الكاتب: جمال زواري أحمد الفجرنيوز الجزائر إن الحركة الإسلامية المغاربية إستطاعت أن تحقق نجاحات متميزة ومعتبرة ، وقفزات نوعية في كثير من المجالات ، وصنعت نماذجا مشرفة وقابلة للإقتداء والتأسي والسير على منوالها، خاصة في مقدرتها على فك بعض العقد التاريخية والمسلمات الفكرية التي كانت تتعامل من خلالها مع واقعها ومكوناته ، وتجاوز العديد من المناطق الملغمة ، التي كانت في مجموعها تشكل عوائقا حاجزة عن التطوير والتجديد، رغم ماساوية جزء من تجربتها وكارثيته، في بعض الأقطار المغاربية ، ووقوع بعضها في فخوخ التوريط والإستجابة للإستفزاز والدفع بها إلى ردود الأفعال غير المدروسة وغير المحسوبة وغير المأمونة العواقب، الأمر الذي جعلها تعطي المبرر لإعلان الحرب عليها وعلى مشروعها ،بل إستئصالها وتجفيف منابعها في بعض الأقطار ، عندما أغراها الإقبال الشعبي والجماهيري ،فتصورت أنها اصبحت عصية على الإستئصال ،فدخلت في معارك كسر عظم مع أنظمتها الحاكمة ،مما جعلها تدفع ثمنا غاليا وكلفة عالية من أبنائها وكوادرها ومؤسساتها سجنا وقتلا وتعذيبا ونفيا وتشريدا ومصادرة وتأميما ،وتقهقرها إلى الوراء لسنوات عديدة، وفرض عليها ذلك إنزال سقفها إلى حد أن تخوض معركة وجود الذي أصبح مهددا فعلا ، نتيجة الحملات الشرسة التي تعرضت لها ومازالت ، نتيجة المؤامرات المتكررة عليها والتحرش بها ،وكذلك نتيجة تقديراتها الخاطئة ، وضعف أداء قيادتها ، وسرعة فقدانها لبوصلة توازنها ، فأساءت تقدير الأمر ، فمنحت الفرصة لأعداء الحركة وخصومها للإنتقام وضربها في مقتل. لكن رغم كل ذلك فإنه من اللافت أنه حتى هذه الصورة السوداء والقاتمة والسلبية كانت عاملا مهما ودافعا قويا لجزء معتبر ورئيسي من الحركة الإسلامية المغاربية ، للإستفادة من هذه المرحلة الكالحة ، وتجاوز وتدارك أسباب الإخفاق السالفة الذكر،والقيام بمراجعات جريئة على مستوى الفكر والسياسة والدعوة ، ومن ثم الإنتقال إلى الجانب العملي لصناعة تجربة رائدة في مراجعة الذات ومحاسبتها والتصالح مع المحيط والتكيف مع الواقع والتعايش مع مكونات الوضع العام ، والإجتهاد في منطقة العفو، وإثبات وبالدليل العملي أن الحركة الإسلامية يمكنها أن تكون محل ثقة للحفاظ على أوطانها ، وأنها حريصة فعلا على سلامة هذه الوطان وأمنها وإستقرارها وسيادتها ووحدتها ، وأنها طلقت أساليب المغامرة والمغالبة ، ويمكنها كذلك المشاركة الفعالة والمنضبطة والمثمرة في الحراك السياسي والفكري والإجتماعي والثقافي العام ، وانها كفرت بالجمود والتحجر وحبس نفسها داخل شرانق المظلومية وكثرة التشكي وأخذ دور الضحية دائما جلبا للشفقة والرحمة ، وأنها يمكنها أن تكون فاعلا مهما موثوقا به ، ولن تبقى مفعولا بها طول الوقت، إذ أنها تجاوزت الصور النمطية التي يراد أن تترسخ عن الحركة الإسلامية، والتي ساهمت بعض فصائلها للأسف الشديد في ترسيخها من خلال ممارساتها غير المطمئنة. هذا الأمر ظهر جليا وبوضوح في التجربة المغربية والجزائرية والموريطانية الحديثة تحديدا ، وبداية خط رجعة كذلك وإن كان بإحتشام في كل من تونس وليبيا. لكن ومع كل ذلك ، ورغم كل هذه النجاحات المحققة والتطور