تونس في ظل حكم ابن علي .. حصاد عقدين!! نور الدين العويديدي عشرون عاما كاملة من الزمن مرت على تونس تحت حكم الرئيس ابن علي.. كيف كان حصادها؟ هل تقدمت فيها تونس أم تأخرت؟ ما الذي حققه نظام السابع من نوفمبر خلال هذه المدة الطويلة؟ وكيف صار التونسي ينظر لفسه بعد أن عاش طيلة هذه الفترة تحت حكم هذا النظام؟ وما الحصاد المتوقع للبذور التي بذرها النظام خلال عقدين من الزمن؟ أسئلة كثيرة قد يصعب الجواب عنها.. لكننا سنحاول اتخاذ بعض المؤشرات لنقيس بها واقع تونس، ونقارن المؤشرات الراهنة بما كانت عليه حياة التونسيين في العهد البورقيبي، كما نعمد إلى مقارنة الحالة التونسية بالحالة المغاربية خاصة، والعربية عامة، لنقدم محاولة للإجابة عن الأسئلة السالفة. المعجزة الاقتصادية - لنبدأ جرد الحصاد التونسي خلال العقدين الماضيين بالمجال الاقتصادي إذ يعتبر نظام الرئيس ابن علي تجربته الاقتصادية الأنجح في المحيط العربي والمغاربي. ويبرر المدافعون عن النظام الانغلاق السياسي بأنه شرط لازم للنجاح الاقتصادي، وأن ذلك النجاح يجعل التضييق السياسي الحاصل في البلاد مقبولا ومبررا. لا شك أن وضع البنية التحتية في تونس قد تحسن بالقياس بوضعها في عهد الراحل بورقيبة، وهي عموما أفضل من البنية التحتية في بعض دول الجوار أو في مستواها. وحالة الاستقرار الاقتصادي في تونس معقولة إذا قورنت بإمكانات اقتصاد البلاد، وبحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها الدول المجاورة، وخاصة في المغرب العربي. - هذا على صعيد واقع الثروة الوطنية. والسؤال كيف كان توزيعها. إن ثمة تطورا سلبيا حصل في عهد ابن علي، قياسا بالعهد البورقيبي، فيما يتعلق بتوزيع ثروة البلاد. فقد كانت الطبقة الوسطى في تونس هي الطبقة الأوسع، وقد تقلصت تلك الطبقة في العهد النوفمبري كثيرا، وتوسعت في المقابل طبقة الفقراء، وزادت طبقة الأثرياء ثرى، بعد أن صارت الدولة خادمة لتلك الطبقة على حساب باقي الطبقات. وفي العهد النوفمبري تمت خصخصة معظم مؤسسات القطاع العام، وتم التفويت في كثير منها بأسعار أدنى بكثير من سعرها الحقيقي في السوق. ولعب الفساد، الذي استفحل في العهد الحالي، دورا كبيرا في تفويت مؤسسات القطاع العام بأسعار بخسة لبعض المتنفذين والمحيطين بهرم السلطة، وخاصة من عائلة زوجة الرئيس والعاملين معهم. - استفحلت البطالة في العهد النوفمبري في تونس. وكان ضحاياها أساسا من الشباب وخريجي الجامعات، ممن ضاق عن استيعابهم سوق الشغل. وتمثل قوارب الموت التي رمت بآلاف الشباب أكلة سائغة لأمواج البحر، مقابل الحلم بالانتقال إلى الضفة الشمالية للمتوسط، خير شاهد على زيف النجاح الاقتصادي الباهر، الذي ظلت الحكومة التونسية تفخر به طيلة العقدين الماضيين. - صادف عهد بورقيبة امتلاك تونس لثروة نفطية معقولة. أما عهد ابن علي فتزامن تقريبا مع دخول تونس مرحلة الاستيراد. وأثقل توريد النفط، في ظل تزايد أسعاره في السوق الدولية، من كاهل الدولة والمجتمع. وشهدت الأسعار زيادات حادة، كانت الطبقتين المتوسطة والفقيرة أكبر ضحاياها. - كما لعبت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي دورا سلبيا