لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    برشلونة يقلب الطاولة على بلد الوليد ويبتعد بصدارة "الليغا"    ربيع الفنون بالقيروان يُنشد شعرا    في لقائه بوزراء .. الرئيس يأمر بإيجاد حلول لمنشآت معطّلة    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    غدا: حرارة في مستويات صيفية    منير بن صالحة: ''منوّبي بريء من جريمة قتل المحامية منجية''    مؤشر إيجابي بخصوص مخزون السدود    عاجل/ قضية منتحل صفة مدير بديوان رئاسة الحكومة..السجن لهؤولاء..    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    الأطباء الشبان يُهدّدون بالإضراب لمدة 5 أيّام    بداية من 6 ماي: انقطاع مياه الشرب بهذه المناطق بالعاصمة    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    القصرين: قافلة صحية متعددة الاختصاصات تحلّ بمدينة القصرين وتسجّل إقبالًا واسعًا من المواطنين    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    طقس الليلة: الحرارة تصل الى 27 درجة    وزير النقل يدعو الى استكمال أشغال التكييف في مطار تونس قرطاج استعدادا لموسم الحجّ وعودة التّونسيين بالخارج    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    كلاسيكو اوفى بوعوده والنادي الصفاقسي لم يؤمن بحظوظه    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    "براكاج" يُطيح بمنحرف محل 26 منشور تفتيش    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    إحالة رجل أعمال في مجال تصنيع القهوة ومسؤول سام على الدائرة الجنائية في قضايا فساد مالي ورفض الإفراج عنهما    بداية من الاثنين: انطلاق "البكالوريا البيضاء"    دقاش: شجار ينتهي بإزهاق روح شاب ثلاثيني    عاجل/ سرقة منزل المرزوقي: النيابة العمومية تتدخّل..    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح الجورشي في معركة الحجاب كمثال
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 02 - 2008


صلاح الجورشي في معركة الحجاب كمثال
بقلم: زهير الشرفي
ما ان تفرض الفرق الاصولية مطالبها بتعميم الخمار حتى تنتقل الى مطلب آخر: منع الاختلاط؛ منع الخروج من دون محرم؛ منع قرار المرأة الزواج والطلاق دون موافقة ولي الامر؛ منع حلق الرجال لحاهم؛ منع..؛ قطع..؛ ...
لا أوافق السيد صلاح الجورشي حين يقول "أما آن الأوان لكي تنتهي المعارك الوهمية حول الحجاب؟"(أنظر المقال في صحيفة "العرب القطرية" 7-فيفري/فبراير 2008 أو في موقع تونس نيوز 8- فيفري-2008) فالمعركة حول الحجاب ليست وهمية بل هي معركة حقيقية معركة فرضتها فرق الأصولية والوهابية على شعبنا وتفرضها في كل بلاد المسلمين بل حتى في أوروبا وغيرها. تلك الفرق هي التي تطلب من الشعب الفرنسي، الذي أجبر رجل الدين المسيحي على نزع جبته في الطريق العام، أن يقبل ويرضى باللباس الأصولي الإسلامي في الشارع الفرنسي بل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل أيضا.
كلنا نريد النهاية لهاته المعركة التي وفدت علينا رياحها من المملكة السعودية وإيران والتي تفرضها علينا الفرق الأصولية والوهابية باسم التراث الإسلامي وبواسطة خطاب لا يخلو من عبارات التكفير والترهيب.
فكيف ستنتهي: بأي شكل وعلى أية أوضاع؟
هل يريد السيد صلاح لهاته المعركة أن تنتهي بانتصار بلطجة الفرق الأصولية والوهابية التي لا تقبل بحثا ولا حوارا حول مسألة الحجاب؟
بعد أن تفرض تلك الفرق مطلبا من مطالبها تنتقل مباشرة إلى مطلب آخر: فبعد الخمار في مؤسسات التعليم يأتي مطلب منع الاختلاط ثم منع خروج المرأة بدون محرم ثم منع قرارها في الزواج والطلاق والمعاملات بدون موافقة ولي أمر من الرجال... ثم منع الرجال من حلق لحيهم ثم منعهم من استرجاع مطلقاتهم قبل نكاح الغير لهن ثم قطع الأيدي والرجم في الطريق العام ثم كل المشهد الأفغاني.
