لا يفوت الحرافة والشبكات المحترفة أية فرصة في التخطيط والتنفيذ، سواء تحت جنح الظلام أو في ساعة مبكرة من الصباح. خصوصا وأن تحسن الجو منذ أسابيع، وارتفاع درجة الحرارة وهدوء أمواج البحر، تعد ظروفا مناسبة للانطلاق في رحلة البحث عن ''الجنة''. يقول مصدر أمني يشتغل على ملف الهجرة غير الشرعية أن البحث عن أقرب نقطة انطلاق من السواحل الجزائرية وصولا إلى إسبانيا أو إيطاليا، هو الهدف الأسمى للحرافة الذين لا يضعون في الحسبان بعد المسافة بين مقر إقامتهم ونقطة الإبحار. وأثبتت التحريات الأخيرة، بأن ''الحرافة الذين يتم توقيفهم في عرض سواحل عنابة مثلا، قدموا من ولايات بعيدة على غرار البليدة وسكيكدة والجزائر العاصمة''، وهذا طمعا في الإبحار أقل وقت ممكن وصولا إلى جزيرة سردينيا الإيطالية، وهو الوضع نفسه بالنسبة للقالة وعين تيموشنت والشلف. وفي الوقت الذي لا تزال سواحل عنابة تصنع الحدث مع قوافل الحرافة، التي تحبط أغلب محاولاتهم، وبلغ عددهم المائة في ظرف أسبوع واحد، يتسلل الشباب في قوارب الصيد انطلاقا من شواطئ مدينة دلس في بومرداس، التي لا تزال تستقطب الباحثين عن الوصول بأمان إلى ما وراء البحر. دلس...و''أبراج'' المراقبة يستغل هؤلاء المرتفعات الجبلية المحاذية للسواحل من أجل رصد تحركات حرس السواحل، قبل الخوض في أولى المغامرات. ويحدث هذا في ميناء دلس (40 كلم شرق بومرداس)، الذي سجل أولى رحلات قوافل الحرافة نحو إسبانيا. وتبقى منطقة ''المطل'' في دلس، أفضل محطة للانطلاق. وتشير المعلومات إلى أن أغلب قوافل الحرافة انطلقت رحلاتها من هذه المنطقة بالقرب من المنارة، وبعد أن اكتشفت مصالح الأمن وحرس السواحل هذا المكان، كثفت من عمليات الحراسة والمراقبة لإحباط أي محاولة أخرى. وأمام هذا جمدت عصابات الحرفة نشاطها، وتم تغيير الخطة، عن طريق ''التمويه''، والتي ترتكز أساسا على الخروج إلى عرض البحر في قوارب الصيد حتى لا يشتبه فيهم، يخرجونها عن محيط الولاية أصلا، وصولا إلى تيفزرت في تيزي وزو، والتي تبعد بحوالي 20 كلم عن ميناء دلس، ويتم الاتفاق مع الحرافة من أجل انتظارهم هناك ونقلهم إلى ما وراء البحر. وتفيد التحريات التي باشرتها مصالح الأمن وحرس السواحل، بأن ''من يقودون عمليات ''الحرفة''، هم من البحارة الذين يحيطون بكل كبيرة وصغيرة، ويزودون ''الحرافة'' بكل التفاصيل الخاصة بالوجهة التي يسلكونها''. وفي وقت سابق كانت تكلف رحلة الهرب حوالي 12 مليون سنتيم، بالاتفاق مع صاحب القارب الذي يلزم كل مرشح للحرفة بتسديد المبلغ المستحق عليه. أما اليوم فهي تتعدى الثلاثين مليون سنتيم، ولكن أغلبها لا يتم عبر دلس وإنما عبر منافذ أخرى تبقى محصورة على عدد قليل من المغامرين من أبناء المنطقة. ومع مرور الوقت تحولت ''الأنترنت'' والمعلومات البحرية إلى أهم وسيلة يستعين بها الحرافة في تعميق معارفهم حول طرق الإبحار والمد والجزر والتيارات البحرية التي تمكنهم من العبور بسلام إلى إسبانيا وإيطاليا. ويدرس المغامرون اتجاه الرياح والتيارات البحرية، على عكس ما كان يحدث في السابق حيث تستغل أجهزة ''الجي بي آر آس'' من أجل تحديد الاتجاه فقط. كما أن التخييم في السواحل المحاذية للغابات، يمكنهم من تحديد ساعة الإقلاع بعيدا عن أعين الحراسة.