في التأثير على الاقتصاد التونسي، الذي يتحول تدريجيا، مع المنافسة الصينية الهائلة للبضائع المنتجة محليا، إلى اقتصاد بازار، تتولى فيه البرجوازية المحلية أدوارا تقوم على استيراد وتوزيع البضائع الأجنبية، في وقت تتجه فيه الصناعات المحلية إلى الركود وبعضها يؤول إلى الانقراض التدريجي. - وعلى الرغم من أن تونس ليست الوحيدة التي تعاني من هذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن ما تؤاخذ عليه الحكومة أنها لم تعمد إلى إعداد المجتمع التونسي ومؤسساته الاقتصادية المختلفة لمواجهة تلك المنافسة، وكيف لها أن تفعل ذلك في ظل نظام لا يسمح بتحويل مشكلات البلاد إلى قضايا عامة يناقشها المجتمع ونخبه، وتتظافر فيها الجهود لمواجهة التحديات الضخام. في تونس مجتمع لا يشعر أن الدولة دولته، وقطاعات واسعة من النخب لا ترى في الدولة إلا مؤسسة ضخمة يمكن أن تتمعش من الاقتراب منها أو أن تسحق إذا عارضتها.. في مثل هذه الأجواء تستفحل أمراض المجتمع، وتتزايد حالة الإفلاس التي تعاني منها معظم مؤسسات البلاد الاقتصادية. - وبالنظر للسياسة الاقتصادية القائمة على تشجيع السياحة وتنويعها، وتثمير قدرات البلاد لصالحها من أرض ومياه، فإن تونس تتجه لكي تصير مجرد سوق لترويج البضائع الأجنبية، وللترفيه على السواح الأجانب.. أما المجتمع التونسي فإن أحواله الاقتصادية تسير من سيء إلى أسوأ. مشهد سياسي فقير - سنفرد للمشهد السياسي مساحة كبيرة بعض الشيء ضمن هذه المقال. فعندما نجري مقارنة بين حكم الرئيس ابن علي وحكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، نجد أنه رغم أن حكم بورقيبة قد عُرف بأنه كان حكما فرديا. فالرئيس الراحل كان راسم السياسات الكبرى للنظام، والساهر على مراقبة تنفيذها، باذلا قصارى جهده أن لا يحيد الحكم عنها. غير أن بورقيبة الذي كان ينظر لنفسه باعتباره أب الشعب التونسي، ويعتبر سائر السياسيين التونسيين العاملين في دواليب الدولة وأجهزتها أبناء له وتلاميذ، فإنه كان يتيح لحكومته هامشا من الحركة يضيق ويتسع، بحسب تقلبات الأوضاع، وبحسب وضعه هو الخاص الصحي والنفسي والاجتماعي. وعلى العموم فقد كان يعطي رئيس حكومته مجالا واسعا للعمل والتصرف، ثم يحاسبه. وكان كل رئيس وزراء يطبع فترة حكمه بطابع خاص، في إطار الطابع البورقيبي العام المهيمن. - أما الرئيس زين العابدين بن علي الذي اقتحم الحياة السياسية من بوابة الأجهزة الأمنية، وجاء ليصارع سياسيين في الحكم والمعارضة هم أكثر منه خبرة، وأعرق تجربة، وأشد حنكة ومعرفة بالسياسة وتقلباتها، فقد حرص على أن يدير كل كبيرة وصغيرة بنفسه، بسبب من قلة ثقته في المحيطين به، وبسبب من العقلية الأمنية التي تربى عليها والقائمة على الدسائس والمناورات، الأمر الذي يجعل المسؤول غير مطمئن إلى أن الأمور تسير كما يريد، إلا أن يتابع صغيرها وكبيرها بنفسه، ليتأكد من أنها تمشي كما يحب. - كان بوسع بورقيبة أن يراجع سياسات حكومته، بل أن يتراجع عما يلمحه فيها من أخطاء، محملا وزيره الأول والطاقم المقرب منه المسؤولية عن السياسات الفاشلة.. وكان من ثم بوسعه أن يبدأ، في كل مرة، عهدا جديدا في سياسته وتوجهات