الصين.. روبوت يخرج عن السيطرة و"يهاجم" مبرمجيه!    عاجل/ مجلس وزاري مضيّق باشراف رئيسة الحكومة يقر هذه الإجراءات..    وزير التربية في ابتدائية أولاد بركة بفوسانة...المدرسة آمنة وسيقع التدخل على مستوى السور    تنصيب الأعضاء بمباركة الوزارة...تعاونية الرياضيين مكسب كبير    الاحتفاظ بمنحرف من أجل المضايقة والتهديد بواسطة آلة حادة لإمرأة محصنة..    كشفه التّحقيق مع فنان شعبي شهير: فنانون و«رابورات» ومشاهير متورّطون في تجارة المخدرات    المهدية: اختتام مهرجان الوثائقي الجوّال في نسخته الرابعة: الفيلم المصري «راقودة» يفوز بالجائزة الأولى    في تعاون ثقافي قطري تونسي ... ماسح الأحذية» في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما    أخبار فلاحية.. أهم الاستعدادات لعيد الإضحى وتأمين أضاحي سليمة    عاجل: الجيش الباكستاني يعلن تعرض البلاد لهجوم هندي بعدة صواريخ    البرلمان يصادق على قرض من البنك الإفريقي للتنمية قيمته 270 مليون دينار    وزير الداخلية يلتقي المديرة العامة للمنظمة الدّوليّة للهجرة    كاس العالم للاندية 2025: مباراة فاصلة بين لوس انجلس ونادي امريكا لتعويض ليون المكسيكي    ترامب: الحوثيون في اليمن استسلموا للولايات المتحدة    عاجل/ الحملات الأمنية ضد مروّجي المخدرات: حصيلة جديدة للايقافات    ديوان الحبوب : طاقة التجميع تصل ل 7.6 مليون قنطار    زغوان: امتلاء سدود وبحيرات الجهة بنسبة تتجاوز 43 بالمائة    انطلاق عملية تعشيب ملعب بوجمعة الكميتي بباجة    افتتاح مقر جديد بتونس للشركة السويسرية "روش فارما" بتونس وليبيا    السودان يقطع علاقاته الدبلوماسية مع الإمارات    عاجل/ الحوثيون يتوعّدون بالرد على العدوان الاسرائيلي والامريكي    مجموعة شعرية جديدة للشاعرة التونسية وداد الحبيب    فتحي النوري : 120 دولارًا شهريًا... تحويلات التونسيين بالخارج أقل من المعدل العالمي بكثير!!    عاجل/ وزير اسرائيلي: "سكّان غزّة سيرحلون نحو دولة ثالثة"    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو التونسيين إلى الإقبال على الأدوية الجنيسة    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    عصام الشوالي:'' ليلة أخرى من ليالي الأبطال.. إنتر وبرشلونة على جوزيبي مياتزا''    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    المهدية: تقديرات بإنتاج حوالي 115 ألف قنطار من الحبوب خلال الموسم الحالي    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    اختتام الدورة العاشرة لمهرجان "سيكا جاز"    68 بالمائة من التونسيين يستمعون إلى الموسيقى بصوت مرتفع ويتجاوزون المستوى العادي للاستماع (دراسة)    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    الإعلان الرسمي المرتقب عن موعد عيد الأضحى    قابس: وفاة شخصين وإصابة 8 آخرين في حادث مرور    منزل بوزلفة: القبض على قاصر وإحالته على التحقيق بتهمة إضرام النار في معهد ثانوي    وزارة الحج: خفّفوا الأمتعة وتفرّغوا للعبادة في المشاعر المقدسة    450 ألف دينار قيمة المحجوز: تفاصيل عملية احتكار الموز المورّد في نابل    هام/ تطوّرات الوضع الجوي خلال الأيام القادمة..    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    بعد نقصها وارتفاع أسعارها: بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    انطلاق محاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة 2"    مؤسسة "فداء" تدعو جرحى الثورة ممّن لم يتسنّ عرضهم على اللجنة الطبية إلى الاتصال بها    سيدي بوزيد: انطلاق أشغال المستشفى الجهوي بمعتمدية جلمة في موفى ماي الجاري    وزارة الرياضة تعلن عن مشروع إصلاحي في علاقة بخطة المديرين الفنيين الوطنيين للجامعات الرياضية    الدورة الثامنة لتظاهرة 'الايام الرومانية بالجم - تيتدروس' يومي 10 و11 ماي بمدينة الجم    العائلة التُونسيّة تحتاج إلى أكثر من "5 ملاين" شهريًا..!!    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    المنتخب التونسي في ثلاث مواجهات ودية استعداداً لتصفيات مونديال 2026    نصف نهائي دوري الأبطال: موقعة إنتر وبرشلونة الليلة    عاجل | تشديد شروط التجنيس في فرنسا يُقلق التونسيين المقيمين بالخارج    خبراء يحذّرون و يدقون ناقوس الخطر: ''فلاتر التجميل'' أدوات قاتلة    قليبية: ايقاف المعتدي على النساء بشفرة حلاقة    بطولة روما للتنس :انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا والرومانية بيغو    رئيس الجمهورية: يجب فتح باب الانتدابات بعد تخليص الإدارة ممّن تسلّلوا إليها واعتبروا المسؤولية امتيازات وغنيمة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصحيحات ضرورية بمناسبة إحياء ذكرى الإعلان ال(28)عن حركة الإتجاه الإسلامي:النهضة
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 06 - 2009


بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيحات ضرورية بمناسبة
إحياء ذكرى الإعلان ال(28) عن حركة الإتجاه الإسلامي (النهضة)

بقلم محمد شمام

هذه التصحيحات هي في الفقرات الثمانية التالية : بيان إحياء الذكرى مخالف للحقيقة!!!/ مفارقة !!!!!/ حقيقة حركة النهضة وأصولها/ لن يستطيع أحد أن يسلب منا حريتنا إلا بقدر قابليتنا لهذا السلب/ حركة النهضة بين المثالية الإسلامية والواقعية البراقماتية/ إننا نصنع لأنفسنا وللناس أوهاما تلهينا عن ذواتنا وعن المهمات الأساسية/ التدين الجديد مفارق لطبيعة سياسات السلطة وللغلو العلماني وللسمت العام الحالي لحركة النهضة/ الوضع التونسي شاذ وتحولاته نتوقع أن تكون أيضا شاذة/

(1) بيان إحياء الذكرى مخالف للحقيقة!!!:

بمناسبة ذكرى الإعلان الثامنة والعشرين (وأقول إعلان وليس تأسيس)، لفت انتباهي مقال ثم بيان حركة النهضة نُشِرا في المناسبة ، حيث تحدثا عن تأسيس حركة النهضة في 1981 وكأنها هي الحقيقة من ناحية ، وحيث تحدثا عنها حديثهما عن حزب سياسي يُحييان ذكراه من ناحية أخرى. وهذا حديث مخالف للحقيقة ، اختزل العمل الإسلامي الذي واكبتُه اختزالا أضاع فيه أصل وحقيقة هذا العمل وهو الدعوة إلى الله ، وما العمل السياسي إلا فرع من فروعها ورافد لها . وبدل أن يبقى يؤدي دوره ، إذا بهذا العمل الفرع والتابع يستحوذ على الكل ، ويقضي على الأصل ، حتى أصبحت البيانات التي تصدر في مثل هذه المناسبات لا يُفهم منها إلا أنها بيانات حزب سياسي ، وحتى إن تطرقت إلى موضوعات دينية فتجدها موضوعة في سياق سياسي.

(2) مفارقة !!!!! :

لقد كان بيان قيادة حركة النهضة الصادر بهذه المناسبة في مفارقة واضحة مع ما كتبه الشيخ راشد الغنوشي منذ بعض الأسابيع ، في مقال له نشره في موقع الجزيرة بعنوان "لماذا تسيّست الدعوة الإسلامية؟" حيث يقول :
(لئن اشتركت الحركات الإسلامية في مرجعية الإسلام كتابا وسنة وإجماعا، فهي تختلف في الصبغة العامة التي تصطبغ بها كل واحدة منها باختلاف الملابسات التي حفت بظهورها.
ففي بلد خاضع للاحتلال الأجنبي المرجح أن تكون هموم التحرير هي الغالبة عليها، بينما في بلد يعاني من تأثيرات الغزو الثقافي والعلمنة الطاغية على هوية البلاد الإسلامية المنتظر أن يكون الهمّ الأعظم للحركة الإسلامية الدفاع عن مقومات الشخصية الإسلامية ومواجهة ضروب العلمنة السائدة مواجهة فكرية عقدية وتربوية، وهو ما كان عليه الأمر في تونس نهايات الستينيات من القرن العشرين المنصرم...)
ثم يضيف في النقطة الثانية من هذا المقال :

