كشف الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني، الدكتور حسن الترابي، أن بعض الجهات العربية أرادت سحب الورقة التفاوضية الخاصة بسلام دارفور من الدوحة، مؤكدا في السياق عينه أن قطر هي أكثر أهلية من باقي الدول العربية لحل قضية الإقليم الغربي، «ومساعيها تحظى بدعم المبعوث الأميركي للسودان»، ليتهم في الإطار نفسه حكومة الخرطوم بمحاولة شرذمة الحركات الدارفورية وفقاً لمبدأ «فرق تسد». كلام الترابي -الذي جاء في حوار مع الصحافة القطرية إثر زيارة للبلاد تأتي بعد حوالي 6 أشهر من قرار الجهات الأمنية السودانية بمنعه من السفر، ومصادرة جواز سفره- وضع شرطين للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وهما إحراز تقدم في إطار مفاوضات سلام دارفور في الجولة التي ستعقد منتصف الشهر الجاري في الدوحة، والتراضي مع أبناء الإقليم على «الأصول»، محذرا من لجوء المعارضة بالإجماع إلى مقاطعة الانتخابات في حال لم يتم الاتفاق على الشرطين المذكورين. وفي وقت اعتبر أن الانتخابات المعروضة على الجنوب ستعزز النظام الديكتاتوري السائد، أكد أن أكثر من 90 % من الرأي العام الشعبي في الجنوب يؤيد الانفصال، موجهاً بالمقابل دعوة إلى حكومة الخرطوم لتبدل سياستها بشكل جذري، «وإلا يفترض تغيرها». نزعة الانفصال لدى الجنوبيين تأتي نتيجة تراكمات ولدها الانفصال الإداري عن الشمال أيام الوجود البريطاني. وأوضح الترابي أن الجنوب كان منغلقاً ولم ينفتح إلا بعد الاستقلال، حيث بدا جلياً الفرق السائد في مستوى المعيشة والتعليم بين المنطقتين». وتابع «كان ينبغي استدراك النقص الحاصل في الجنوب منذ أيام الاستقلال الأولى، لكن الشكاوى تراكمت، وبدأت الحركات التمردية بالظهور، كما أن التسويات المتكررة لم تعط أية نتيجة»، لافتاً إلى أن السلطة العسكرية الموجودة اليوم كانت تظن أنه بإمكانها بسط حكمها بالقوة، «ولكن تبين أنها لم تعط نتيجة، خصوصاً أنه لا يمكن للقوة أن توحد بلدا». نسبة 90 % من الرأي العام الشعبي الجنوبي المؤيدة للانفصال تستند إلى استطلاعات رأي علمية. وأضاف «الحركة الشعبية ورئيسها لا يتبنيان نزعة انفصالية، ولكن هناك مد شعبي، وهما يدركان ماذا يترتب عن الانفصال ولا يرضيان بالمقابل بالواقع الناتج عن الوحدة اليوم، فالشغل الشاغل للجنوبيين هو تحقيق الانفصال بغض النظر عن أية قضية أخرى. أما دول الجوار الإفريقي جنوباً تتفق كلها مع رئيس الحركة الشعبية على الانفصال»، مشيراً إلى أن القاهرة تصب جهودها اليوم على الجنوب أكثر مما تصبه حكومة الشمال السودانية». شروط المشاركة في الانتخابات «الانتخابات المعروضة على الجنوب لن تؤدي إلى تغير في الواقع إنما ستعزز النظام الديكتاتوري نفسه»، يعتبر الترابي الذي يرى أنه في حال لم تحرز مفاوضات سلام دارفور التي ستحصل منتصف الشهر الجاري في الدوحة أي تقدم، وبالتالي لم يجر التراضي مع أهل دارفور على الأصول حتى يقبلوا بعدها بالمشاركة في الانتخابات، واستكمال الحوار حول التفاصيل بعدها، ومراقبة ما اتفق عليه، فهذا يعني أن دارفور لن تشارك في الانتخابات، كونها جزءا غير محتسب على السودان، «وفي حال لم يتم الاتفاق على الشرطين المذكورين من هنا وحتى نهاية نوفمبر الجاري، سيعقد اجتماع لاختيار ربما مقاطعة الانتخابات بالإجماع، واللجوء إلى وسائل أخرى للتغيير». وشرح الترابي أن دارفور كانت منذ مئات السنين دولة واسعة العلاقات، «فهم أكثر من يمكنهم تذكر أصولهم المستقلة، وهو واقع لم يكن موجودا في الجنوب. كانت تنطلق أحاديث في دارفور من حين لآخر عن الحق في تقرير المصير، وعندما قاتل الجنوب ليستعيد