دولته. أما ابن علي، فلأنه هو راسم السياسة الفعلي ومنفذها، فإن ذلك قد أفقده تلك المرونة، التي كان يتمتع بها الراحل بورقيبة. كان بوسع بورقيبة أن يخفف الاحتقانات التي تعرفها تونس بعزل وزير أو رئيس حكومة، وبمراجعة سياسة يثبت ضررها. فقد أقال أحمد بن صالح مثلا، وحمله وزر المرحلة الاشتراكية، وأقال الهادي نويرة وحمله وزر المرحلة الرأسمالية الجشعة، وأقال محمد مزالي وحمله وزر الخلاف مع ليبيا وأزمة اتحاد العمال. وتصادم بورقيبة مع القوميين واليسار والإسلاميين، لكنه نجح في كل مرة في تخفيف التوتر مع تلك القوى. وحين أراد استئصال خصم وإبادته بشكل نهائي كانت نهاية حكمه. حكم بورقيبة تونس لمدة 31 عاما. وشهد حكمه الطويل ذاك تجارب سياسية مختلفة، ومواجهات ومصالحات، جعلت منه غنيا بالخبرات، وأنتجت تونس في عهده، في الحكم والمعارضة، رموزا كبيرة، عارضته أو تعاونت معه، وعاشت إلى جانبه حاضرة بقوة في المشهد العام. - أما عهد الرئيس ابن علي، الذي أقفل هذه السنة 20 عاما من عمره، هي ثلثا مرحلة حكم الراحل بورقيبة تقريبا، فطُبع هذا العهد عموما بالفقر المدقع، وببساطة المشهد. فسياساته تكاد تكون ثابتة، والوجوه من حوله صغيرة ومقزمة إلى أبعد الحدود، وهي أقرب إلى الخدم منها إلى الشريك. أما أعداؤه وخصومه فقد سعى للقضاء عليهم أو تهميشهم إلى أبعد الحدود. نجح في تدجين نقابة العمال، وفرض عليها قيادة موالية له وتابعة، لا تكاد تخالف له أمر، هي ممثلة الحكم في النقابة، أكثر مما هي ممثلة العمال لدى السلطة، وهنا لا يمكن مثلا مقارنة حضور وزعامة الأمين العام الحالي لاتحاد الشغل أو الأمين العام السابق، بقيادة الراحل الحبيب عاشور، الذي عايش العهد البورقيبي وعمل قائدا للعمال فترة طويلة في العهد السابق، وبلغ مرحلة الندية لبورقيبة في شطر من قيادته لاتحاد العمال. - نجح نظام 7 نوفمبر في استهداف التيار الإسلامي وأدام معه جو المعركة والحصار والتدمير المستمر منذ نحو 17 عاما. وأما أحزاب المعارضة الأخرى فقد انقسمت في العهد النوفمبري إلى فريقين: فريق موال خاضع مدجن، لا أثر له في الحياة السياسية، وهو غير قادر إلا على المدح والإشادة بإنجازات الحكم، وفريق ثان مقهور ومهمش وراديكالي في معارضته، وهو مثل الفريق الأول عاجز عن التأثير في مجريات الواقع، لكونه مقموعا بأجهزة الأمن، التي تغولت في عهد الرئيس ابن علي، حتى صارت أهم وأخطر تحد يواجهه المجتمع التونسي. وهذا بخلاف العهد البورقيبي الذي كان فيه للإسلاميين ولليسار وللتيار القومي حضورا فاعلا ومؤثرا في المشهد السياسي التونسي، وكانت سياسة بورقيبة تقوم على تحجيم قوة خصمه من دون أن يمحقه، بخلاف سياسة الرئيس ابن علي. - في عهد بورقيبة كان مجال الحريات ضيقا، باعتبار أن معارضة الزعيم غير مستساغة، وأن بورقيبة كان يتوقع من الشعب التونسي ونخبه أن تكون وفية له باعتباره الأب المؤسس للدولة، وأن تعترف بنضاله وتحريره لتونس من المستعمر الفرنسي. أما في عهد ابن علي فإن علاقة الرئيس بشعبه لم تعد علاقة أب بأبناء، قد يكونون محبين للأب، مقدرين لدوره، أو معارضين له، رافضين لمنه وتفضله الدائم عليهم. في عهد ابن علي صارت العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضربين: علاقة مخدوم بخادم، أو عدو بعدوه. في هذه الأجواء انتهكت الحريات بشكل واسع، فالخادم أو العبد لا حرية له، وإن أطلقت أيدي الخدم في المال العام، في ما يشبه الاستباحة، ولا حرية للعدو أيضا. - حرية الإعلام مثلا لم تكن على ما يرام في عهد الراحل بورقيبة، لكن ذلك العهد شهد، بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عنه، ولادة صحافة شبه حرة، وأتيحت أمام عدد من الصحف مثل جريدة "الرأي" وجريدة "المستقبل" ومجلة "حقائق" هامشا من الحرية، لم تحلم الصحافة التونسية بمثله ولا بما هو دونه بكثير في عهد الرئيس ابن علي. - عائلة الرئيس بورقيبة كانت تتدخل في السياسة، وخاصة زوجته وسيلة وابنة أخته سعيدة ساسي، وكذلك الحال بالنسبة لعائلة الرئيس ابن علي. غير أن عائلة بورقيبة كانت يدها أعف عن المال العام. أما عائلة الرئيس الحالي فإن تورطها في نهب المال العام، واستغلال النفوذ تكاد تكون اليوم في تونس موضوع حديث الخاص والعام. - إذا تجاوزنا الحدود وقارنا الوضع السياسي التونسي في العهد البورقيبي بالوضع المغاربي والعربي فإن أوضاع تونس كانت مشابهة لسائر الأوضاع في المنطقة في جوانب كثيرة، ومتقدمة عليها في جوانب أخرى. فتونس شهدت تعددية سياسية في عهد بورقيبة، حتى وإن كانت شكلية، إلا أنها سبقت في ذلك الكثير من الدول العربية. وفي تونس تأسست أول رابطة لحقوق الإنسان في الدول العربية وإفريقيا، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل من أقوى النقابات في العالم الثالث، وشهدت الجامعة التونسية في العهد البورقيبي تجارب سياسية ونقابية وثقافية سبقت معظم الدول العربية. - أما في العهد النوفمبري فإن تونس باتت متخلفة كثيرا على الأوضاع السياسية في المغرب العربي وفي كثير من الدول العربية الأخرى. وباتت بلادنا تضرب مثلا لانتهاك الحريات الدينية، وللتضييق على الحريات عامة، وخنق المعارضة، وتخلف العملية الانتخابية وتزويرها، وإن اتخذ التزوير أشكالا ناعمة أحيانا وفجة أحيانا أخرى. أما سائر الإنجازات التي تحققت في العهد البورقيبي فهي إما ضربت أو تعاني من حالة اختناق. فالجامعة تم ضربها وتدجينها بقوة الآلة الأمنية الضخمة، ونقابة العمال تعاني من السيطرة عليها ومن عمليات إضعاف وتدجين مستمرة، ورابطة حقوق الإنسان هي اليوم بمثابة منظمة محظورة، وكذلك العديد من الأحزاب، بما فيها أحزاب حصلت من الحكومة على الاعتراف القانوني. أمراض اجتماعية - كانت السنوات العشرين الماضية كافية ليتحسن وضع البنية التحتية، وتتقدم وسائل النقل العام والخاص، وتحصل طفرة هائلة في وسائل التواصل في تونس والعالم. وقد ساهم ذلك في زيادة فرص التواصل بين أقاليم البلاد المختلفة، وساعد على مرونة الحركة، والانتقال بين الريف والمدينة، والعاصمة والأقليم، وهو ما يسر تعارف التونسيين وتواصلهم، لكن تلك الظاهرة ظلت محكومة إلى حد بعيد بحالة الانغلاق السياسي، وتغلغل الفساد المالي والإداري، ولذلك لم يستفد المجتمع التونسي بالشكل المناسب ثقافيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا، من كل تلك التطورات. - مع