حين أتحدث عن بلطجة الفرق الأصولية فإنني أعني منهجها في رفض أي حوار حول مسألة الخمار: من أطاعها وقبل بمطلبها عليه أن ينتقل إلى تنفيذ المطلب الموالي ومن يرفض مطلبها فهو كافر وعدو لحرية اللباس وعنصري وكل سبل الاعتداء عليه وشتمه حلال في حلال؟
إليك أيها القارئ الكريم هذا المثال:
حين نشرت مقالي في الشبكة الافتراضية بعنوان "الخمار بين الفهم الأصولي والمعاني الأصلية " قدمه السيد سامي حقي إلى أحد مواقع الأصوليين (الحوار نت) وطلب من رواد الموقع مناقشته. فانطلق عدد منهم في الرد بالشتم والتكفير ومن بينهم السيد الهادي بريك مما استدعى السيد سامي حقي إلى التعليق بالقول التالي:
"المؤكد أن بريك مثلما عودنا في ردوده غير قادر على الرد العلمي والموضوعي على المقال ولذلك جعل يدور ويفضفض في مواضيع أخرى ليست لها أي علاقة بالموضوع: أي دلالة الآيتين .الثابت أيضا أن اطلاع الرجل مقتصر على كتب الفقه والإسلاميات القديمة والكتب الصفراء دون غيرها من انجازات العلوم الإنسانية الحديثة، وهذه سمة يشترك فيها معظم الأصوليين. لن أدخل في مهاترات تتعلق بالإسلام وفضله على البشرية في العلوم والتقدم والحضارة، هذا لا جدال فيه، لما كان الاسلام ممثلا بالعقل كابن رشد والرازي وبن سينا. أما حالة الاسلام في الوقت الحاضر على يد الاصوليين أصحاب النقل الحرفي أمثال بريك فهي جلية في تقارير الامم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة ومنظمات حقوق الانسان العالمية ..أخيرا ولن أعود الى نقاش خاو وغير مجد معك، مشكلة المرأة المسلمة هي أنكم جعلتموها كائنا نجسا، ذا عورة وباعثا على الفاحشة والرذيلة بلغتكم. لذلك ناديتم بحجبه وإخفاءه وإفناء جسده تحت اللباس . كلمة أخيرة: ربما ستنتصر أفكاركم الأصولية التحريفية للقرآن الكريم لعقود أخرى بفضل فوائض الجهل والفقر والتخلف الذي تستثمرونه جيدا، لكن اتجاه التاريخ في تحريك الوعي وتنمية العقل البشري وتجديده لصالح الانسانية مسألة ثابتة وحاسمة أيضا في محو دجلكم وإرهابكم للمرأة باسم الإسلام وحاشاه الاسلام من ترهاتكم ودجلكم المزوقين بالحكمة الكاذبة"
حين تنتصر أحزاب الخمار الأصولي وتفرض ارتداءه على بناتنا ونسائنا تبقى الإشكالات الفكرية والحقوقية الأصلية مطروحة بدون حل وبدون وعي للحل بل يبقى الكثير من الغموض حول مسألة الخمار مثلما هو الشأن إلى أيامنا في إيران والسعودية وتركيا إلخ...
في تركيا ذاتها تفتح هذه الأيام أبواب الجامعات للخمار بأسلوب الغلبة والبلطجة السياسية. فالحزب الحاكم هو الذي يغير الدستور ويجمع الأصوات في البرلمان من أجل ذلك: لم نر حوارا حقيقيا أو انتصارا فعليا لقيم حقوق الإنسان وحرية المعتقد ومبادئ الديمقراطية في تركيا، ولم يقدم لنا السيد صلاح شيئا من حوار وحجج تقنع بأن الخمار الأصولي الذي يدخل الجامعات التركية يمثل تحقيقا لفهم عقلاني وإنساني لمقاصد الدين الإسلامي لا تقليدا أعمى لأقوال السلف وتنفيذا لأوامر الأصولية الدينية. كما أنه لم يقدم لنا أي شيء يقنع بأن ذلك الخمار التركي ليس مقدمة من مقدمات البرنامج السياسي للأصولية الإسلامية التركية التي بدأنا نرى إنكارها لحقوق الأكراد ودموية سلطتها بدخول جيوشها إلى أرض العراق المجاور.