(ولدت الحركة الإسلامية بدايات السبعينيات، دعوة تجديدية لأصول الإسلام وللالتزام بشعائره، صلتها بالسياسة اليومية رقيقة، ولدت كأحد أهم دفاعات المجتمع التونسي عن مقومات شخصيته ووجوده واستمراره عربيا مسلما وامتدادا للأمة، وليس تابعا صغيرا لأمم الغرب.
ولأن الطلب كان قويا على مقومات هذه الهوية بسبب تفاقم الشعور بالخطر فقد نمت بسرعة، فأعادت بفضل الله الحياة للمساجد وللمصاحف وللشعائر ولقيم الإسلام، تجسّر العلاقة بينها وبين عالم الحداثة في معاهد التعليم والجامعة والإدارة، وتمتدّ بها تباعا إلى كل مؤسسات المجتمع النقابية والثقافية والسياسية انطلاقا من منظور الإسلام التوحيدي الشامل الذي يدعو المؤمنين ليعبدوا الله الواحد الأحد بكل نفوسهم وفكرهم وجوارحهم مخلصين له الدين في كل مسالكهم ومناشطهم، وإلا فهو الشرك الظاهر أو الخفي.)(*)
هذا كلام جيد جدا من الشيخ - وأنا هنا لا أتحدث عن المقال الذي فيه ما يقال - كان يمكن الاكتفاء به لولا أن البيان كان يحمل إمضاءه ، مما يعني أن قناعة الشيخ الواردة في مقاله هي غير قناعة الجهة التي أصدرت البيان . إن الأمر يحتاج إذن إلى مزيد بيان ، وهو ما دفعني للعودة إلى حوار كتابي لم يُنشر - أجرِيَ معي بمناسبة ذكرى الإعلان في السنة الفارطة - فعُدتُ إليه تهذيبا وتعديلا حتى استوى كما يلي :

(3) حقيقة حركة النهضة وأصولها :

قبل الإجابة على الأسئلة أرغب في الحديث عنها جملة ، حيث لفت انتباهي نوعيتها وموضوعاتها التي تدور كلها حول السياسة وما يتعلق بها من صراع... بما لا يذهب في خلد القارئ والسامع إلا أنه أمام حزب سياسي وذكرى تأسيسه. وهذا غلط بالكامل وكأن الحديث هو على كيان آخر وليس على حركة النهضة التي عايشنا أيامها ومراحلها وحلوها ومرها.....

ويبدأ التأسيس لهذا الغلط من تعبير "ذكرى التأسيس"، حيث إنه تعبير معبر جدا عما هو حاصل في واقع الحال. إنه تعبير يقطع ما حصل في جوان 81 عن جذوره التي بدأت أوائل السبعينات، وعقدت مؤتمرها التأسيسي في 79. إن ما تم الإعلان عنه في 81 – بغض النظر عن ملابسات هذا الإعلان- هو تلك الحركة المؤسسة في 79 والمتجذرة في الواقع منذ أوائل السبعينات، إعلانا جاء في أصله ليعبر على تلك الحقيقة القائمة في الواقع، والمدونة في مواثيق ونصوص، وعلى روح عامة يحملها كل أبنائها وقتها. لم يكن الإعلان إلا فرعا عن كل ما سبق وليس أصلا ولا مرجعا إلا بقدر ترجمته للأصول وللحقيقة.

إن الأمر أصبح يقتضي الآن العودة إلى تلك الأصول وإلى تلك الحقيقة، وإلى التذكير بها والاحتكام إليها.
إن الحركة الإسلامية التي سمّيت بعد ذلك الجماعة الإسلامية بتونس، ثم الاتجاه الإسلامي، ثم حركة النهضة، بدأت بأقدار كبيرة من العفوية والتلقائية والفطرية، وكان همّها ومشروعها وهدفها الإسلام ، تمثلا ودعوة وتمكينا له في تونس. وأما مضمونها فكان يتمثل في:

أولا: اللهُ الواحد - كما تُعرِّفنا به أسماؤه الحسنى - هو ربُّنا ومولانا، وهو غايتنا في كل شأننا وعملنا.

ثانيا: القرآنُ الكريم ، باعتباره رسالة ربنا إلينا وإلى كافة التونسيين والناس أجمعين ، ليكون دستور حياتنا ، حاكما ومهيمنا على كل المراجع الأخرى بإطلاق.

ثالثا: وسنةُ نبينا الشريفة ، باعتبارها منهاجنا المرشد في فهم رسالة ربنا وفي تطبيقها.

