أتساءل باستمرار عن الجدوى والمنفعة من إجراء إنتخابات رئاسية في الدول العربية إذا كان المرشح, للمرّة الثالثة والرابعة والخامسة والذي يكاد يكون وحيدا, هو نفسه رئيس الدولة, ويحصل في جميع الأحوال على نسبة أكثر من تسعين بالمئة من أصوات الناخبين؟ خصوصا في ظل غياب منافسين حقيقيين له, ليس لعدم وجود شخصيات لها وزنها السياسي والاجتماعي وتتمتع بدعم شعبي معتبر, بل لآن الدولة بجميع مؤسساتها ودوائرها, وأولها الأمنية وألاعلامية, أصبحت حكرا على الرئيس وحاشيته, بل وعائلته في أغلب الأحيان. ولا ريب أن الشعب, االذي ينام ويستيقظ على صورة الرئيس وأخباره "وإنجازاته"وبطولاته التلفزيونية, لا يجد بدّا من إنتخابه. فهو مفروض عليه رغم أنفه. إن إنتخاب زين العابدين بن على رئيسا للمرة الخامسة للجمهورية التونسية, وإذا أطال الله في عمره فالى دورة سادسة وسابعة... وربما الى الأبد, تجعل الانسان يُصاب بالغثيان من "الديمقراطية" التي يؤمن بها ويطبّقها الحكام العرب. فهم الوحيدون من حكام الأرض الذين يعبثون بالقوانين والدساتير كما يحلو لهم من أجل خلودهم في السلطة, في ظل تبعية وفساد مؤسسات الدولة الأخرى, كالبرلمان والقضاء والاعلام, والتي تقوم عادة, بعد أن يتم تدجينها وتغذيتها بأمصال التخاذل والانقياد الأعمى, بتعبيد الطريق الى الرئيس الذي لا رئيس من بعده ولا من قبله. وتصنع منه مُخلّصا ومنقذا للأمّة التي توشك على الهلاك والفناء لولا عبقريته ورجاحة عقله, وطبعا عدله الذي لا مثيل له!!! وكما حصل لمن تجرأ ورشّح نفسه لمنافسة الرئيس زين العابدين بن على يعمد الحكام العرب, عن طريق أبواقهم وسيوفهم المسلّطة على رقاب الجميع, الى حملات التشويه والتشهير والتخوين المصحوب دائما بالتهديد والوعيد لخصومهم أو بالأحرى لمنافسيهم في الانتخابات. وتكون لائحة الاتهامات بشتى التُهم دائما مرفوعة في وجوههم. بالرغم من أن"فوز" الرئيس مضمون مئة بالمئة. وكيف لرئيس عربي قضى عشرات السنين متربّعا على عرش لم يصله الاّ بالطرق والوسائل الغيرشرعية أن يخسر إنتخابات رئاسية؟ وبالتالي فان إنتخابات الرئاسة في تونس, ومثلها في بعض الدول العربية الأخرى, لا تعدو عن كونها بهرجة إعلامية عن ديمقراطية لا طعم ولا رائحة لها. وكلّ ما يُراد منها, ليس إعادة إنتخاب الرئيس بن علي لولاية جديدة, فهذا أمر مفروغ منه, بل من أجل أيهام الدول الأخرى بان النظام التونسي, رغم مرور أكثر من عقدين على حكم بن على, هو نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية الحزبية, طبعا على الورق فقط, وتكافؤ الفرص"سياسيا" بين مواطنيه. لكن العالم المتحضّر, الذي له مصلحة خاصة في بقاء زين العابدين بن على وحسني مبارك وأمثالهما, يغضّ الطرف دائما ويتجاهل أن شعوبا باكملها مقموعة وخاضعة, باسم ديمقراطية زائفة وحرية مكبّلة بعشرات القيود, الى سلطة العائلة الواحدة بعد أن ترسّخت سلطة الحزب الواحد, التجمع الدستوري في تونس والحزب الوطني في مصر, وضربت جذورها باعماق المجتمع. وأصبح الخلاص من هيمنة العائلة الحاكمة"الرئيس وحرمه" من سابع المستحيلات. هناك مآخذ وملاحظات كثيرة على الانتخابات في الوطن العربي, ومنها إنتخابات تونس الرئاسية التي هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين المرشّحين للرئاسة. فعلى سبيل المثال, يحصل في جميع الدول التي تجري فيها إنتخابات رئاسية, سواء كانت دول متحضّرة أم متخلّفة, هي أن فارق النقاط بين المنافس الرئيسي والذي يليه, بعد فرز معظم الأصوات, يكون عادة من 10 الى 20 ,نقطة مئوية. بينما في إنتخابات الرئاسة التونسية فاز الرئيس بن علي بنسبة 90 بالمئة تقريبا من عدد أصوات الناخبين, مقابل 5 بالمئة فقط لأقرب منافسيه. وهذه النسبة العجيبة لم تحصل في أية دولة من دول العالم, بل لم تحصل حتى في أفغانستان! لكنّ مشكلتنا على ما يبدو هي إن الأنظمة العربية تعوّدت أن تأخذ من الديمقراطية سوى القشور, إذا جاز التعبير, وتعتبر ممارسة تلك "القشور" هِبة ومنّة وتكرّما على الشعب المغلوب على أمره.