الرباط : لأول مرة منذ صدروها قبل ثلاث سنوات، اطلت صحيفة 'المساء' المغربية المستقلة، الجمعة، بدون مقال 'شوف تشوف' الذي يكتبه يوميا مديرها رشيد نيني على صفحتها الاخيرة مرفوقا بصورته.وغياب مقال نيني الذي استبدل بالسواد وكذلك صورته، لم يكن بسبب مرض او غياب عن البلاد، بل احتجاجا على 'المجرزة' التي تتعرض لها الصحافة المغربية المستقلة من خلال الغرامات المالية الباهظة التي تفرض عليها، ولصحيفة المساء نصيب الاسد منها، حيث تجاوزت بالنسبة لها وحدها خلال السنة الماضية ما يقارب المليون دولار. واستبدال نيني لمقاله وصورته بالسواد مخالف لقرار الفيدرالية المغربية لناشري الصحف التي دعت الى البياض لا الى السواد، وقد تكون المخالفة متعمدة لثقل ما فرض عليه من احكام وغرامات مالية كان آخرها الحكم عليه بما يعادل 130 الف دولار ومثله من صحيفتين أخريين لفائدة الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي. واكتفى رشيد نيني مكان مقاله امس باربع كلمات 'حذفت نتيجة الاحكام المجنونة'. ومع صحيفة 'المساء' صدرت الصحف المغربية المستقلة بمساحات بيضاء بدل افتتاحيات او مقالات مديريها، وذلك بناء على قرار الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بعد اجتماع طارئ يوم الجمعة الماضي، عقد 'لتدارس الوضع المقلق للصحافة المكتوبة بالمغرب، بعد الأحكام القضائية الخطيرة التي تعرضت لها أربعة منابر صحافية في أسبوع واحد.' وقضت محكمة من الدرجة الاولى بالدار البيضاء بتغريم كل من صحيفة 'المساء' و'الأحداث المغربية' و'الجريدة الأولى' بمليون درهم (130 الف دولار) لصالح الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وتعويضا له بعد ادانتها بتهمة 'المس بشخص وكرامة رئيس دولة' بعد متابعة قضائية للنيابة العامة بناء على دعوة رفعها مكتب الاخوة (السفارة الليبية) بالرباط بعد صدور مقالات بصحف 'الجريدة الأولى' ( 18 تشرين الثاني/نوفمبر2008) والأحداث المغربية (30 تموز/ يوليو 2008) و'المساء' (19 كانون الثاني/يناير2009) اعتبرها الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي تتضمن اساءة له وطالب دفاعه بتعويض مالي مدني يبلغ 30 مليون درهم تؤديه كل يومية من اليوميات الثلاث وبعد هذا الحكم رفعت محكمة من الدرجة الثانية بنفس المدينة ثلاثة اضعاف حكما ابتدائيا بالغرامة ضد مجلة 'إيكونومي إي أنتروبريز' لصالح شركتي المامونية و'بريماريوس' ليصل الى حوالي 500 الف دولار. ووصفت الفيدرالية سلسلة الاحكام ب'المهزلة السوريالية' التي لا تخدم البلاد، لأنها تمس إحدى دعامات الديمقراطية، ألا وهي حرية التعبير والنشر وقالت 'أن هناك 'جهات' تريد دفع الصحافة إلى تبني رقابة ذاتية وتطويع المنابر الإعلامية حتى تصير كلها ناعمة' بعد ان اصبحت تضيق ذرعا بجرأة الصحافة وتتعامل معها باحتقار، في غياب تام لمخاطب قادر على لعب دور حلقة الوصل بين الصحافة ومن يهمهم الأمر لتفادي سوء الفهم الذي أوصلنا إلى مستوى هذا التشنج، الذي يهدد ثوابت حرية التعبير بالمغرب.' ورفع الغرامات المالية شكل خيارا لصانع القرار المغربي كبديل عن العقوبات الحبسية والسالبة للحرية التي يكون لها صدى سلبي محلي ودولي، ان كان، لدى منظمات حقوق الانسان او الهيئات والمنظمات النقابية. وحسب اوساط مطلعة فإن تبني هذا الخيار جاء بناء على نصيحة دولة اوروبية تجد نفسها في وضع غير مريح لعدم الوقوف في وجه احكام سالبة للحرية ضد صحافيين او اغلاق صحف او منع صحافيين من الكتابة وهي الاحكام التي كانت تتهاطل على الصحف والصحافيين المغاربة. وكانت بداية الاحكام بالغرامات الباهظة ما صدر ضد اسبوعيات لصالح وزير سابق بالخارجية اتهمته باختلاس اموال السفارة المغربية في واشنطن حين كان سفيرا لدى الولاياتالمتحدة. الا ان الرقم القياسي كان ذلك الذي حكمت به محكمة من الدرجة الاولى واكدته محكمة من الدرجة الثانية بالدار البيضاء ضد صحيفة 'المساء' وبلغ حوالي 800 الف دولار لصالح 4 اعضاء من النيابة العامة بمدينة القصر الكبير (شمال). محمود معروف 'القدس العربي'