انتصارات حزب العدالة والتنمية في تركيا تفسر بمجمل الوضع السياسي المحلي والدولي لكنها ليست دليلا على سلامة فهمه للتراث الإسلامي ولا على ديمقراطية برنامجه ولا تغنينا عن البحث السليم في أصل الإشكالات المطروحة حول قضية الخمار في مؤسسات التعليم ومراكز العمل.
قد آن الأوان، حسب رأيي واعتقادي، أن نعمل على توضيح مثل هذه المسائل في عقولنا قبل أن يفرض فقهاء البلطجة حلولهم ومطالبهم: هل حمل الخمار الأصولي الأسود فرض ديني حقا على مسلمات اليوم؟ هل حرية اللباس تعني السماح للطالبات بارتداء ما يشأن داخل الجامعة؟ هل أن حق ممارسة الطقوس الدينية يعني أن ترتدي الطالبة ذلك اللباس حتى في الجامعة؟
من سوء حظ شعبنا لم تقم مؤسسات الإعلام بواجبها وقد لا تنوي القيام بواجبها، مستقبلا أيضا، في إنجاح الحوار الوطني بل قد تواصل نشر إعلام يخدم مصلحة الفرق الأصولية مثلما جاء في ذلك الملف الفاشل حول قضية الخمار و"لباس الحشمة" في قناة سبعة التلفزية التونسية الرسمية. فقد انتصر الشيخ محمد بوزغيبة لرأيه القائل بأن المرأة المسلمة عليها أن تخفي الكل سوى يديها ووجهها بدون أي عناء، وتقبل الحاضرون فقهه وآراءه بدون مناقشة كما لو كان مؤمرا أو مولى عليهم. محمد بوزغيبة هو نفسه من صرح قبل الملف في جريدة الصباح بأنه علينا أن نترك الحديث في مثل هذه المسائل إلى أهل الاختصاص بمعنى أن نترك الحكم والحديث له ولأمثاله من دون أهل الحكمة والحقوقيين والجامعيين والحداثيين والعقلانيين... (فكان بشكل ما قد قيد مسبقا حرية تعبير القادمين للملف). كان ينبغي على قناة سبعة التلفزية أن تبحث عن غيره من رجال الدين الذين يحترمون الآخر ويحترمون حق كل مواطن في البحث والتعبير عن الرأي.
بمثل هذا السلوك الإعلامي يمكننا القول بأن المعركة منتهية وأن النصر سيكون لصالح الفرق الأصولية والوهابية حتى لو لم توجد القنوات التلفزية الأخرى التي يمولها شيوخ البترو- دولار ودوله.
لا يذهبن برأيك أيها القارئ الكريم أنني لا أريد احترام حرية اللباس أو أنني لا أحترم حق الطالبة في ممارسة ما تعتقد أنه من طقوس دينها لكنني أرى أنه يجب على طرفي معركة الخمار أن يكتشفا أساليب أخرى يحافظان بها على الخمار الأصولي أو "لباس الحشمة" في هذا القرن الواحد والعشرين: فليفتحا كليات خاصة بالطالبات المخمرات مثلا وكليات خاصة بالطلبة الملتحين، ثم كليات للشيعة وأخرى عديدة بعدد الأديان والمذاهب... لن أطلب منهما سوى ضمان السلم والتعايش بين هذه الفرق وضمان احترامها لحقوق المواطن في الحرية والمساواة وفي طموحه لنهضة وطنه ولحاقه بركب الحضارة.
خمار أم حجاب؟ لماذا استعمل السيد صلاح الجورشي عبارة "حجاب"؟
إن عبارة "حجاب" الواردة في النص القرآني تعني حاجزا أو سورا فاصلا فكيف تصبح لباسا عند السيد صلاح الجورشي مثل كل الفرق الأصولية والوهابية؟ كيف وقع المرور من معنى الحاجز أو السور العازل إلى معاني اللباس؟
وردت عبارة الحجاب في الآية التالية من النص القرآني:
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما".