الفكري والسياسي والدعوي الحاصل لديها ، فإن الحركة الإسلامية المغاربية مازالت تعاني من بعض صور التبعية والشعور بالدونية والنقص بالنسبة لنظيرتها المشرقية ، وظلت العقدة المشرقية هذه لدى بعضها قائمة ، وطابوا مسكوتا عنه ، لاتجرؤ حتى في التعبير عنه بصوت عال ، مما أوجد عدم رضى ، بل ومرارة وغصة في بعض الأحيان لدى قادة الحركة الإسلامية المغاربية ومفكريها وكوادرها من بعض مظاهر ومواقف الإستعلاء ، التي يستشعرونها في تعامل بعض الإسلاميين المشارقة مع تجاربهم وإجتهاداتهم ومنتوجهم الفكري والعلمي والدعوي، وتصويرهم على أنهم مازالوا قصرا ، لايحسنون التأسيس لتجارب قد تفوق وتتفوق على ماهو مشرقي ، وأن مصيرهم هو بقاؤهم عينا التي لايمكنها أن تعلو على الحاجب يوما ، نظرا لحداثة سنهم التنظيمي ، وقرب تواجدهم في ساحات العمل الإسلامي تاريخيا مقارنة بإخوانهم المشارقة. هذه التبعية والتي تكون غير مبصرة في بعض الأحيان ، التي تعانيها الحركة الإسلامية المغاربية بمختلف فصائلها وإنتماءاتها الفكرية وإختياراتها الفقهية ، جعلت منها تناقض نفسها وتقع في حرج كبير لما تعيب التبعية المطلقة على العلمانيين واللائكيين في بلدانها للغرب ، وتشن الحملات عليهم بسبب ذلك ، بحجة أنهم يفرطون في هوية أوطانهم ، ولايراعون ثوابتها وخصوصياتها ويناصبون العداء لأصالتها وتراثها الفكري والعلمي والثقافي والفني ، وينسوا أو يتناسوا في زحمة ذلك أنهم يمارسون دورا شبيها ويقعون في نفس المحذور وإن كان بصورة أخرى وشكل مغاير، عندما يهملوا التراث العلمي والفقهي للمنطقة ويزهدون فيه رغم ثرائه ونفاسته ، وتجدهم يتطلعون ويتلقفون كل ماهو مشرقي وإن كان أقل قيمة علمية ولايتناسب مع واقعهم ومحيطهم وبيئتهم ، ليس معنى ذلك أننا نجرم الإستفادة وأخذ العلم من أي وعاء كان لأن العلم لاوطن له ، لكننا نشير إلى ظاهرة موجودة تصل في بعض الأحيان حتى إلى إستنساخ الفشل والقصور والأخطاء وتقليدها ونشرها ، بحجة أن وجهتها مشرقية أو حجازية . بقي أن نشير إلى جملة من صور ومظاهر هذه التبعية :
مظاهر هذه التبعية
1) الزهد فيما عند الحركات الإسلامية المغاربية من إنتاج فكري وعلمي ، ومن تجربة على المستوى الدعوي والسياسي ، والإنبهار بكل ماهو موجود في المشرق العربي أكثر من اللزوم ،على حساب هذا التراث الزاخر والغني ، والتجربة الثرية التي تملكها هذه الحركات. 2) عدم الإهتمام بإجتهادات الرموز العلمية والدعوية والفكرية والسياسية المغاربية ، وعدم الحرص على تدوينها ، والزهادة فيها وإبقائها في الأدراج ، دون تكليف النفس نشرها والدعاية لها والكتابة حولها ، وفي المقابل الشغف بالإنتاج العلمي والدعوي المشرقي ، وإن كان أقل قيمة ونفاسة. 3) إستنساخ التجارب الدعوية المشرقية ، حتى وإن فشل بعضها في بلدانها ، وإجترار نفس الإشكالات التاريخية التي وقعت فيها الحركة الإسلامية المشرقية ، رغم إختلاف البيئات والمعطيات والمسببات ، على حساب الخصوصية لكل بلد ولكل منطقة ، مما ولد لدى هذه الحركات المغاربية نوعا مما سماه المفكر المبدع مالك بن نبي القابلية للإستعمار قياسا مع الفارق طبعا ، نستطيع أن نسميها نحن القابلية للتبعية غير المبصرة والإمعية والذيلية لكل ماهو مشرقي. 