على صوت الأذان ، وترانيم قرع الأجراس تظهر ملامح من التسامح و الأخوة الدينية في باحة كنيسة امتزج فيها عبقها المسيحي مع عطر إسلامي لامس دهاليزها، وطبع على جدرانها تناقضات جمعت معها الأديان، فيأتي رمضان ويزين بمعالمه بشال استأنست به الأديان باختلافها، ,فتفرد طاولة الفطور ، وتبتل العروق، وتقام الصلاة تحت مظلة إسلامية مسيحية مع ابتسامة ملؤها التضاد . عائلة "قرمش " والتي تأخذ حيزاً صغيراً تسكن فيه على أرض كنيسة الروم الأرثودوكس منذ أكثر من خمسين سنة، وفي كل عام يأتي فيه رمضان يجددون طقوسهم الدينية مع احترام وتهنئة مسيحي الكنيسة لهم، و رغم اختلاف الأديان إلا أن الإنسانية والتسامح يجمعان حروفهما على طاولة افطار واحدة تردد فيها الدعوات من مسلم وقسيس. رمضان يجمعنا عينان تتحركان في كل زاوية وكأنه يريد أن يفتح بهما أوراق ذاكرته ليبدأ التقليب ورقة تلوه الورقة، عصام محمد قرمش " يصف دخول رمضان على عائلته باجتماع الأديان في كل سنة تمر عليه فيقول :"أنا اسكن في هذه الكنيسة منذ زمن جدي من قبلي ثم والدي رحمه الله وها أنا هنا، رغم إنني اسكن وأحرس هذه الكنيسة وأنا مسلم، إلا أنه يوجد احترام متبادل لكل شخص منا بأداء عباداته الدينية ، وأتذكر قبل خمس سنوات كان هنالك خوري في هذه الكنيسة وزوجته أم عيسى يأتون إلينا ويهنئونا بمناسبة رمضان وفي أحيان أخرى يجلسون معنا على طاولة افطار واحدة، بل كنتُ أشعر أحيانا أنهم يصومون معنا". ضحكةٌ تنطلق من قرمش تجعله يصمت قليلاً ثمّ يعود ليقول :" آه ، إنها أيام رائعة كنت قضيتها مع هذا الخوري قبل رحيله، أتذكر قبل سنوات خلال رمضان أتت أختي من السفر وحينما علم الخوري بذلك قام بإبلاغي أن الفطور عليه في ذلك اليوم وأن أختي مدعوه بمناسبة مجيئها إلى غزة، بل وقبل أن أتزوج اقترح علي أن أقيم عرسي في ساحة الكنيسة الخارجية، فقد كان يعلم ضيق حالنا". ويكمل قرمش حديثه :" نحن في غزة نجسد وحدةً أخوية في الأديان رغم اختلافها، ولا أحد يتعدى على الآخر والجميع لهم مطلق الحرية في ممارسة عباداتهم دون أن يتعرض أحد لأحد، بل في أحيان أخرى يكون المسجد الذي بجوارنا تنطلق منه أصوات عالية بسبب الترميم فيتوقفون عن ذلك وقت الصلاة في الكنيسة حفاظاً على الهدوء لهم في هذا الوقت ". في الضيق والفرح سوياً ويذكر قرمش للجزيرة توك أن علاقته مع الخوري وزوجته تعدت كونه حارساً للكنيسة فيقول :" لم يشعرني الخوري يوماً أنني حارسٌ أو فقيرٌ أو أنه أفضلَ مني، وبالتالي أنا كمسلم كنت أحترم طقوسه وشعائره التي يقيمها في الكنيسة، فرغم اختلاف الأديان إلا أن هنالك تسامحاً ومحبة كانت تسري في عروقنا لبعضنا البعض، وأحيانا عندما كنتُ أشعر أنه في ضيق أو يبدو عليه الحزن كنتُ أذهبُ إليه ونتحدث سوياً، إنها أخوة كبيرة جمعتنا، بل كان يعامل أطفالي معاملة طيبة، وكنا نهنئهم أيضاً في أعيادهم ". آثار طفولية لعب وركلات كرة تتبادلها أقدام صغيرة في باحة الكنيسة، عمر وسناء قرمش تفتحت عيونهم الصغيرة وهم يعيشون هنا فيقول "عمر" الذي يبلغ تسع سنوات للجزيرة توك :" أنا العب هنا كثيراً مع أختي ولي أصدقاء من غير ديانتي "مسيحين " ونلعب سوياً، لكن في نفس الوقت أعلمُ أنني مسلمٌ وأبي علّمني كيف أصلي وأذهب إلى المسجد دائماً، وأنا الآن أصوم رمضان لكن لكن بنصف يوم لا باليوم كاملاً، وعلّمت أختي التي تصغرني بعامين كيف تصلي". أما سناء صاحبة الابتسامة التي تسحر الجميع فتقول : "أمي وأبي دوما يقولان لي أننا علينا نحن المسلمين احترام الآخرين ممن يختلفون معنا في الديانة، كما أن لي صديقة اسمها كارولين نلعب سوياً من وقت لآخر". وتبقى جدرانُ تلك الكنيسة وما بداخلها شاهدةً على وحدةٍ إنسانيةٍ وأخويةٍ صنعتها الأديان بين مصحفٍ وتسبيحةِ مًسلم وأنجيل وصليب مسيحيّ، وكان أبطالُها أبناء غزة المتلاحمين. الجزيرة توك