من الواضح أن المعنيات بهذه الآية هن نساء النبي. فهو يطلب من ضيوفه أن لا يتجولوا في بيته كما بدا لهم وأن لا يخاطبوا نساءه عند الحاجة إلا من وراء حجاب أي من خلف الأبواب أو الحيطان أو أي حواجز توجد في البيت. لا بد لفهم هذا النص من الأخذ بعين الاعتبار كلا من عدد نساء النبي وعدد الضيوف في بيته وتعدد مشاربهم وطباعهم (تحدث المفسرون في أسباب نزول الآية عن وجود عدد كبير من الضيوف في بيت النبي).
تنبغي أيضا ملاحظة وجود كثير من علامات الخصوصية في هاته الآية لعل أوضحها وأبرزها ما جاء في عبارات: " ...وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما". الآية تمثل بشكل ما، علاوة عن كونها متعلقة بشؤون بيت النبي الداخلية، عتابا لاؤلئك الضيوف الذين يؤذون النبي في زوجاته وتطلب منهم أن لا يسعوا لنكاحهن من بعد زواجه بهن.
من المعقول إذا أن لا يسعى ضيوف النبي إلى اجتياز الحواجز الموجودة ببيته أو إيذائه في بيته بالسعي لنكاح أزواجه من بعده؛ لكنه ليس من المعقول تغيير هذه المقاصد لعبارة الحجاب الواردة في الآية باشتراط لباس قد لا يمنع ما قصد نص الآية منعه من إيذاء للنبي.
إذا كان فقهاء السلف قد خلطوا مقاصد الآية بموضوع لباس المرأة في عصرهم، أو كان زعماء الفرق الأصولية والوهابية يوظفون هذا الخلط ويعيدون إنتاجه فهذا لا يجيز لمن يدعي العقلانية أو اليسراوية والاعتدال في القرن الواحد والعشرين أن يغض الطرف عن مثل هذه المسائل؟
لا ينبغي أن ننسى، أيها القارئ الكريم أن السيد صلاح الجورشي لا يصرح بانتماء أو قرابة من الفرق الأصولية والوهابية، بل هو عضو في الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فكيف يستطيع أن يسكت، عند حديثه في قضية حمل الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم، عن الجانب الثاني أو الوجه المخفي من القضية الذي سألمح إليه بالملاحظات الثلاث الآتية؟:
1- عند الحديث حول علاقة حمل الخمار الأصولي بالعبادات والطقوس الإسلامية يتبين وجه ثان للقضية. الوجه الأول معروف وهو قول فقهاء السلف وكل الفرق الأصولية والوهابية بأن حمل الخمار يمثل واجبا على المرأة المسلمة. أما الوجه الثاني الذي لم يذكره السيد صلاح وتنكره كل فرق الأصولية والوهابية فهو القول بأن الدين الإسلامي في خطابه الأصلي لا يطلب من المرأة المسلمة أن تحمل ذلك اللباس (وسأكون سعيدا بمتابعة أي مناقشة جدية لمقالي سالف الذكر والخاص بهذا الموضوع مع السيد صلاح).
2- عند الحديث حول حرية اللباس ينسى دعاة الفرق الأصولية والوهابية ما تعنيه تلك الحرية من حق في حمل كل أنواع اللباس: ما هو خليع وما هو خاص بعبدة الشيطان وما هو خاص بفرق الشباب الفاشي إلخ... وينسون أيضا أن حرية اللباس لا تعقل في عديد من الأماكن والحالات فالخمار الأصولي ذاته، ناهيك عن الجلباب، يحد من مقدرة المرأة على السمع وعلى مراقبة حركة المرور وقد يتسبب في عدد من الحوادث إن كانت المرأة حاملة الخمار راجلة أو على مقود السيارة، أما عند الحرب وعند حالات الصراع الاجتماعي والاحتكاك السياسي فستكون العوائق والمآسي أكثر عددا وأشد إضرارا حيث لا يمكن في تلك الحالات الفصل بين الجنسين ومنع الاختلاط. كيف ينسى السيد صلاح أن يأخذ بالحسبان مثل هذه الاعتبارات فلا يتحدث عما قد يحدثه هذا اللباس من تعطيل لحرية وسلامة وفعالية الحركة والعمل في مؤسسات التعليم ومراكز العمل كما في الطريق العام؟
