عدت للتوّ من مؤتمر عقد في الهند عن الاعجاز في القرآن الكريم ، وقد علمت ان في الهند وحدها اكثر من 250 مليونا من المسلمين ، وقد احتشد لسماع المحاضرات في ولاية كيرالا اكثر من الفي شخص ، جاءوا من شبه القارة الهندية ، منهم طلاب في الجامعات وأساتذة ورؤساء جامعات وأعداد غفيرة من المواطنين. ولو انك رأيت ثم رأيت مجتمعا انت تألفه وتحبه كأنك تعرفه منذ سنين.هو المجتمع الذي تراه اذا عقدت ندوة كبيرة في الاردن ، او في السعودية او في مصر ، او في المغرب ، تشعر انك مع اخوتك وأهلك ، فقبلتهم واحدة ، وكتابهم واحد ، والاصول التي يتحدثون عنها واحدة ، والسمت الذي يصنعه للاسلام للمرء واحد ، سمت التواضع مع العلم ، والاحترام مع الاعتزاز بالشخصية العلمية ، والتقدير مع المودة الصادقة ، والبساطة مع امكانية التفاخر ، ولكن التفاخر والادعاء والزهو والتعالي والانانية تختفي في هذه المجتمعات. رأيت في المساجد ، بعد كل صلاة ، عشرات من الطلاب من مختلف الاسنان ، يكون على كتاب الله حفظا وتلاوة. ومن العجيب الذي تشاهده انك تلاقي مئات من حفظة القرآن الكريم ، وهم لا يعرفون اللغة العربية ، ولقد شاهدت مثل هذا الامر من قبل وفي السعودية ، وقازاخستان والمغرب ، والاردن ، وغير ذلك. ان الاسلام يصنع الكثير. عندما تقول انك مسلم ، ترتقي خمسين درجة من سلم التعامل الاجتماعي ، وتقفان على ارض صلبة ، وتبدآن في منهج التعامل مع النصف الآخر من مهمات الحياة. اما اذا قابلت شخصا آخر ، في اي مكان في العالم ، فإنك تبدأ معه من الصفر ، فهو يرتاب منك وترتاب منه ، وهو يحاول ان يكتشفك وانت كذلك تحاول. وهكذا يكون التعامل غير دقيق ، وغير مريح ، من الذي حمل هذا القرآن الذي تحمله انت هنا او في الوطن العربي ، الى هناك عبر آلاف الاجيال. من الذي حمل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تلك القلوب ، فما ان يذكر اسمه حتى يصلي الناس عليه جميعا. من الذي حمل الاذان الذي تسمعه هنا ، والله لو ان شخصا كفيفا حمل الى هناك دون ان يعرف وجهته وسمع تلاوة القرآن واقامة الصلاة لظن انه في المسجد الحرام في مكة. فتلاوة الشيخ السديس منتشرة هناك ، وطريقة الآذان منتشرة هناك. وهنا تيقنت في امر كتبت فيه كثيرا وهو ضرورة ترتيل القرآن الكريم - كما انزله الله عز وجل - وكما امرنا به ، «ورتل القرآن ترتيلا» ان هذا الامر الالهي الذي ورد مرة واحدة في القرآن الكريم ، يدل على ان القرآن الكريم يجب ان يرتل كما انزل «ورتلناه ترتيلا». فهذا الترتيل هو المنهاج الذي اراده الله لحفظ القرآن الكريم في التشتت والضياع. ولعمري لو ان القرآن الكريم انزل على صورته ، وترك الامر على وفق رغبة الناس ، ولهجاتهم وطريقة كلامهم ، لتشتت القرآن الكريم بعد نزوله بعدة عقوده ، ولم يبق له الآن اثر. ان الذي يتلو امامك القرآن الكريم ، كما يتلوه اي عربي فصيح اللسان. عالم باللغة العربية. عندما يحدثك عن غير القرآن الكريم تجد صعوبة بالغة في فهمه ، وفي متابعة كلماته. قال لي طالب انه يرغب ان يبحث في شيء يتعلق بقصة «يوسفتي» قصة يوسف عليه السلام ، قلت له هل تحفظها قال: نعم ، وتلا آيات منها بتلاوة رائعة صافية كاملة. ان هذا القرآن الكريم هو نقطة توحيد المسلمين ، وان تلاوته موحدة. وان الاقبال عليه شديد. وانهم هناك يعشقون الحديث عن ألوان الاعجاز لانها تدخل قلوبهم ، وتملؤهم يقينا واطمئنانا ، وفي قازاخستان - ذات سنة - كنت اشرح وسائل تدريس اللغة العربية وأتحدث عن مناهج التدريس وأهدافه ، وحدث ان تلوت آية فاغرووقت اعينهم بالدموع ، وكانوا واحدا وثلاثين دارسا ودارسة من طلبة الجامعات وأساتذتها. فقالوا هل لك ان تقرأ علينا صفحة من القرآن؟ ان هذا القرآن عظيم ، وقد جعل الله عز وجل فيه من الاسرار ومن البيان ومن وجوه الاعجاز ما لا تنتهي عجائبه ، ويجب على الامة العربية بشكل خاص ان تتنافس في سبيل ايجاد الفرص لاسماع شعوب الأرض القرآن الكريم ومن هناك ينتشر ويجد اناسا يتلونه ويشرحونه ويدرسونه ان الله عز وجل واحد ، وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله ، وهو الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما.. سبحانه ، والى اللقاء..