هذه هي أصول حركتنا التي قامت عليها وانطلقت منها واستصحبتها طوال السبعينات، وكانت محطة 79 لتقعيد وتأسيس هذا الوجود. وكل ما جاء بعدها وانضاف إليها هو من قبيل التفاعل والتطور والتوسع والتفريع والتنويع... لا ينبغي أن يمس تلك الأصول وتلك الحقيقة التأسيسية. وأي مسّ بها هو انحراف ولا شك ينبغي أن يصحح .

هذه هي حقيقة حركتنا فأين نحن منها الآن؟ يجيب عن بعض هذا السؤال الجواب عن السؤال الموالي:

(4) لن يستطيع أحد أن يسلب منا حريتنا إلا بقدر قابليتنا لهذا السلب :

* س 1 : تمرّ الذكرى السابعة والعشرون لتأسيس حركة النهضة – الاتجاه الإسلامي سابقا - والحركة لم تسترجع حريتها التامة في التحرك والنشاط السياسي والدعوي. هل يمكن رسم الملامح الكبرى لتطور وضع الحركة منذ تأسيسها إلى اليوم؟

** ج 1 : قبل أن أجيب لي ملاحظتان على صياغة السؤال:

الأولى: نحن بصدد إحياء ذكرى الإعلان وليس التأسيس كما تقدم بيانه.

الثانية: هل استرجعت الحركة حريتها الناقصة حتى نتحدث على حريتها التامة ؟ هذا بمنطق ومنظور السؤال نفسه، وهو منطق ومنظور خاطئان .

وأما جوابا على السؤال فأقول :

نحن أحرار ولن يستطيع أحد أن يسلب منا حريتنا إلا بقدر قبولنا لذلك، أي بقدر قابليتنا، فاللوم لا ينبغي أن يوجه بالأساس لغيرنا ولكن لأنفسنا ، من غير أن يُنقِص هذا من جرم مرتكبي المظالم في حق تونس والتونسيين . إذا أردنا الحرية فلنتوجه إلى أنفسنا لتحريرها وتخليصها من قابلية سلب الحرية ، وهذا ما يركز عليه الإسلام .

قد يظن البعض أن هذه مثاليات لا علاقة لها بالواقع ، ولكن هل ما رأيناه من أهل غزة وأحداث غزة غير أن هذه المثاليات هي حقيقة لا ريب فيها ، كما بينتُ في الحلقات 7 و8 و9 من موضوع "هل أحداث غزة محرقة أم صمود ومقاومة؟" .

لقد جاء الإسلام ليعيدنا إلى الله ، وليحرّرنا من كل ما سواه ، دنيا وعبادا وأشياءا... ولذلك فالمدخل في التغيير ليس الآخر الذي لا يقدر أن يعطينا شيئا من الحرية، ولكن المدخل هو أنفسنا بتحريرها من كل القابليات السلبية، حتى نجد حريتنا في الواقع الموضوعي طوعا أو كرها.

(5) حركة النهضة بين المثالية الإسلامية والواقعية البراقماتية :

وعودة إلى أصل سؤال (هل يمكن رسم الملامح لتطور وضع الحركة منذ تأسيسها إلى اليوم؟) أقول :

لن أذهب وأنحو في الجواب إلى الجانب الشكلي في وضع الحركة ، ولكن إلى الجانب المضموني لأنه هو المعبّر حقيقة على وضع الحركة ، ولا يعدو جانبها الشكلي إلا أمرا ثانويا.

انطلقت هذه الحركة حركة إحيائية تجديدية تستهدف إعادة الاعتبار للإسلام دعوة وممارسة وتمكينا له في القلوب وفي البلاد وفي الحياة، وذلك في كل الشأن الفردي والشأن العام. وشقّت هذه الحركة وهذه الدعوة طريقها حتى أخذ يصلب عودها.

انطلقت هذه الحركة من المثال الإسلامي، وهو ما كانت تحتاجه في مهمتها المحورية وقتها، إلا أنه خاصة في أواخر السبعينات، بدأت تتطلع إلى تنزيل ذلك المثال على الواقع، فدخلت بذلك معمعة معقدة جدا بالنظر لتعقد الواقع.