3- عند الحديث عن حرية إقامة الطقوس والعبادات الدينية لا بد أيضا من اعتبار ما قد تحدثه بعض الطقوس من ضرر بالغير أو نيل من حقوقه. وليعلم الحقوقي صلاح الجورشي أن قتل المسيحيين، وغيرهم ممن يعتبره بعض دعاة الفرق الأصولية والوهابية كفارا، يمثل سنة محمدية لديهم (انظر مقال أحد الإرهابيين اللبنانيين على الشبكة الافتراضية بعنوان: "إسعاد الأخيار بإحياء سنة نحر الكفار"). فهل نطلق لفرق الأصولية والوهابية حرية القتل بدعوى أنه يمثل جزءا من طقوسهم وعباداتهم واعتقاداتهم الدينية؟
حين تحمل الفتاة في الجامعة ما يدعى ب"اللباس الإسلامي" هل تكرس بذلك حقها في حرية الإيمان وحرية القيام بطقوس العبادة أم تكرس عبوديتها وانسحاقها أمام إرادة أمراء الفرق الأصولية والوهابية؟ هل تكسب حريتها بحمل الخمار أم تفقدها؟ كيف للسيد صلاح، الذي يفترض أنه يلتزم بقيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن يدعي أن حمل الخمار يمثل تحقيقا للحرية وتجسيما لحق القيام بالعبادة وليس العكس؟ لماذا لا يقول مثلا أنها "حرية" العبد المملوك أو "حرية" السجين المقيد أو وهم الحرية الذي يخفي قيود العبودية والأسر؟
لماذا يدعي السيد صلاح أنه يرى في الفتاة الحاملة للخمار الأصولي الأسود فتاة تتحرر ويخفي علاقة الحدث بانتصار الفرق الأصولية والوهابية وزحف إيديولوجيتها وفهمها الخاص واللاعقلاني للتراث الإسلامي؟
إن كان من واجبات " الحقوقي" صلاح الجورشي، بحكم عضويته في إدارة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن يسهر على تطبيق المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الآتي نصها:
المادة 18.
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة.
فهو مطالب أيضا بالسهر على تطبيق المادة 30 التي تقول:
المادة 30.
ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.
ينبغي للسيد صلاح الجورشي إذا مثل كل الحقوقيين أن يفهم أن حقوق إقامة الطقوس والشعائر الدينية يجب أن تقف وتمنع حين يقع توظفيها للمساس بحقوق الغير.
وإن كان من الواجب إنقاذ من يقدم على الانتحار بل منعه أيضا فكيف لا يكون من الواجب الحقوقي والإنساني أن ننقذ الفتاة التي تخيط ثوب سجنها وتضع على الرأس حمل قيدها ؟ هذا مبدأ حقوقي وإنساني أكيد.. يبقى فقط السؤال: كيف؟ بالموافقة على منع الخمار الأصولي في مؤسسات التعليم والعمل، أم بالمطالبة بإحداث كليات خاصة بضحايا الدعاية الأصولية، أم بأنواع أخرى من الحلول؟
لقد انتشر الإعلام الأسود في هذا الزمن السيئ حيث صرنا نسمع ونرى ليلا ونهارا من يتهكم ويشتم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لأنه نزع الخمار في الطريق العام عن إحدى نساء الوطن ونقرأ لأحد القياديين في رابطة حقوق الإنسان وهو ينتقد العلمانيين والعقلانيين والحداثيين انتصارا لخمار الفرق الأصولية والوهابية ومشاريعها السياسية. ليعلم هؤلاء الدعاة أن بورقيبة نزع الخمار عن المرأة وهي تبتسم ... وهي مقتنعة وسعيدة باستقبال الحرية والنور. وليعلم صلاح الجورشي أن انتصار فرق الأصولية والوهابية لا يحصل ببترو-دولارات الخليج وحدها بل أيضا بالدعاية والإعلام الذي يساهم فيه بكتاباته والذي يصور مأساة التلميذة، التي تحمل الخمار الأصولي بسبب نقص في الوعي أو خطأ في فهم مقاصد الدين، بعبارات البطولة والنصر كما لو كان ذلك اللباس علامة إيمان وحرية لا علامة من علامات الخطأ في فهم التراث الديني وعلامة من علامات عبودية المرأة وإذلالها في عصر يرفض العبودية والتمييز بين الكائنات البشرية.
زهير الشرفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.