4) جهل الكثير من أبناء الحركة الإسلامية المغاربية بالكثير من علماء المنطقة الفطاحلة ومفكريها ودعاتها ورموزها والإعراض عنهم وعن القراءة لهم في المنشور القليل لهم وعدم اللجوء إليهم في الفتوى والسؤال ، مما أحدث خالوطة فقهية ومذهبية ، تسببت في كوارث حقيقية في بعض الأقطار المغاربية، نجني ثمارها المرة إلى الآن ، وقد أنتج ذلك في بعض صوره جيلا هجينا فكريا وعلميا وفقهيا، لايثق كثيرا فيما يملك من علماء ودعاة ومفكرين، رغم تميزهم وإبداعهم وإن كانت هذه الظاهرة قديمة مغاربيا إشتكى منها الإمام أبوبكر بن العربي المالكي بقوله:(إذا عشت بين أهل المغرب (يعني العلماء) ، عشت ضائعا)، لذلك تجد الكثير من علمائنا المغاربة ينطبق عليهم ماقاله الإمام الشافعي عن الإمام الليث بن سعد :(الليث أفقه من مالك ، لكن ضيعه قومه)، فكم من عالم نحرير ، وداعية متميز ومفكر مبدع ، ضيعناه وزهدنا فيه بسبب إمعيتنا وتبعيتنا غير المنضبطة لكل ماهو وافد مشرقيا ، هذا الأمر كأن المفكر مالك بن نبي كان يدركه ويعاني مرارته لما أوكل مهمة نشر كتبه من بعده إلى المحامي والوزير اللبناني عمر مسقاوي ،ولم يكلها لأحد من الجزائريين أو المغاربة ، حتى من تلاميذه المقربين. 5) بقاء الحركة الإسلامية المغاربية عالة على المنتوج العلمي والفكري والدعوي المشرقي الذي لايخلو من خلفيات مذهبية وفقهية وعقدية ، ورغم تهافت بعضه وقدمه وعدم ملاءمته لواقع الحركة الإسلامية المغاربية وتجربتها وإجتهاداتها خاصة الحديثة منها. 6) الحركة المغاربية لم تستطع إلى الآن أن تصنع لنفسها هوية فكرية وفقهية وعلمية ودعوية خاصة بها تعرف بها وتدل عليها ، وبقيت عاجزة عن إنتاج أقلام كفأة بالقدر الكافي تسوق للتجربة وتنافح عن الرصيد وتغري بالإنتاج . 7) التقليد والمحاكاة المطلق في الكثير من المجالات لما هو مشرقي ، وعدم تبني ماهو محلي ،ولو اخذنا ميدان الإنشاد كمثال ، فإنه رغم كثرة الفرق الإنشادية المغاربية ، لكنها في عمومها مازالت تستنسخ الكلمة واللحن المشرقي ، مما أفقد النشيد المغاربي هويته وأبقاه حبيس زوايا ضيقة ، فلم تعمل بالشكل الكافي على توظيف التراث الفني المغاربي الغني والمتنوع لتسويقه مشرقيا بالطريقة المثلى ، مع أننا نلاحظ أن بعض الفرق التي تنبهت لهذا الأمر أبدعت فعلا ولاقت قبولا منقطع النظير بتركيزها على تشجيع المحلي . 8) في المقابل نجد زهد إخواننا المشارقة إلا ماندر في معرفة إنتاج المغاربة ، ودراسة تجاربهم الدعوية والسياسية ، والتعرف بعمق ودراسة عن سيرة دعاتهم وعلمائهم وإجتهاداتهم في كل التخصصات والمجالات.
وفي الأخير لابد أن نشير إلى أن مراعاة خصوصية كل قطر وكل منطقة وإدراك نفاسة ماهو موجود فيها ، لايتنافى مطلقا وعالمية الفكرة الإسلامية ، بل إن نجاحها وقوتها من أسبابه الرئيسية مراعاتها للتنوع الحاصل في الأمة وتوظيفه في بوتقة واحدة . وأن التكامل وتبادل التجارب وتلاقح الأفكار وتثمين الإيجابي ورفض السلبي من أي جهة جاء ،هو المطلوب وهو الأنسب والأسلم في الحفاظ على علاقة سليمة ومتينة وعميقة ووثيقة بين جناحي الحركة الإسلامية المشرقية والمغاربية.