ومع هذا التطلع بدأ يحضر في الأذهان الواقع وصفة الواقعية في الإسلام. وجاهدتْ مسيرة الحركة أن تتمثل صفة الواقعية هذه مستصحبة صفة المثالية، ولكن الظروف والأوضاع والمحن حالت دون تطور هذا الأمر بشكل سليم وبتوازن ، حيث أخذ مع الزمن يحضر الواقع ومتطلباته ومقتضياته، وأخذ يغيب المثال وملازمه ومجالاته التربوية والدعوية. إن صفة المثالية وحضور المثال كان هو الغالب إلى حد مؤتمر 1979، ومنذ الإعلان في 1981 أخذ يقوى حضور الواقع وصفة الواقعية حتى أصبح هو الغالب في 1990 من غير أن تغيب صفة المثالية. ومنذ 1992 بدأ يغيب حضور المثال وصفة المثالية إلا في النصوص والأوراق والخطط . وكانت المدة بعد ذلك كافية لإضعافه ضعفا خطيرا، حتى غدا العديد من إخواننا تكاد تحكمهم في سلوكهم ومواقفهم - في القضايا الحرجة وقضايا الاختلاف والصدام مع الآخر- الواقعية بالكامل (البراغماتية)، في إطار منحى مقاصدي عام ، وأصبحوا ينزعون إلى تقليص مثالية الإسلام إلى هذا المستوى المقاصدي .

وللدقة أقول : ليس المطلوب فقط الجمع بين المثال الإسلامي والواقعية، بل المطلوب جمعهما بترتيب ، بوضع هذه الواقعية في إطار مثالية الإسلام . وأما في صورة عكس هذا الترتيب بوضع مثالية الإسلام في إطار الواقعية ، فهو عكسٌ يفتح الباب عريضا لطغيان ما هو طاغ في الواقع على العمل الإسلامي، وهو ما كان ، ومنه كان طغيان السياسة الاستحواذي الذي تقدم الحديث عنه .

(6) إننا نصنع لأنفسنا وللناس أوهاما تلهينا عن ذواتنا وعن المهمات الأساسية :

* س 2 : 2009 سنة انتخابية في تونس، والجدل قائم بخصوص العوائق القانونية أمام ترشّح رموز سياسية معارضة مثل محمد نجيب الشابي. ما هو موقفكم من هذا المسار الانتخابي ؟ وما هي توقعاتكم لنتائج هذه المحطة الانتخابية؟

** ج 2 : هل هناك سياسة وعمل سياسي حتى يصبح لمثل هذه الكلمات مدلول ومعنى؟ إننا نصنع لأنفسنا وللناس أوهاما ألهتنا عن ذواتنا لدرجة يكون السؤال الأوْلى هو: هل نكون وقت تلك الانتخابات أو لا نكون؟

إن السياسة هي من ساس يسوس سياسة، أي قاد يقود قيادة. فالسياسة قيادة، فهل يفلح في قيادة الشأن العام من لم يفلح في قيادة شأنه الذاتي، في مستوى السلطة والأحزاب والهيئات والمجموعات، بل وفي مستوى الأسر والأفراد.

قد يفهم من كلامي هذا أني متشائم، أو يائس من صلاح تونس والتونسيين . وأقول بل على العكس تماما ، فالمعروف عني لدى إخواني أني متفائل، وأن عموم التونسيين بكل فئاتهم وأصنافهم ينطوون عن خير كامن ،لا زال لم يجد بعد طريق الظهور وكيفية هذا الظهور، وكلامي يريد أن يدفع في هذا الاتجاه بالصدق والجدية مع أنفسنا ومع بعضنا، وبمراجعة كل شأننا.

هكذا يكون الإعداد للانتخابات فيكون على المدى البعيد خيرا لتونس وكل التونسيين.

(7) التدين الجديد مفارق لطبيعة سياسات السلطة وللغلو العلماني وللسمت العام الحالي لحركة النهضة :

* س 3 : ما هي قراءتكم للآثار الاجتماعية والثقافية والسياسية المترتبة عن محاولة استئصال حركة النهضة داخل تونس وفي محيطها الإقليمي؟

** ج 3 : الآثار كما تبدو كبيرة ، كما هي جلية في مستوى أفرادها وقياداتها . وليست هي فقط ما هو ظاهر منها للعيان على المستوى المادي والنفسي والصحي ، بل هي أيضا في الجوانب غير الظاهرة النفسية والفكرية والإيمانية ، وبنفس قدر الآثار الظاهرة أو أكثر...

وهذه الآثار الحاصلة في مستوى الأفراد أقدّر أنها هي بنفس القدر في خصوص الكيان الجماعي ( حركة النهضة). ورغم هذه الأضرار الكبيرة والخطيرة فقد صمد عموم الأفراد وثبتوا ولم يسقطوا، كما صمد الكيان هو أيضا وثبت ولم يسقط ، وهو الآن – رغم كل أوضاعه - متحفز إلى التجدد والاستئناف.