حقه قام أهل دارفور بالمقابل بخطوة مماثلة، فلا يصلح مع العسكريين المجادلة إنما المقاتلة فقط، علما أن قسما كبيرا من الرأي العام يرى أن لا جدوى من التطاول والتأجيل المتواصل في هذا الإطار». وأضاف «أزمة دارفور ليست جامدة، فالشعب الدارفوري يموت يوميا، وأصبح القتل منهجا ليس فقط بين الحركات ومن معها والحكومة ومن معها، إنما أيضا بين القبائل، فإلى متى يمكن الاستمرار على هذا النحو، لاسيما أن أحدا لا يمكنه أن يرضى بذلك»، مذكراً في السياق عينه بالوضع الذي كان سائدا في شرق السودان الذي ترتب عنه تسوية مع إريتريا لم تكن مرضية جدا كونها لم تبدل الكثير، ليشير إلى أنه في حال بدأت لعبة «الدومينو» فإن السودان قد يتقطع. تغير الأشخاص الترابي يرفض الكلام عن «التشاؤم» ويستبدله بتشخيص الوضع «الخطير» بغية محاولة الاستدراك، «إذ لا بد للحكومة أن تتغير أو أن تغير سياستها تغيرا جذريا». هذا لا يعني بالضرورة بالنسبة للترابي إسقاط حكومة البشير، لأنه قد يتمثل أيضاً «بإسقاط الممسكين بالسلطة ما في عقولهم وإعطاء الجنوب مشاريع سكك الحديد وأخرى مماثلة للتي ترتفع في باقي مناطق السودان»، موجهاً دعوة إلى تغيير النهج السياسي المتبع «لأن الأشخاص لا يعنوا لي الكثير إنما المناهج السياسية». الخطوات التغيرية التي تقوم بها حكومة الرئيس البشير التي بدأت بتغيير رئيس جهاز الأمن ليست هي الخطوات المطلوبة، يشدد الترابي. وقال «تغير الأشخاص لا يعني تغير القانون الذي ما زال يعطي أجهزة الأمن السلطة نفسها. ومن ناحية أخرى تم رفع الرقابة عن الصحف، لكن جرى بالمقابل إنذارها حينما أعلن الرئيس نفسه «أن بعض الذين رفعنا عنهم الرقابة قاربوا الخط الأحمر». وبالتالي فإن الناس غير مرتاحين لهذا القرار. أما الإذاعة فيسيطر عليها الحزب الحاكم أو من رضي عنه». فرق تسد تحاول السلطة السودانية أن تشرذم الحركات في دارفور، وفقاً لمبدأ فرق تسد، شرح الترابي، «فالتمرد يأخذ دوما شكل الميليشيات، والحكومة تحاول اجتذاب إحداها وإغراءها بتسوية لتنفصل عن الأخريات. لكن مصر وليبيا والولاياتالمتحدة تحاول جمع الحركات. ومن الأفضل للحركات الدارفورية كلها التوحد حول ورقة واحدة، لتتنافس لاحقا في انتخابات الحكم الإقليمي في دارفور ثم في الحكم القومي»، داعياً الحكومة إلى معالجة قضية دارفور بالطريقة نفسها التي اتبعت في الجنوب في حال أرادت التوصل إلى حل. ورأى الترابي أن دارفور لا تملك جواراً أجنبياً غريباً، «فالإقليم الغربي وتشاد جزء واحد من الحياة، ولا ندري كم تشادي يوجد في السودان، وهذا الواقع يذكي الحركات الدارفورية، لكنه لا يؤثر سلبا في إقرار السلام، بل على العكس يشكل السلام الكامل». وأضاف «حتى المنظومة الإفريقية أكدت أن حل دارفور مرتبط بالحل مع تشاد، وعدم معالجة هذا الأمر سيفسد الأجواء والعكس صحيح، وبالتالي لن تعالج القضية الثنائية دوليا، بل يجب معالجة أزمة دارفور مع الجار. وكذلك الحال مع مصر وأوغندا وإثيوبيا، فنحن لدينا 9 جيران. الوعي الاجتماعي كبر جدا، ولا يمكن كبت إرادة التقارب بين الشعوب فتأخذ كل منطقة نصيبها من الحرية والعدل والمال العام»، مشيرا إلى أنه حتى لو تراجعت السلطة بعض الشيء وبسطت حريات للتنافس الحق في الانتخابات، وأحرزت تقدماً في قضية دارفور، «فإن الانتخابات ستوصل كتلا كثيرة من الأحزاب، لتكون الحكومة ائتلافا دقيقا قد يصمد لشهرين». الاستراتيجية الانتخابية حزب المؤتمر الشعبي سيشارك مع الأحزاب الأخرى في الانتخابات، شدد الترابي، واصفاً البرلمان الحالي بالمجلس المعين من قبل الرئيس، رداً على سؤال حول ما إذا كان «المؤتمر الشعبي سيستمر