أعلن الزعيم السابق في الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي (60 عاما) ومفوض العلاقات الخارجية للحزب عن ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة المزمع عقدها نهاية العام 2009. وبهذا يكون الشابي أوّل مرشح رسمي رغم أنّ القانون الانتخابي التونسي لا يتيح له في الظروف الحالية تقديم ترشحه، لاشتراطه الحصول على تزكية 30 عضوا بالبرلمان أو المجالس البلدية والتي يسيطر عليها الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي بأغلبية ساحقة. خطوة استباقية وبرّر الشابي ترشحه بأنّ الحكومة التونسية مقبلة مثلما جرت عادتها على إجراء قانون انتقالي في الأشهر القادمة يتعلّق بشروط الترشّح للانتخابات الرئاسية وسيكون القانون متوجّها بالأساس نحو أحزاب المعارضة. ولذلك فهو يرى بأنّه لا بدّ من التحرّك من الآن للضغط وعدم تفويت الفرصة حتى لا يكون التعديل المتوقّع إجراء شكليا مقصورا على "أحزاب الموالاة". وكان قانون انتقالي قبل انتخابات 1999 قد خوّل الترشح لأمناء عامّين لأحزاب معارضة قريبة من الحكم. ثم تلاه قانون آخر قبل انتخابات 2004 مكّن أعضاء الهيئات السياسية للأحزاب الممثلة بالبرلمان من الترشح واشترط أن يكونوا مزاولين لمسؤولياتهم الحزبية قبل خمس سنوات. وهي شروط لا تتوفر في حزب الشابي. وسبق للشابي أن وجّه رسالة إلى أعضاء البرلمان سنة 2004 طلبا للتزكية دون أي استجابة. ولم يحظ الترشح الاستباقي من أي حزب معارض حتى من حلفاء الحزب الديمقراطي التقدمي. وكان الشابي قد دخل منذ تشرين أول (أكتوبر) 2005 (تاريخ إضراب جماعي عن الطعام دام شهرا احتجاج على انسداد الحياة السياسية في البلاد) في تحالف عرف لا حقا ب"هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" التي انبثقت عن ذلك الإضراب. وتضرب السلطات التونسية حصارا أمنيا عنيفا في بعض الأحيان على أنشطة الهيئة وتشنّ حملات إعلامية متواصلة ضدّها. وتضمّ الهيئة حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحركة النهضة وحزب العمال الشيوعي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إضافة إلى شخصيات حقوقية بارزة. كما لم يحز الترشح على دعم داخلي مطلق، فقد صوّت له خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشهر الجاري 43 عضوا من أصل 75. ويرى منتقدوه أنّه يركّز على حرية الترشح كأنّها مفتاح حل جميع المشاكل وكأنّ موازين القوى تسمح بتحقيق كسب انتخابي. غياب الإجماع الداخلي وعارض قرار إعلان الترشيح 16 عضوا من الحزب الديمقراطي التقدمي. ويدعو هؤلاء إلى الاستفادة من منظومة المشاركة الحالية والعمل على تطويرها بما يتيح تعزيز موقع الحزب في الساحة. وقال الأمين العام المساعد للحزب محمد القوماني الذي رفض قرار استباق الترشح في تصريح خاص ل"قدس برس إنّه "ضدّ الاستعجال ومع ترك الإمكانية مفتوحة للأشهر القادمة"، وأنّه لا يعارض من ناحية مبدئية ترشح الشابي أو أي شخصية أخرى للانتخابات الرئاسية، ولكن في الوقت الحالي يجب العمل على "تأكيد حق الحزب وحق المعارضة في تقديم مرشحين وترك مسألة الضغط في إطار العمل مع بقية أطراف المعارضة من أجل قانون انتقالي يتيح هذه الإمكانية". وأضاف أنّ "تعجيل المرشح الآن قد يخلق صعوبات داخل المعارضة"، متسائلا "كيف يمكن طرح المشاركة وفي نفس الوقت إدانة الموالاة؟". ونبّه محمد القوماني إلى أنّ واقع المعارضة هو أدنى من طرح تداول جاهز على السلطة وأنّه عليها أن تعي بأنّ 2009 هي مرحلة انتقالية قد تفتح الأفق نحو التداول في 2014، باعتبار أنّ الرئيس الحالي لن يتمكن من الترشح بعد الدورة القادمة وفق القانون الحالي. وأبلغ القوماني "قدس برس" أنّ التصويت الأخير قد عمّق الخلاف السياسي داخل الحزب بل "أساء للعلاقات الحزبية واحترام الآخر حيث انتهك سير الجلسة بالتهجّم بألفاظ مسيئة على المخالفين من قبل المساندين". ترشح قد يضعف العمل المشترك وكان الأستاذ أحمد نجيب الشابي قد اقترح مشروعه على "هيئة 18 أكتوبر" خلال أربعة اجتماعات ولم يحظ بمساندة رسمية. فالتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي يقوده مصطفى بن جعفر، ولئن أقرّ حق كل طرف في الترشح والنضال من أجل فتح الباب للجميع، فإنّه أكّد في بيان صادر عن مجلس الإطارات "ضرورة عدم اتخاذ مواقف متسرعة... وأنّ الأولوية اليوم هي الحفاظ على وحدة الصف ودفع فكرة العمل المشترك الذي بدأ يؤتي ثماره". وانتقد الدكتور ابن جعفر أمين عام التكتل في تصريح خاص ل"قدس برس" الترشح الاستباقي باعتباره "يطرح مسائل لم يقع تجاوزها بنقاش عميق... ويحول دون أن تتوحد القواعد الديمقراطية حول المرشح الممكن". وأضاف "الأولوية هي تغيير قواعد اللعبة باعتبار أنّ الانتخابات هي تتويج لمسار". أما القيادي البارز في حركة النهضة المهندس علي العريض فقد أوضح في تصريح ل"قدس برس إنّه يساند حق الشابي وكل من يأنس في نفسه الكفاءة للترشح، ولكنّه لاحظ أنّ الشروط السياسية والقانونية لانتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة غير متوفرة في الوقت الحالي. وأنّ موقف حركته من الانتخابات "ستعلنه في أوانه مؤسساتها الشرعية وسيتحدد وفق خدمته للأهداف التحررية لحركته، سواء كان هذا الموقف مشاركة أو مساندة أو مقاطعة". وهو يعتبر أنّ "هيئة 18 أكتوبر" متفقة على التقدم بالنضال من أجل تلك المطالب، ولكنّها غير جاهزة لأن تكون جبهة انتخابية أو سياسية في الوقت الحاضر. وأنّ "اتخاذ موقف نهائي من الانتخابات منذ الآن سابق لأوانه. هذا ويعتقد الكثير من المراقبين أن الشابي بإعلانه ترشحه، بدا وكأنّه غامر بإطلاق مبادرة وإن كانت جريئة، إلا تأتي في ظروف تشهد تململ حزبي داخلي، وضعف التفاف سياسي، وغياب رهان انتخابي، معوّلا على ما يحظى به شخصيا من احترام وطني وتعاطف في أوساط النخبة العربية، وتقدير بعض المراقبين الأجانب و"أحبّاء الحرية والديمقراطية في العالم" كما ورد في وثيقة وزّعها المترشح مؤخرا.