خلال الأسابيع الأخيرة صعّد النظام المصري من حملته الأمنية ضد جماعة الإخوان المسلمين، وتوج ذلك باعتقال عدد من عناصر القيادة في الجماعة على رأسهم الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، وعضو مكتب الإرشاد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح. والحال أن الهجمة على الإخوان لم تتوقف فصولاً منذ سنوات طويلة، وكانت تتم وفق منهجية حشرهم ضمن سقف معين لا يغادرونه، حيث يجري إشغالهم بمسلسل لا يتوقف من الاعتقالات والقضايا التي تطال رموزهم؛ بخاصة الأقدر على الفعل والتأثير. واللافت أن القفزة التي حققوها في انتخابات مجلس الشعب 2005، بفوزهم بحوالي خُمس مقاعد المجلس (88 مقعدا) لم توقف مسلسل الاستهداف الذي غالبا ما يأخذ طابعا أمنيا، حيث توجه لرموز الجماعة في المحاكم العسكرية تهمة «العمل على إحياء جماعة محظورة». والحق أن أحدا لا يأخذ على محمل الجد تلك القضايا التي تلفق للإخوان، رغم أن أحدا لا يجرؤ على التشكيك في نزاهة القضاء خوفا من القانون، والنتيجة أننا إزاء قضايا تخترعها أجهزة الأمن، وهي لا غيرها من يقرر شكل الأحكام باستثناء هوامش لا تذكر كي يحافظ القضاء على هيبته. يجدر التذكير هنا بأن الأجهزة الأمنية في مصر، وعلى رأسها دائرة المخابرات لا تزال اللاعب الأكثر أهمية في الساحة السياسية، بل إنها تتحكم حتى في السياسة الخارجية، بدليل أنها هي لا غيرها التي تمسك بملفات التعامل مع الشأن الفلسطيني والعراقي والسوداني على سبيل المثال. من المؤكد أن الإخوان قد نظروا إلى فوزهم في انتخابات 2005 بوصفه محطة مهمة لاستعادة قوتهم ودورهم، لكن النظام كان لهم بالمرصاد، حيث لم يكتف بحرمانهم من الفوز بأية انتخابات تالية، بما في ذلك الجولة الثانية من ذات الانتخابات التي كان لهم فيها ثلة من المرشحين الأقوياء، فضلاً عن انتخابات مجلس الشورى والمحليات، بل أضاف إلى ذلك تصعيدا لافتا في موجة القمع بحقهم. وفي حين جاء السماح بفوزهم نتاج ضغوط أميركية تتعلق بالإصلاح، فقد جاءت الحملة عليهم وعلى قوى المعارضة نتاج صفقة مع إدارة جورج بوش عنوانها تجاوز ملف الإصلاح مقابل الانسجام مع تلك الإدارة في الملفات التي تهم الدولة العبرية، وعلى رأسها الملف الفلسطيني والعراقي. ولا شك أن ملف التوريث كان حاضرا في السياق تبعا لكونه الهاجس الأهم بالنسبة للنظام خلال السنوات الست الأخيرة. إذا عدنا إلى الحملة الأمنية الأخيرة على الإخوان، فإن بالإمكان القول إنها نتاج التأكيد على ذات الصفقة المشار إليها، والتي جددتها إدارة أوباما «الديمقراطية» مع النظام المصري وعدد من الدول العربية الأخرى، والمتمثلة في تجاهل الديمقراطية والإصلاح مقابل سياسة خارجية تنسجم مع المصالح الأميركية الإسرائيلية. هذه الصفقة هي التي سمحت بتصعيد مسلسل القمع الجديد، فضلا عن اقتراب لعبة التوريث، في وقت يتحدث فيه المراقبون عن إمكانية حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات مبكرة تفضي إلى التوريث قبل وفاة الرئيس، ربما لاعتلال صحته. يقال أيضا إن للضغط الجديد على الإخوان صلة بملف حماس في قطاع غزة، وحيث يطلب إليهم الضغط على الحركة من أجل تليين مواقفها في الحوار مع السلطة، وفي العموم فإن المطلوب من الإخوان فضلا عن تمرير التوريث والضغط على حماس، هو البقاء المزمن ضمن الدائرة التي رسمتها لهم أجهزة الأمن، وهي دائرة تمنح السلطة مزيدا من الشرعية وفق لعبة ديمقراطية مبرمجة لا تغير شيئا في منظومة الواقع، مع العلم أن «الكوتا» التي منحت لهم في انتخابات 2005 ستكون برسم التراجع الكبير في المرة المقبلة. من هنا ليس أمام الإخوان إذا أرادوا تجاوز الأزمة سوى التمرد على هذه اللعبة المبرمجة، مستثمرين حالة السخط الشعبي الواسع النطاق، وذلك من خلال نضال سلمي يجترح أدوات جديدة تتحدى النظام بالتدريج وصولا إلى تغيير حقيقي من المؤكد أنه سيؤدي إلى تغيير في عموم المنطقة. لقد آن لإخوان مصر وسائر الحركات الإسلامية أن يتمردوا على لعبة الديمقراطية البائسة القائمة، الأمر الذي لن يتم من دون بعض التضحيات، وقد آن لهذه الأنظمة التي عاثت فسادا في الداخل، بينما تراجعت أمام سطوة الخارج أن تتغير بعدما ثبت أن إصلاحها بشكل حقيقي أمر مستحيل. • كاتب أردني العرب القطرية 2009-07-08