تطور البنية التحتية وأدوات التواصل فإن أبرز السلبيات التي سجلتها تونس في العهد النوفمبري، ولم تكن تعاني منها في العهد البورقيبي، هو استفحال الجريمة، التي باتت خطرا محدقا بالبلاد، حتى صار بعض الباحثين الاجتماعيين المتخصصين يتحدثون عن ظاهرة "مسرحة" الجريمة وتحويلها إلى "فرجة". - لعله من الصعب تحديد جميع أسباب ما يمكن وصفه بالانفجار الإجرامي في تونس النوفمبرية، وأن هذا يحتاج إلى دراسات اجتماعية عديدة، تبحث تلك الأسباب، وتحدد شروط ووسائل معالجة المجتمع التونسي حتى يشفى من هذا المرض العضال، إلا أنه يمكننا أن نتحدث عن أسباب متداخلة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. فبلد تكمم فيه الأفواه، وتغلق فيه سائر مجالات تصريف الطاقات، وخاصة لدى الشباب، بشكل نافع ومفيد لهم وللمجتمع، فإن التوجه للجريمة يكون أحد وجوه تصريف تلك الطاقات. كما إن للفقر والبطالة ضلع في توجيه الشباب إلى الجريمة. فجريمة السرقة التي استفحلت في تونس هي واحدة من الثمار المرة لما يعاني منه الشباب من تهميش وقمع وبطالة وفقر وعدم وضوح في آفاق المستقبل الفردي والعام. - ولا يمكن أن ننسى أن التضخم الهائل للمؤسسة الأمنية على صعيد أعداد المنضويين فيها، وعلى صعيد الصلاحيات، التي منحت لها، وخاصة في مرحلة الحرب على التيار الإسلامي، التي بدأت بالنهضة، وانتقلت الآن، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، إلى استهداف التيار السلفي، قد جعلت الكثير من أعضاء تلك المؤسسة ينخرطون بشكل لا لبس فيه في الجريمة، من خلال العمل مع الكثير من المجرمين، وشملهم بالحماية، بدلا من مكافحة الجريمة. - لعل الجريمة المستفحلة هي أخطر ما سترثه تونس عن الحقبة النوفمبرية، وهي من أوكد ما على المجتمع التونسي أن يبذل جهدا لمحاربته، والعمل على تخليص البلاد منه، فهي المرض الأخطر، والتحدي الأشد، وخاصة إذا تحولت إلى جريمة منظمة، وعششت في التربة التونسية، وقد تحول بالفعل، وللأسف، قطاع واسع من المجرمين إلى العمل ضمن شبكات خطيرة، تخترق الأجهزة الأمنية وتعمل من خلالها، وهو ما يجعل مواجهتها أكثر صعوبة. تراجع ثقافي شامل - ثقافيا وتعليميا فإنه على الرغم من الزيادة الهائلة في عدد المعاهد والجامعات، حكومية وخاصة، وبالرغم من زيادة خريجي الجامعات، في تونس في عهد الرئيس ابن علي، فإن حصاد الثقافة في العهد النوفمبري قد تراجع بشكل واضح. إذ تراجع الاهتمام بالعلم والكتاب والنشاط الثقافي. وتقلص الإشعاع العلمي لتونس، وتقلصت معه حظوظ البلاد في أن تكون وفية لما عرفت به على امتداد فترة طويلة من التاريخ، باعتبارها محضنا للعلم والثقافة والمعرفة في المغرب العربي وإفريقيا، من خلال جامع الزيتونة، وحتى من خلال الجامعة التونسية الحديثة، التي تخرج منها الكثير من طلاب الدول العربية والإفريقية. وعلى العموم فإن حصاد العهد النوفمبري في تونس في المستويات المختلفة قد كان حصادا ضعيفا وبضاعته مزجاة. ومن المؤسف أن هذا العهد، بالرغم من تحقق إيجابيات عديدة فيه، قد بذر في البلاد بذورا مرة من فساد وجريمة وتراجع خلقي يفرض على التونسيين بذل جهود كبيرة لاجتثاثها من تربة البلاد.