أهداني صديق مغربي خلال زيارتي الأخيرة لمدينة مراكش كتابا يحمل عنوان «مواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين بالمغرب»، صدر خلال السنة الماضية ضمن سلسلة «دفاتر وجهة نظر». وهو يضم بين دفتيه مجموعة من الورقات والمداخلات التي ألقيت ضمن الفعاليات المختلفة التي نظمت بين شهر مارس 2007 وشهر يونيو 2008، وشارك فيها إسلاميون وعلمانيون مغاربة. والطريف في هذا الأمر أن الجهة التي بادرت بدعوة هؤلاء، وتشجيعهم على التحاور فيما بينهم هي الفرع المغربي لمجلس المواطنين بالشرق الأوسط المعروف ب (Meca). كما دعمت هذه المبادرة أطرافا أخرى مثل (مجلس السلام الهولندي)، ومركز ابن رشد وفروع لجمعيات محلية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تقودها تيارات محسوبة على اليسار الراديكالي. لقد شاركت أطياف واسعة ومتنافرة. وتكفي الإشارة إلى أن هذه الحوارات جمعت بين فصيلين بينهما تاريخ طويل من الصراع العنيف. من جهة (جماعة العدل والإحسان) التي يقودها الشيخ عبدالسلام ياسين صاحب الكتاب الشهير «حوار مع فضلاء ديمقراطيين» الذي أثار غضب واحتجاج الأوساط الديمقراطية المغربية، ومن جهة أخرى مجموعة «النهج الديمقراطي» ذات المرجعية الماركسية الراديكالية. وقد كانا من قبل مثل الخطين المتوازيين في الرياضيات لا يلتقيان أبدا. وتعتقد الأطراف التي دعت إلى هذا الحوار بأن «التفاهم وحده بين هذين المكونين للمجتمع المغربي (اليسار والتيار الإسلامي المؤيد للديمقراطية) يمكنه أن يؤثر في ميزان القوة، في اتجاه يدفع بالتطور الديمقراطي إلى الأمام». وإذ لا يزال هذا الهدف بعيد المنال نظراً لحجم العوائق الفكرية والسياسية، إلا أن وزير الإعلام السابق محمد العربي المساري والعضو القيادي بحزب الاستقلال الذي شارك في هذا الحوار، يعتقد أن «الساحة السياسية المغربية مؤهلة لتفاعلات إيجابية وخلاقة»، وذلك بحكم أن في المغرب «تقاليد للحوار ونزوعا نحو التفاوض». وإلى جانب الخصوصية المحلية التي جعلته يعتقد أن المغرب (عالم بذاته)، يرى المساري الذي يتمسك بصفته كصحافي أن اليسار المغربي «لم يعد مشغولا بفكرة (قتل الله)، وهناك قبول لفكرة حرية الناس في أن يكونوا متدينين»، وفي مقابل ذلك أصبح الإسلاميون «يقدمون أنفسهم كحزب مدني له مرجعية دينية». المؤكد أن التجارب الديمقراطية، حتى ولو كانت منقوصة ومتعثرة، من شأنها أن تدفع الأطراف المتنازعة -ولو بعد حين- إلى البحث عن صيغ التعايش وحل خلافاتها بالطرق السلمية، محكّمة في ذلك القانون وصناديق الاقتراع. وهذا ما تؤكده التجربة المغربية الراهنة. فقبل سنوات قليلة كان حزب الاتحاد الاشتراكي ذو المرجعية اليسارية رافضا إجراء أي حوار مع حزب العدالة والتنمية، ويرى فيه خطرا على البلاد والعباد، لكن الأشهر الأخيرة شهدت تغيرا في هذا الموقف الرافض، وبداية استعداد للحوار، بل وربما التفكير في احتمال قيام تحالف سياسي بين الحزبين. تعتبر العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين من المسائل التي تشغل النخب والقوى السياسية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي، ويضعها البعض من بين الأولويات الرئيسة التي تحتاج لنقاش عميق، نظرا لتداعياتها المحتملة على الصعيدين الفكري والسياسي. وما حصل في المغرب نجد ما يماثله في أقطار عربية وإسلامية كثيرة، مثل الجزائر وتونس، حيث صدر مؤخرا نص وفاقي مهم عن مبادرة 18 أكتوبر التي تجمع إسلاميين وعلمانيين عن علاقة الدين والدولة، ومصر ولبنان واليمن والسودان والعراق وفلسطين داخل الخط الأخضر وخارجه. ورغم أن العلاقة بين الطرفين لا يزال يغلب عليها التوجس والشك والإقصاء المتبادل، إلا أن ذلك لم يمنع أن تتعدد المحاولات والتجارب لإقامة حوار بينهما، سواء على أصعدة محلية، أو في أطر إقليمية ومتعددة الأطراف. وهي تجارب لم تتمكن حتى الآن من تذليل عديد الصعوبات التي تواجهها، غير أنها ساعدت كثيرا على تقريب وجهات النظر بين جزء من الإسلاميين وجزء من العلمانيين، وقلصت من حجم المسافة النفسية التي كانت تفصل بينهما، ووفرت أرضية قابلة للتطور والتوسع. لكن مع ذلك تبقى أطراف من الجهتين لا تزال ترفض هذا التقارب، وتعمل على إرباكه وإفشاله. وعادة ما تتسم هذه الأطراف بالتشنج في أسلوبها، وتلتقط أية معركة لتنسف ما تم من خطوات، وتزيد من رفع الجدار الفاصل بين التيارين. وقد جاءت حادثة منع حامد أبو زيد لتعيد إثارة الغبار عاليا. فمن جهة لجأ بعض الإسلاميين إلى المخزون التكفيري المدمر، ولكن من جهة أخرى تعمّد بعض العلمانيين الخلط بين الأحداث والقضايا لشن هجوم مضاد ضد الإسلاميين بغثهم وسمينهم، كقول أحدهم بأن القائد الحمساوي نزار ريان الذي استشهد في غارة إسرائيلية أثناء الحرب على غزة مع زوجاته الأربعة وأبنائه كان «يجاهد بأفخاذ النساء». ما هكذا يكون الحوار، ولا هكذا يدار الصراع. الأزمة مزدوجة، لكن مؤشرات عديدة تؤكد بأن المستقبل سيكون أفضل. العرب القطرية 2010-01-02