هذا في خصوص الأفراد والحركة ، أما في خصوص المشروع الإسلامي فهو فوق أن يطاله أحد لأنه موصول بالأمة الإسلامية ، وموصول بالقرآن المحفوظ من الله إلى قيام الساعة، وموصول بقدَر رباني في تجديد هذه الأمة بين الحين والآخر، كما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : " يبعث الله على رأس كل مئةٍ من يجدّد لهذه الأمة دينها".

وأما الواقع العام التونسي الذي تعيش فيه حركة النهضة ، ويعيش فيه أفرادها ، ويعيش فيه المشروع الإسلامي ، فمَثل ما حصل له من جرّاء خطة تجفيف ينابيع التدين وخطة الاستئصال مَثل أرض تمّ حصْد نباتها وقطع أشجارها حتى غدت هشيما تذروه الرياح، ولكن لم تلبث أن أصابها غيث من الأمة فأنبتت من جديد صحوة وتدينا في كل مكان . هو تدين ولا شك فيه الكثير مما يمكن أن يقال كشأن أي نبت عفوي ، إلا أنه تدين ليس كتدين الصحوة السابقة . وأهم خصائص هذا التدين ، الثلاث التالية :

أولا: هو تدين متحرر ومنساب في كل المواقع وفي كل الفئات ، مستعص على الضبط والتحكم كما هو هدف أصحاب خطة تجفيف ينابيع التدين.

ثانيا: وهو تدين متجذر تجذرا مستعصيا على العلمنة رافضا عنيدا لها ، ومقاوما شرسا، وذلك كرد فعل على غلو وتطرف العلمانيين في تونس.

ثالثا: وهو تدين متجذر في صفة الانكار للمنكر وللظلم الواقع على الدين كرد فعل على الظلم والقمع وارتكاب المنكرات والمعاصي والاستهتار بالدين خاصة من السلطة.

هذا هو النبت الجديد للتدين في تونس ، وهو بسماته الجديدة مفارق مفارقة جذرية لطبيعة سياسات السلطة التونسية إلا أن تصحّحها، ومفارق للغلو العلماني إلا أن يعتدلوا ويرجعو. بل هذه المفارقة هي أيضا مفارقة مع حركة النهضة كما انتهت إليه في اهتماماتها وسمْتها العام إلاّ أن تتدارك نفسها وتتجدد.

(8) الوضع التونسي شاذ وتحولاته نتوقع أن تكون أيضا شاذة:

* س4 : إقليميا، شهدت منطقة المغرب العربي الإسلامي تطورات سياسة إيجابية، آخرها مشاركة الحركة الإسلامية الموريتانية في السلطة. أين موقع تونس في خضم هذه التطورات؟ وما تأثير تفعيل مشروع اتحاد المغرب العربي وإرساء مشروع الاتحاد المتوسطي على ملف التعددية السياسية في المنطقة، خاصة ما يتعلق بمشاركة الطرف الإسلامي ؟

** ج 4 : إن الحالة التونسية هي حالة شاذة في المغرب العربي الإسلامي وفي العالم العربي والإسلامي أيضا. وهو شذوذ يعيق إلى حين التطور الطبيعي للواقع التونسي ، وله أضراره الكبيرة والجسيمة، ولكنها هي إعاقة تعطيل تعطي فسحة لتتمتن أسس التدين والحرية بما تصبح به مؤهلة لحمل بناء حضاري راسخ ومرتفع. وأما جسامة الأضرار فذلك تأهيل للبناة الراسخين، وشهادة دعوة للناس أن المبذول من أجله هو أغلى من كل ذلك.

وتبعا لهذا فأنا أتوقع أن تتطور الأوضاع في تونس غير تطورها في البلاد الأخرى ، سرعة وكمّا ونوعا. فإذا داهمتنا تلك التطورات من دون تأهّل ذاتي لها ، فقد تأخذ مسالك خطيرة على الدين والبلاد والعباد. نسأل الله السلامة لتونس وأهل تونس .
(*) ولمن يريد المزيد يمكنه الرجوع للنص الكامل:
ركن "المعرفة" بموقع الجزيرة.نت (الدوحة - قطر) بتاريخ 23 مارس 2009
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/57A97275-8B47-4B05-9AB9-6E65D19280AF.htm
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.