٌباب ينخر أجسادهم الموت البطيء في السٌجون التٌونسيٌة من أجل أفكارهم واختلافهم في الرأي عن الحزب الحاكم, ومئات آخرون هجٌروا من البلاد وتفرٌقوا في أصقاع الأرض, و اكتووا بنار الغربة ولهيب مفارقة الأوطان من أجل نفس السٌبب, ومئات آخرون ممنوعون من السٌفر, و إن تمتٌعوا ب"كنٌش" صغير يدعى جواز سفر, دفعوا 25 يورو كأداء جبائي للحصول عليه, لكن ليس له في الواقع أيٌ اعتبار أو أيٌ من صلاحيٌات الوثيقة المتعارف عليها شرقا و غربا, و تطول قائمة الخروق و التٌجاوزات و الانتهاكات للمواثيق و العهود الدٌوليٌة في تواطؤ بغيض مع الأنظمة التي نصٌبت نفسها حامية لحقوق الإنسان ومدافعة عن الدٌيمقراطيٌة مع غضٌ الطٌرف, بل مع تشجيع الأحزاب الحاكمة في الغرب وكذلك مؤسٌسات الإتٌحاد الأوروبي, و غيرها من المؤسٌسات الدٌوليٌة, على المضيٌ قدما في نهج تستنكف هذه الأنظمة من أن توصف به بل تفقد شرعيٌتها بمجرٌد خرقها لأبسط تلك الحقوق, وتقوم قيامة شعوبها ولن تقعد, إن هي تجرٌأت على المساس بها... تعود"الفجر" من جديد, وفي القلب حسرة, وفي الأعين مآق تأبى أن تجفٌ, فمقرٌها الذي كان بالأمس قبلة الزٌملاء من مختلف وسائل الإعلام, و أسرة تحريرها التي كانت بالأمس خليٌة نحل لا تعرف الرٌاحة, قد أتى عليها ريب الزٌمان, فهذا أخونا سحنون يمضي شهيدا منتصب القامة, و هذا مديرها يقبع في السٌجن منذ أن نشرت الجريدة مقال الأستاذ النٌوري عن المحكمة العسكريٌة وعدم دستوريٌتها, وإن كان جملة من المحرٌرين قد قضوا أحكاما بالسٌجن مختلفة الطٌول فإنٌ عجمي الوريمي"هيثم" لا يزال يقاوم الموت البطيء الذي ينخر جسده كما ينخر أجساد إخوانه في المعتقلات التونسيٌة. و لكلٌ من ذكرت و لكلٌ من لم أذكر أقول: إنٌنا ما كنٌا لنخون عهدا قطعناه على أنفسنا و أمانة حمٌلناها طيٌبة بها أنفسنا كذلك و ما كنٌا لنغادر ثغرا قد نؤتى من قبله, و إنٌ من حبٌنا لشهدائنا و من وفائنا لهم أن نواصل جهادنا المبارك صابرين مصابرين لا مبدٌلين ولا مغيٌرين إلى أن يتحرٌر الإنسان من مختلف العبوديٌات التي ترهقه و الإصر و الأغلال التي تكبٌله و تعوق كدحه و انطلاقه. هذه إذا " الفجر " في متناولكم, وإنٌها لتفخر بمواصلتكم الدٌرب معها, كما أنٌها في انتظار مساهماتكم وإنٌ موعدنا الصٌبح... عبدالله الزٌواري جرجيس:29 – 8 – 2003