لا يعرف منذ اعتماد قانون مكافحة الإرهاب عام 1993 وما تبعه من تدابير تحفيزية لفائدة الإرهابيين، إن كانت مقاييس الاستفادة منها تمت في شفافية ولم تستثن أي شخص مؤهل لها. هذه ملاحظة أبلغها للقضاة الكثير من المحاكمين في قضايا إرهاب، ممن يرون أن أفعال أمرائهم السابقين أزيلت بجرة قلم فيما لايزال هم محل متابعة قضائية. لما وقف احميد علالو، أكثر المقربين من أمير الجماعة السلفية سابقا، حسان حطاب، أمام القاضي قبل أسبوعين، قال له إنه لا يستسيغ أن يستثنى من تدابير المصالحة التي تعني عفوا عن كل أعمال الإرهاب المنسوبة له، في حين أن رئيسه في الجماعة الإرهابية سابقا عاد إلى الحياة العادية مستفيدا من المصالحة. ولفت العديد من المسلحين الموقوفين من أتباع عبد الرزاق البارا، عناية القضاة لهذه ''المفارقة'' أيضا. فهم يعتبرون أن عدم محاكمته منذ تسلمه من ليبيا في أكتوبر 2004، معناه أنه معني بتدابير المصالحة أو العفو الشامل المرتقب، الذي يثار بشأنه كثير من الجدل دون أن يعرف أحد على ما ينطوي بالتحديد. مساجين معنيون بإجراءات قانون السلم ويقبع في غالبية المؤسسات العقابية حاليا، مساجين يزعم محاموهم أنهم معنيون بإجراءات ميثاق السلم والمصالحة التي صدرت في فيفري 2006، على أساس أن التهم الموجهة إليهم تقع خارج الاستثناءات الثلاثة وهي: المشاركة في المجازر الجماعية واقتراف جرائم اغتصاب ووضع متفجرات في الأماكن العامة. وإن كان لا يعرف عددهم بالتحديد، فإن بعضهم استأنفوا الأحكام التي صدرت ضدهم وهؤلاء غير مؤهلين قانونا للاستفادة من المصالحة، وترجح مصادر قضائية إدراجهم ضمن العفو الشامل الذي لمّح الرئيس بوتفليقة إلى إصداره عبر استفتاء شعبي خلال العهدة الثالثة. ويتفق القانونيون على أن تدابير نصوص الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية، هي بمثابة عفو كلي عن أفعال الإرهابيين كأفراد بما أنها تلغي نظريا كل أشكال المتابعة القضائية التي تلاحقهم، وتمكنهم من الحصول على صحيفة سوابق قضائية بيضاء. غير أن الملاحظ أن هذه التدابير طبقت وفق ''مقاييس مزدوجة'' حتى بين قادة العمل المسلح أنفسهم. فالكثير من الذين سلموا أنفسهم أو ألقي عليهم القبض من قيادات في الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا، لازالوا محل متابعة قضائية خلافا لقياديين آخرين من نفس التنظيم أو من تنظيمات أخرى، أمثال مدني مزراف وعبد الحق لعيايدة، وإن كان الأخير يشتكي من عدم استعادة كامل حقوقه مثل جواز السفر. ولايزال من ''أغفلتهم'' المصالحة يتلقون استدعاءات للمثول أمام العدالة مع أنهم عادوا إلى الحياة العادية منذ سنوات، ويقع هؤلاء تحت طائلة الاعتقال في أية لحظة، لأن تهمة الإرهاب تظل تلاحقهم، وهو وضع غريب لا يعرف في أي نص قانوني يمكن تصنيفه. ويطمح هؤلاء إلى استدراك حالاتهم في تدابير العفو الشامل المنتظر الذي يعتبره بوتفليقة آخر جرعة على صعيد إجراءات التهدئة التي اتخذتها الدولة منذ مطلع التسعينات. المعالجة بين مجلس قضائي وآخر ولاحظ متابعون لملفات التائبين في العدالة، أن معالجتها تختلف من مجلس قضائي لآخر. ففيما أصدرت غرفة الاتهام بمجلس قضاء البليدة مثلا عشرات قرارات إلغاء المتابعة، رفضت غرفتا الاتهام بمجلسي الجزائر وبومرداس الانخراط في نفس النهج في قضايا مشابهة من حيث الأفعال والتهمة، وهو وضع غريب من الناحية القانونية ولا أحد من مسؤولي قطاع العدالة فسر الازدواجية في تطبيق القوانين المحفزة على ترك العمل الإرهابي.