بالمشاركة حتى لو لم ينجح البرلمان بإقرار القوانين الديمقراطية». وتابع «إذا انتفت الحرية تماما وتعطلت مفاوضات دارفور وأجلت مرة بعد مرة، فستجتمع عندها الأحزاب كلها قبل آخر نوفمبر، وإذا اتخذت خيار المقاطعة فسيكون بالإجماع حتى تسقط الشرعية من النظام». وعما إذا كانت المعارضة ستطرح مرشحا باسمها لرئاسة الجمهورية، أوضح الترابي أن رئاسة الجمهورية هي دورة لا بد من أن يفوز بها أحد المرشحين بأكثر من 50 % من الأصوات، إذا لم يتم ذلك فستعاد الانتخابات بين الشخصين اللذين أحرزا أكثرية الأصوات. وأضاف «كل حزب من الأحزاب سيرشح من يراه مناسباً حتى نوزع الأصوات، فلا يفوز القائم في السلطة الآن بال 50 % من الأصوات زائد واحد، ليتم التصويت على الأرجح في الدورة الثانية للشخص الآخر الذي لا يستعمل الأمن والجيش والسلطان لبسط السلطة، وبمعنى آخر ستنسق الأحزاب مع بعضها البعض في حال جرت الانتخابات». سحب الورقة القطرية الولاياتالمتحدة تدفع بقوة باتجاه التوصل إلى سلام في دارفور، يؤكد الترابي. وقال «بالرغم من أن غالبية الناس يعتقدون أن الإدارة الأميركية الجديدة قد لطفت علاقاتها مع العالم العربي المسلم الآخر -خصوصا أن الحزب الديمقراطي يجمع أكثرية الأفارقة الأميركيين الذين تعود أصولهم إلى غرب إفريقيا ودارفور من ضمنها- فإن الاستراتيجية الأميركية الجديدة الموضوعة هي مماثلة تقريباً للسياسة القديمة، وتنذر السودان من دون أن تبين له المخاطر المترتبة عن عدم التزامه بالشروط حتى لا يحسب لها حسابا، وتبشره بالمقابل بأشياء من دون ذكرها». وأضاف «لكن العقوبات جددت قبل أيام، وأرسل المبعوث الأميركي الخاص للسودان للبحث عن حل لأزمة دارفور، وجمع الفصائل المتباينة كلها»، مؤكداً تأييد المبعوث الأميركي للخطوات التي تقوم بها قطر في هذا الإطار «بالرغم من أن بعض الجهات العربية أرادت سحب الورقة القطرية إلى موطن آخر». قطر هي أكثر أهلية من باقي الدول العربية لأن تكون وسطا تنشط فيه وتعمر فيه الوساطة بخصوص أزمة دارفور، أعلن الترابي، «فقد نجحت الدوحة في لبنان ومع ليبيا في ما يتعلق بأزمة الممرضات والمقرحي، كما هي لا تحب الدخول في صراعات العرب مع الآخرين». وأضاف «صحيح أن قضية دارفور أكثر تعقيدا من القضايا المذكورة، لكن قطر تجهد في هذا الإطار مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية». الجهود كلها تنصب الآن في الدوحة، وانعزال تلك الجهود سيربك القضية ويفسدها، لفت الترابي. وتابع «إذا اجتمعت كلها وصوبت إلى منحى واحد لأحدثت ضغطا على السلطة وأهل دارفور، وقد اقترح الأفارقة ألا يكون العلاج في يد من هم في السلطة ومن هم في دارفور فقط، بل طالبوا بوجود القوى السودانية كافة -أي الحكومة بطرفيها الجنوبي والشمالي، والأحزاب السياسية التي لديها قواعد في دارفور- وهو تفكير عاقل». وفي السياق عينه رأى الترابي أنه في حال دعمت كل التوصيات التي رفعها الرئيس الجنوب إفريقي السابق مبيكي، فستكون محاولة لإقناع السلطة بأن تُدخل معها كل القوى السياسية السودانية، إضافة إلى حضور الدول المجاورة والدول الأوروبية وغيرها، فيجتمعون ويجدون حلا «فالمفاوضات لا تجري على المائدة إنما في اللوبيات». وأضاف «لقد قدمت التوصيات اقتراحات في قضية المحاكم، فالقضاء بعضه سوداني والبعض الآخر عربي وإفريقي، حيث إن إدارته والتحقيقات والتحريات ليست تابعة للسلطة السودانية، خصوصا أن القضاة السودانيين ليسوا مستقلين»، مشيراً إلى نية لتدويل التحقيقات «انطلاقا من أن كل شيء بات مدولا في دارفور، والسودان أساسا مؤهل للانفتاح على العالمية». العرب القطرية 2009-11-01