تباينت الاهتمامات بنتائج الاستفتاء في سويسرا على منع بناء مآذن جديدة في البلاد، وهو أمر اعتبر تقدما مثيرا لليمين المتطرف الذي يشهد تنامي قوته وأنصاره في عموم غرب أوروبا، تجاه قضية الهجرة والجاليات، وقضايا الاندماج والحوار والتعدد الثقافي. تقليل عربي ... وهولندي
وإذا كانت هذه القضية لم تجد اهتماما واسعا في العالم العربي والإسلامي، إذ لم تحفل الصحف العربية حتى الصادرة منها في أوروبا بالكثير حول الأمر، فلم يختلف الوضع في هولندا عن ذلك كثيرا، حيث اكتفى بعض النشطاء من المسلمين بتصريحات شخصية لوسائل إعلام هولندية، ولم يصدر بيان او مواقف عن منظمات ومؤسسات إسلامية في هولندا، برغم مقترح من حزب مسيحي صغير للبرلمان بالتشديد على حظر المآذن.
فقد أقترح النائب كيس فان دير ستاي باسم الحزب المسيحي اليميني إس. خي. بي على البرلمان، الحكومة بوجوب توخي الحذر في بناء المآذن. وقال النائب إنه يهدف بملتمسه هذا الرد على "انزعاج الهولنديين من رؤيتهم لمثل هذه الرموز الدينية" و"انزعاج الهولنديين الأصليين وعدم ارتياحهم من 'الهولنديين الجدد‘، هو ما نود التركيز عليه.
ورفض البرلمان الهولندي المقترح لاحقا.
استفزاز... وضعف .. واستغراب
ويربط الباحث في شؤون المجتمع المدني محمد جمال الدين من مدينة لاهاي هذا الجدل بوضعية الأقلية المسلمة، قائلا أنه لن يساعد على الاستقرار، والاندماج الطبيعي، مرجعا ما يجري الآن لسياسة التنميط، حيث يميل كل طرف لخلق صورة ما للآخر، دون تفهم دواعي الاقتراب والحوار، وبالتالي تزيد المواقف المتشددة".
ولكن الشيخ فواز الجنيد وهو من الشخصيات السلفية وإمام مسجد السنة بمدينة لاهاي يرى في الجدل والمقترح البرلماني بهولندا "علامة على ضعف المسلمين" وبرغم إقراره أن المآذن ليست من صميم الإسلام، ولكنها كأداة لإشعار الناس بالصوت بدخول وقت الصلاة فإنه يذهب إلى أن "هذا الأمر هو امتداد وتأكيد لمحاولات منع الحجاب والعادات الإسلامية، وربما يصير الأمر لمنع إقامة المساجد نفسه" كما يقول فواز الجنيد.
فيما يلاحظ الشيخ جلال عامر الأستاذ بجامعة روتردام الإسلامية أن ثمة قضية أساسية تتمثل في النظر للمسلمين كضيوف وطارئين في حين أن وجودهم أمر طبيعي، وان ثمة مسلمين من الهولنديين أساسا. لكن السيد عامر يلقي باللائمة على المسلمين أيضا قائلا "لا أرى سببا للضجة حول المآذن بالذات، في حين يمنع بناء مساجد كاملة في أوروبا، مستشهدا بعدم وجود أي تسجيل رسمي لأي مسجد في ايطاليا" كما يقول جلال عامر.
أشكال مغايرة ... وقوانين علمانية
ويطرح الحزب المسيحي أن شكل المآذن الإسلامية هو مثار الشكوى ويقول "شكل البناء في حد ذاته يدفعك إلى التساؤل عما إذا كان يتناسب مع الثقافة الهولندية. ألا يمكن منح (المساجد) أشكالا بنائية مغايرة؟".
و لا يرى جلال عامر في منع إقامة كنائس ودور عبادة مسيحية في العالم الإسلامي، مبررا لمنع الرموز الإسلامية في الغرب، قائلا " الغرب لا يعيش في دولة مسيحية، والنصرانية لا تحكم أوروبا، وإلا لما بقى فيها مسلمون، فهذه الدول تسود فيها قوانين علمانية، وبالتالي فحرية العبادة مكفولة للمسلمين مثل غيرهم، فلماذا تمنع مظاهرهم وفق هذه القوانين".
شكرا للفاتيكان يذكر أن غالبية الدول المسلمة في الشرق الأوسط بالذات، تميل لمنع او التضييق على بناء كنائس أو إظهار رموز الديانة المسيحية، أو غيرها، بالرغم من أن الأصل في أتباع بعض هذه الديانات أنهم سكان أصليين، وكذلك فأن وجود هذه الأديان سابق لوجود الإسلام في تلك المنطقة، والتي تعد مهد لكل الديانات السماوية الثلاث.
ولا يرى فواز الجنيد رفض الفاتيكان لنتائج الاستفتاء السويسري أمرا غريبا، ويقول "بالرغم من أن موقف الفاتيكان موقف مشكور، فهو طبيعي لأن من يحارب الإسلام اليوم سيحارب غيره غدا".
وحول صدى هذه القضية داخل مجتمع المهاجرين والجاليات المسلمة، فيقول جلال عامر انه لم يشعر بتأثير كبير لهذا الجدل في محيطه المسلم كالجامعة والنوادي الثقافية للجالية، لكن يحذر من ردة فعل ربما تتفجر من أطراف غير معروفة الآن. قائلا أن "التجارب علمتنا أن المسلمين قابلين للاستثارة والتهييج، وهو أمر يجب الحذر منه".
لكن الباحث جمال الدين يتفق مع أن هذا الصراع وتزايده ربما يدفع لإعادة النظر في القضية، بحيث يصير الفرقاء للبحث عن صيغ تفاهم وتسويات اجتماعية، وأن طرح هذه القضايا، له جانب ايجابي عموما، إذا يجعل الجميع يواجه مشاكله بل من ردمها. كما يقول. تقرير : طارق القزيري – إذاعة هولندا العالمية